آلةٌ من الکردستان

پری قرداغی

إهداءٌ إلى الفنان جاسمي ساز

ذلك الذي بصوته الشجيّ يُنشدُ وجعَ وطنٍ بأكمله.

آلةٌ من الکردستان الجنوبیة

تعزف باللون الترابي، ويجري الدم في أوتارها،

وفي كلّ نغمةٍ، تنهمر دمعةُ الوطن.

عبيرها ليس سوى شوق الأرض،

ورائحتها دمعةُ أمٍّ على ابنها الشهيد.

كلّ لحنٍ فيها رسالةٌ إلى وطنٍ كبير،

يحمل ثِقلَ الحنين وشرفَ الانتماء.

مع آلته، يقفُ شامخًا في خدمة الوطن،

مقاتلٌ، بيشمركة، غيورٌ في وجه العدو.

غدت تلك الآلةُ ذخيرةَ الأغاني،

لم يبعها، لأنّها مليئةٌ بصوتِ الأرض ونبضِها.

وفي آذان الأعداء، يُسمع صداها كريحٍ سوداء،

أمّا في صدور الأحرار، فهي نسمةُ الحرية،

ورمزُ الكريلا في قلب الوطن.

في كردستان الجنوب، حيث تُنحت الجبال من صبر الأجداد، تقف الآلة.. شامخةً كسنديانة عتيقة. ليست خشباً وتوتيراً فحسب، بل هي ذاكرة الأرض المتجددة.

هذه الآلة – يا صديقي – هي الرفيقة التي تحتضن الأسرار، والصديقة التي لا تخون. في كل مساء، حين يعانق صوت “جاسمي ساز” السكون، تتحول الأوتار إلى أنهار تجري بالحكايات، وتصبح الأنغام طرقاً تؤدي إلى القرى المنسية.

الآلة والذاكرة:

إنها ليست مجرد آلة، بل هي وطن متنقل. في صندوقها الصوتي، يُخزن رحيق التفاح الكردستاني، وصوت الرياح في جبال زاغروس، وهمس الأمهات وهن ينتظرن الغائبين. إنها تحمل عبق الأرض التي شربت من ماء التضحيات، ورائحة الخبز الذي عُجن بدموع الفراق.

البيشمركة والعازف:

ما الفرق بين يدي البيشمركة على السلاح، وأصابع العازف على الأوتار؟ كلاهما يدافع عن الوطن، لكن أحدهما بالرصاص والآخر بالروح. أحدهما يحمي الأرض، والآخر يحفظ الذاكرة. والذاكرة – كما تعلم – هي التي تمنع الموت عن الأمم.

الآلة كرسالة:

عندما تُعزف هذه الآلة، فإنها لا تُسمع فقط، بل تُرى أيضاً. نرى فيها وجه الأم التي لم تيأس، والطفل الذي لم يكف عن الحلم، والشهيد الذي أصبح نجماً في سماء الوطن. كل نغمة هي رسالة موجهة إلى الغد تقول: “سنبقى هنا، وسنغني هنا، وسنموت هنا.. لأن هذه الأرض ليست مكاناً نعيش فيه، بل هي نحن.”

في الختام:

هذه الآلة لم تُبَع، لأنها لا تُقدّر بثمن. هي كالنخلة.. تظل تمنح الظل والثمار حتى وهي محاطة بالرمال. هي صوت الأرض الذي لا يخفت، ونبض القلب الذي لا يتوقف. هي الكردستان الحقيقية.. التي تتنفس موسيقى، وتنزف شعراً، وتعيش حرية.