آلدار خليل: الثابت والمتغير في نهج المقاومة

إذا ما تناولنا العناوين العريضة لحالات التغيير التي مرت على المجتمعات فإنه يمكن ملاحظة إن التغيير غير المصطحب بفهم الحاجة إلى التغيير آنذاك لم يكن في خدمة تطلع ذلك المجتمع، بمعنى أن عدم إدراك أو تنظيم تلك المجتمعات لذاتها على أسس ومعايير تلائم التغيير وتتسق معه أدى بتلك المجتمعات لفقدانها لما كان مرجواً من خدمة لتلك المرحلة، ففي أوروبا وبالتحديد ما أفرزتها الحرب العالمية الثانية كان نتاجها الالتفاف حول فهم التغييرات وتسخيرها لتطوير مجتمعاتهم. نحن ندرك بأن حالة التغييرات التي تشهدها الساحة المحلية والإقليمية لم تعد تقبل بالاستمرار العملي أو الفكري للنتاج المدمر للمنطقة على مدى المئة عام التي مضت، وبالتالي فإن فهم المرحلة وبمفاصلها الدقيقة أمر في غاية الأهمية.

نحن نرى بأن من أهم ما يجب الاستمرار فيه وبإصرار هو تكريس واقع المقاومة كنهج قائم منفتح على عموم المتغيرات وضمن حالة دائمة من التقدم والتطور، فالمقاومة التي يؤمن بها الشعب هي التي لا يمكن أن تنكسر أمام أي جبهة معادية سياسياً كانت أم عسكرية لأن الإرادة التي تتوحد على الانتصار لا تقبل – ضمن سياق الطبيعة الثورية – أن تُهزم أو تندحر، والتجارب على الساحة الكردستانية والعالمية كثيرة، وما تشهده اليوم الساحة في روج آفا ونموذج المقاومة المقدم هو تعبير حقيقي عن حال الثورة التي فعلاً هزت أركان العالم، هذه الحقيقة هي التي أكسبت ثورتنا معناها الثوري، فلولا تلك المقاومة والتضحيات المجيدة لما كنا اليوم بهذه العزيمة وهذه القوة والصلابة، فحقيقة المقاومة هي التي جعلت من روج آفا الطرف والمعادل الأكثر اتزاناً والذي لا يمكن تجاوزه وهو الحاضر الغائب في أي منبر يتم فيه تناول أي أمر فيما يخص سوريا والمنطقة، هذه الضرورات يجب أن لا تكون إلا في مسعى محموم من التطور والتصعيد.

يبدو جلي للجميع بأننا تعرضنا في مناطقنا ولا نزال لهجمات منظمة على درجات غاية في الخطورة، حيث بدأت تلك المحاولات عبر كتائب تريد خلق البلبلة ومنع الاستقرار، ومن ثم تطورت الأمور إلى إزاحة دفة الجماعات المتطرفة نحو مناطقنا بأساليب تزرع الخوف والذعر في مجتمعنا، ومن ثم شنت بالتوازي مع ذلك حرب خاصة هدفها عزل مناطقنا عن الجسد السوري، حيث توٌجت تلك الهجمات مؤخراً بالتدخل المباشر من قبل الدولة التركية والحرب على الأرض السورية بإمكانياتها كدولة. وفي قراءة المشاهد التي تم ذكرها من محورين يمكن القول بأن المقاومة التي أبداها شعبنا هي التي فضحت مؤامراتهم وجعلتهم ينتقلون من مرحلة إلى أخرى وفي نفس الوقت الإصرار على إفشال تلك التوجهات المعادية هي المقاومة المستمرة ذاتها، إذاً المقاومة حالة لابد منها وهي قلعة حصينة تنكسر على جدرانها جميع المحاولات التي تهدف إلى دمارها وخرابها ومن هنا يأتي تقييمنا للمقاومة كفعل ديمومة وصيرورة فهي تخلق نفسها لتدوم وتتصاعد ليستمر معها البقاء والتوجه نحو الحرية، واليوم تتجلى الصورة الأهم لحالة المقاومة النموذج لثورتنا في مقاطعة عفرين حيث تحقق امتداداً للمقاومات التي حدثت في سري كانيه والحسكة وريف جزعة وتل أبيض ومنبج وكوباني، ولكن ما يجعل مقاومة عفرين مضاعفة وعلى صعيدين كونها محاصرة بالكامل ولا تقبل بالرضوخ وهذه حالة يمكن وصفها بالتاريخية ومدعاة للافتخار فما يقوم به شعبنا في عفرين – خاصة في تصديه للدولة التركية المحتلة بأسلحتها وطائراتها وعدتها وعتادها – هي تقدم النموذج الحقيقي والأمثل لفعل المقاومة والتي لابد من جعلها مثالاً في عموم روج آفا 
بالإصرار والمتابعة وعدم الانحراف عن المسار الذي مازلنا وسنبقى نرابط عليه وبالتوازي مع عظمة شعبنا المقاوم سيكون لنا الدور الأهم الآني والمستقبلي والذي يخولنا لأن نكون وبهذه الحالة نموذجاً لعموم المجتمعات التي ذاقت العبودية والقهر والظلم وتسعى في مسعاها نحو الحرية.

حقيقةً إن مدلولات الفاعلية والتأثير على الواقع في المنطقة يمكن ملاحظته من تكاتف وتواطؤ جميع الأطراف التي انحرفت عن مشاكلها الداخلية وباتت تعادي توجهنا، هذه مفخرة لنا في إن نكون شعب بهذه الإرادة وهذا العنفوان لتصفنا تلك الجهات بأننا نشكل خطراً على دول وجهات مصنفة على إنها هي الأقوى بالعتاد، ولكنها في الواقع هي الأضعف في معالجة مشاكلها الداخلية، نحن اليوم نتصدر قائمة الأطراف التي تريد السلام ولا تتخلى عن الثورة، وهذه حقيقة غير مرضية للمأجورين والأقلام المستعارة، روج آفا ماضية في ثورتها نحو الحرية والديمقراطية وتحقيقها لسوريا والمنطقة، ولابد والحال هذه من الالتفاف بعزيمة أكبر وإرادة أقوى حول فعل المقاومة واتخاذه شعاراً للمرحلة الراهنة وواقعنا المعاش، والتطوير على أساس المزيد من الصلابة حاجة ماسة في هذا المنعطف التاريخي من حياة شعبنا.

“روناهي”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

أضف تعليق