الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

مشروع تركي لإعادة السوريين، بين رخاوة الطرح وفاعلية الإدارة الذاتية

منبج/ آزاد كردي
إطلاق الرئيس التركي أردوغان تصريحات حول مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سوريا ليس بالمستغرب، ولم يحمل الجديد، ورقة اللاجئين السوريين كانت دائماً على طاولة المساومات السياسية (مؤتمر عودة اللاجئين السوريين) وحتى البازرات من قبل الاحتلال التركي والأطراف السورية الأخرى بمسميات شتى منها “أصدقاء سورية” و”منصة موسكو” وسواها. وعلى مدار الأزمة السورية استثمر أردوغان هذا الأمر في تهديد أوروبا على خلفيات عديدة تارةً والاستفادة من المنح الأوروبية والدولية وغيرها على خلفية إيوائهم في تركيا تارةً أخرى. مشروع إعادة اللاجئين السوريين ضمن المناطق التي يدّعي الاحتلال التركي بأنها مناطق آمنة إنما مشروع تغيير ديموغرافي بامتياز قد لا يكون المشروع الأول في هذا السياق بسوريا لكنه الأكثر خطورة فيما يخص العدد الكبير وحجم الدعم اللا محدود والموقع الجغرافي.
وعلى الرغم من محاولة الرئيس التركي أردوغان الرد على الأصوات المتعالية من الداخل التركي وعلى رأسها العديد من الأحزاب المعارضة لسياسة حزب العدالة والتنمية بضرورة إعادة اللاجئين السوريين، فمن الواضح أن الرئيس التركي يُبدي تمسكاً بورقة اللاجئين لدواعي اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية. عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لم تكن تركيا الأولى من تُبدي رغبة في هذا الموقف فقد سبقتها الدانمارك إلى ذلك بمزاعم أن سوريا باتت آمنة وهو أمر لاقى ردود أفعال متباينة وغير مرضية. التحول التركي وأخذ زمام المبادرة في الملف السوري من روسيا المنشغلة بحربها بأوكرانيا يستند إلى اعتبارات عديدة بالنظر إلى الموقف التركي الذي وقف مع أمريكا والغرب بحذر في قضايا متعلقة بالحرب، وعليه حصلت تركيا على ضوء أخضر من أمريكا في التحرك بالشرق الأوسط كيفما تشاء، أضف إلى ذلك أنه يأتي في ضوء مساعي أنقرة إلى تصحيح بعض علاقاتها مع الدول الجوار ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر في ظل مساعي لانتشال الاقتصاد من السقوط في الهاوية من خلال زيادة مشاريع واستثمارات اقتصادية مختلفة.
وبكل الأحوال تصريحات الرئيس التركي أردوغان ستكون نقطة مثار جدال للمراقبين والمحللين إذ ليس من البساطة المرور حيالها دون الوقوف على حيثياتها وأبعادها وتأثيرها على مناطق الإدارة الذاتية، فهل نحن أمام إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم أم ترحيل وتوطين قسري؟ فالمشروع بخطورة بمكان أنه يتجاوز الشأن التركي إلى مشروع سياسي يرتكز على أسس لها أبعادها التاريخية على حد قول الكاتب حسين جمو، في بحثه الذي يحمل عنوان “العودة الطوعية للسوريين ومشروع إصلاح شرق الأناضول”، حيث يقول في إطار علاقة سوريا بالمشروع؟، «في عام 2018، نقلت تركيا مشروع “إصلاح شرق الأناضول” إلى داخل سوريا، لتحتل منطقة عفرين بأسلوبٍ مغولي، تم فيه تدمير كافة مصادر معيشة السكان الكرد، وتوطين نازحين سوريين في منازلهم وقراهم، وتهجير أكثر من 300 ألف كردي، وفي عام 2019، شنّت تركيا غزواً جديداً واحتلت منطقتي رأس العين (سري كانيه) وتل أبيض، الأمر الذي أدى إلى تهجير أكثر من 200 ألف من سكان هذه المنطقة. في الإعلان الأخير، حدد أردوغان منطقتي رأس العين وتل أبيض ضمن مناطق الاستيطان الجديدة»، فالمشروع يهدف لإعادة مليون من اللاجئين السوريين خلال مدة تتراوح بين 15 – 20 شهراً، استناداً إلى تفاهمات إقليمية بين أنقرة وعواصم عربية، إضافة إلى اتصالات غير مباشرة مع حكومة دمشق، ومن غير المستبعد أن تشهد الساحة السوريّة تحولات على الأرض من خلال إقدام الاحتلال التركي على شن عملية عسكرية على مناطق الإدارة الذاتية من أجل السيطرة على منابع النفط السوري في مناطق متفرقة من الحسكة. ويفترض بالمشروع أن يعطي الأولوية للمناطق التي يتم فيها تأمين الاستقرار السياسي والعسكري، حيث يوجد 13 من المجالس المحلية في الشمال السوري وهي: إعزاز وجرابلس والباب ورأس العين وتل أبيض.
وأود أن أسمي هذا المشروع مجازاً بـ “المستوطنات” التي تتشابه معطياتها بما يجري العمل عليه في فلسطين المحتلة منذ منتصف القرن الماضي وحتى هذه اللحظة، فمشاريع المستوطنات عبارة عن بيوت من الطوب التي يعمل عليه الاحتلال التركي تتضمن مدناً صناعية تتجاوز 200 ألف منزل، بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات ذات الصلة إلى سوريا۔ وللأسف لازالت الدول الخليجية تنظر إلى قضايا الملفات السوريّة إلى الجانب المظلم من الحقيقة فيما تحجب شمسها عن البعض الآخر، ومن ذلك دعم مرتزقة الفصائل المسلحة في سوريا وتقديم الجوانب الإنسانية والإغاثية إلى بعض الفئات المحسوبين على الاحتلال التركي ومنح الأموال لإقامة مستوطنات وتغيير ديموغرافي كما حدث في عفرين المحتلة، وعليه ستؤدي دولة قطر ذات الدور في رؤيتها للجانب المظلم وستكون الجانب الرئيس في تمويل هذه المشاريع الميدانية، إلى جانب لبنان والأردن والعراق.
وتتجدد بين الفينة والأخرى مطالبات من الداخل التركي الذي يريد التحرك باتجاه مرحلة جديدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لأكثر من سبب سياسي واجتماعي ومادي، وما من شك أن حزب العدالة والتنمية في تركيا لديه عام ونيف لتسجيل اختراق سياسي حقيقي في التعامل مع موضوع الأزمة السوريّة لإيقاف ارتدادات هذا الملف على وضعه السياسي والانتخابي قبل توجه المواطن التركي إلى صناديق الاقتراع في حزيران 2023. الصعوبة حتى لا نقول المستحيل في هذه المرحلة ولأكثر من سبب، هي الجمع بين إرضاء المواطن السوري وإقناعه بالعودة من الدول التي لجأ إليها، وبين تقديم الضمانات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الكفيلة بتشجيعه على قبول خطوة بهذا الاتجاه، وإذا افترضنا جدلاً أن هذا المشروع الاستيطاني قابل للتحقيق، وبأي صورة كانت، فهل له من تداعيات وآثار محتملة على مناطق الإدارة الذاتية؟
يبدو جلياً أن المشروع الاستيطاني وإن درج على الأوساط الإعلامية من قبل عدد من مسؤولي الدولة التركية بطريقة التماشي مع سياسة الأرض الواقع أو لإرضاء بعض النُخب في تركيا أو كسب التأييد الدولي في خطوة ينبغي أن تؤخذ بالحسبان وعلى محمل الجد، وتأسيساً على ما سبق، ينبغي على الإدارة الذاتية تدارك آثارها المحتملة على المستوى المناطقي في كل المجالات وفق الآتي:
يحاول الاحتلال التركي شرعنة بقائه في المنطقة المحتلة من خلال إنشاء ممرات يدّعي أنها منطقة آمنة إلا أن ذلك لا يخفى على أحد لأنه المستفيد الأول من حجم التبادل التجاري في تلك المناطق، وعليه إذا ما أُقيم هذا المشروع بالفعل فأن التعامل التجاري والاقتصادي بشكلٍ عام في المناطق الإدارة الذاتية سيكون محكوماً ومناطاً بالموقف التركي تجاه الإدارة الذاتية على وجه الخصوص.
ولا شك أن مشروع الجسم الاستيطاني هذا سيحظى بالتأييد على المستوى الإقليمي والدولي وبالأخص مع تأزم الوضع في أوروبا من خلال الحرب الروسية-الأوكرانية، وبروز أزمة لاجئين أخرى منافسة لقضية اللاجئين السوريين وهي الهجرة الأوكرانية على دول الجوار الأوروبي، فلذا من مصلحة المجتمع الدولي وضع حد لهذا الملف تحت أي ظرف.
وكما أسلفت من قبل على افتراض إن تحقق هذا المشروع الاستيطاني وهو ما يعمل عليه الاحتلال التركي فسيكون من خلال توافق الدول المجاورة لسوريا وهو ما سيحظى بموافقتها أيضاً وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار موافقتها سلفاً سيما أنه يخفف من وطأة عبء اللاجئين السوريين عندهم ناهيك عن محاولة تركيا فتح قنوات اتصال مع حكومة دمشق من أجل تقديم تنازلات في ملفات عديدة من شأنها إصدار قانون العفو وتخفيف الإجراءات الأمنية حول السوريين العائدين، وبناءً على ذلك فإن حدث هذا المشروع فستكون الإدارة الذاتية بموقف مُحرج بين فكي كماشة الاحتلال التركي المشرعن لهذا المشروع دولياً من جهة وبين تطبيع الاحتلال التركي مع حكومة دمشق من جهة أخرى، ومن هنا ستكون الإدارة الذاتية معزولة- وفق الطرح التركي- وهو يتناسب مع رغبتها في إفشال مشروع الإدارة الذاتية تلقائياً.
وبتكثيف، يفترض بالإدارة الذاتية الانفتاح أكثر مع اللاعبين الدوليين في أوروبا ومع الدول الخليجية، ومن ثم التعويل على القاعدة الشعبية العريضة من خلال تحقيق تنمية مستدامة وهو ما سيجعل هذا المشروع الاستيطاني ميتاً قبل ولادته وبالأخص أن الإدارة الذاتية الأكثر مرونة في إبداء المواقف السياسية.
المصدر: صحيفة روناهي