آفاق انتفاضة جبل الدروز (السويداء)

كورد أونلاين |

عبدالعزيز قاسم

منذ بداية العقد الثاني شهدت الكثير من الدول ثورات شعبية “ثورات الربيع العربي”، ترافقت بأسوأ أزمة سياسية وإنسانية خاصة في سوريا، ولا تزال تتفاقم وإلى يومنا، الأمر الذي أدى إلى تعميق الأزمة الإقتصادية العامة وما لها من إنعكاسات مباشرة على مجمل مكونات وعناصر الطلب الكلي من الإنفاق العام والاستثمار والإدخار… فبات الشعب السوري يرزح تحت خط الفقر ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ناهيك عن جبهات الصراع والمعارك والتدخل الإقليمي وبخاصة التركي والايراني، ونتيجة لما ذكرت من تآكل مداخيل الأفراد أمام التضخم النقدي والذي وصل لمستويات قياسية، فمعدل التبادل النقدي لليرة السورية أمام الدولار تجاوز حاجز الستة عشر ألف ليرة سورية!
ويمكن القول: إن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مناطق سورية، وخاصة في السويداء كانت رد فعل مباشر على قرار النظام السوري في السادس عشر من آب الماضي، والتي تضمنت زيادة أسعار الوقود بنسبة ال 200% ، مقابل زيادة الاجور بنسبة ال 100% و هو ما كان سببا مباشراً للإحتجاجات الشعبية المذكورة، حيث خرجت مؤخراً بعض المظاهرات الحاشدة في محافظات عدة كالسويداء، المركز الرئيسي ل(الدروز السوريين) والمستمرة منذ قرابة الشهر ويكاد أن يتواتر يوميا، حيث تم رفع العلم الدرزي وهتف المتظاهرون ضد النظام وبشكل لافت وغير مسبوق.
ويؤكد بعض المراقبين السياسيين أن انتفاضة السويداء هي مرحلة جديدة في “الثورة” السورية وتاريخ سوريا المعاصر، ومن المعلوم أن السويداء لم تشارك وبشكل لافت في الاحتجاجات الشعبية منذ اثنتي عشر عاما من عمر الاحتجاجات، ولقد لزمت موقف الحياد من (الثورة)، ربما بسبب بعض الخلافات الاجتماعية والدينية بين الدروز كطائفة وأهالي محافظة درعا والقبائل العربية (البدو)، وقيام تنظيم داعش الإرهابي بالهجوم على مناطق الدروز وبدعم من أبناء بعض القبائل العربية(البدو)، وتجلت تلك الأعمال بالقتل، الخطف، النهب والسرقة ضد أهالي السويداء.
وكما هو معلوم أن الشخصيات الدينية والاجتماعية للدروز، وخلال الاثنتي عشرة سنة الماضية تعاملت بحساسية ومسؤولية كبيرة بعيداً عن المتاجرة بقضية الدروز ومطالبهم على عكس قادة الأحزاب الكردية (السورية) في مواقف الزج بالقضية الكردية في بازارات ورهانات خاسرة والتلاعب بمصير الشعب الكردي!
إن “انتفاضة السويداء” تكتسب خصوصيات سياسية افتقدتها (الثورة) في مناطق أخرى، فالبرغم من رفع شعارات مناهضة للنظام في دمشق وما رافق ذلك من إزالة صور وتماثيل رموز النظام من على أسطح المباني والمقرات الحكومية وفي ساحات وشوارع السويداء ، ومن مطالبة بتنفيذ القرار الدولي، الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمرقم (2254)، وشوهد رفع العلم الدرزي وبعض الشعارات المؤيدة للشعب الكردي في عفرين وسري كانيية، والتي يرفعها أحيانا متظاهرو السويداء.
إن انتفاضة السويداء فيما لو استمرت ستفتح آفاق جيدة لإيجاد حل إيجابي للأزمة السورية ومعقول وكضامنة للحقوق القومية والعرقية لمختلف القوميات والعرقيات السورية، وكما أرى فمن الصعوبة قيام البعض من سماسرة السياسة وتجار الأزمات من النيل وسرقة انتفاضة السويداء والركوب على أمواجها فهي ورغم مساحتها الصغيرة جغرافيا فلن تكون مثل (الثورة السورية) التي سرقت من قبل معارضة مشوهة.
ومن الصعوبة بمكان لأي طرف خارجي مثل تركيا وغيرها أن تحول مسار هذه الانتفاضة بالضد من مصالح الشعب السوري وحتى أطرافا داخلية (كالمعارضة السورية) أن تؤثر في مجرياتها بالضد من إرادة المنتفضين.
لذلك وفي رأيي نتائج هذه الانتفاضة ستكون إيجابية لصالح الشعب السوري برمته ولاسيما الاقليات القومية والدينية وستخلف آفاقاً أرحب وأفضل لتكون سوريا دولة فيدرالية لا مركزية الحكم والإدارة.
وكما يمكن أخذ العبر من انتفاضة أهالي السويداء، وبما فيها توطيد العلاقات الكردية مع مختلف وشرائح المجتمع السوري ولاسيما انه كانت ولا تزال هناك علاقات تاريخية جيدة بين الدروز والكرد.
وبالتطرق للعلاقات الكردية -الدرزية، ووفقا للدراسات التاريخية لبعض المؤرخين والباحثين، فإن هناك علاقة تاريخية قوية بين الدروز والكرد، وكما يقول المؤرخ الكردي د.مهدي كاكايي، مؤكدا على وجود علاقة دينية بين الدروز والكرد الياريسانيين (الكاكائيين)، وفي سياق ذلك يمكن التطرق إلى العلاقات السياسية بين الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط (1977_1917)، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والزعيم الكردي الراحل ملا مصطفى البارزاني (1903- 1979)، وفيما بعد توطدت تلك العلاقة مع الزعيم (وليد جنبلاط).
ومن خلال المصادر والأبحاث التاريخية للهجرات البشرية يمكن القول أن الدروز إنحدروا من كردستان الشمالية ولاسيما إقليم كلس وكورداغ قبل أكثر أو أقل من ألف سنة من اليوم، واستقر جلهم في الجنوب السوري ولاسيما في الجولان (محافظة القنيطرة) وحوران (محافظة السويداء) وفي ظل ظهور الكيانات مثل الدولة العباسية والسلطنة العثمانية وبغياب الحدود السياسية فقد إتجهوا نحو لبنان، الأردن وإسرائيل، وشكلوا نسبة سكانية لا يستهان بها ضمن النسيج الاجتماعي للمنطقة ومنها سوريا التي تقدر نسبتهم ب3.2% أي حوالي (700_800) ألف نسمة وحسب بعض الإحصائيات يتجاوزون المليون نسمة.
وفي الختام يمكن القول أنه وفي ظل الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان كان للدروز كيان سياسي وإداري مستقل شأنهم شأن باقي المكونات السورية كدولة جبل العلويين ودولة حلب وغيرهما بمسمى (دولة جبل الدروز) في الفترة (1921_1936)، وفيما بعد وخلال الحرب العالمية الثانية وإثر الانسحاب الفرنسي من المستعمرات ولاسيما في عهد الجنرال(ديغول) وإثر تصاعد وتيرة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وتغيير نظرة الإمبراطوريات الأوربية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا… وهزيمة ألمانيا النازية…وبدء حملات إعادة إعمار (أوربا) تحت مشروع (مارشال)، تمكنت التيارات القومية المتطرفة وبالتعاون مع الإسلام السياسي وتزايد نفوذ القوميين العرب والأتراك من نزع مكتسبات بعض القوميات والطوائف في أغلب المستعمرات ومنها سوريا، ومعها تقلص نفوذ (دولة جبل الدروز).
واليوم ومع تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الأقليات القومية، وبخاصة أن سوريا بلد متنوع الاعراق والطوائف لابد من ايجاد حل عادل لقضايا الكرد والدروز والعلويين مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصالح القوى الدولية ستحدد مصير الشعب السوري وسترسم الخارطة السورية فيما بعد، وبلا شك هناك ثورات نجحت بأقل خسائر، ولكن وبشكل عام فالثورات وعبر التاريخ الطويل للبشرية ضد الإستبداد مرت وستمر بأزمات وإنكسارات مرحلية ولن تتمكن من النجاح إلا بأهداف واضحة وترضي جميع مكونات المنتفضين ومطالبهم وعلى الباحث أن يتطلع إلى ما حدثت للثورة الفرنسية من انتكاسات وارتدادات استمرت لعقود وكما يقال: فالتغيير سمة البشرية ومطمحها، فما من ثابت إلا قانون التغيير، وفيها تقدم ورقي المجتمعات وازدهارها.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية