أحمدي.. إنجاز لغوي عظيم في تاريخ الأدب الكردي
أ.م.د. زينو عبد الله – جامعة السليمانية
في الآونة الأخيرة، قرأت البحث المعنون “توظيف النص الشعري في تطوير العناصر والمهارات اللغوية للناطقين بغير العربية، الشعر الحديث نموذجًا” للباحث بدر بن ندا العتيبي من جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وقد أثار في نفسي إعجابًا عميقًا، حيث يقول العتيبي: “يلعب الشعر دورًا مهمًا في تعزيز فهم القواعد اللغوية. فمن خلال تنسيق الكلمات والتراكيب، يقوم الشعر بتعليم القارئ قواعد النحو والصرف بشكل غير مباشر. يتعلم القارئ كيفية استخدام الجمل المعقدة والأزمنة المختلفة، بالإضافة إلى تنسيق الأفعال والأسماء والضمائر.”
بعدما انتهيت من قراءة هذا البحث، تذكرت أعمال العلماء الكورد العظماء الذين أسهموا في نشر العلم وتيسير اللغة. ومن بين هؤلاء العلماء البارزين، يبرز اسم الشيخ معروف النوديهي (1752-1838)، العالم الجليل والصوفي النقي، الذي قدم للأجيال إرثًا لا يُقدّر بثمن من خلال قاموسه الشهير ” ئەحمەدی”.
يعد قاموس ” ئەحمەدی” أحد أعظم الإنجازات اللغوية في تاريخ الأدب الكردي، وهو ليس مجرد مجموعة من الكلمات ومعانيها، بل هو منظومة أدبية بديعة تمثل خطوة هامة نحو إثراء وتطوير اللغة الكردية والعربية على حد سواء. يتكون القاموس من 1382 كلمة، يتم تنسيقها وفقًا لإيقاع شعري سلس، مما يسهل حفظها واستيعابها. وقد طبع هذا القاموس في دار المثني للطباعة والنشر ببغداد عام 1986، وهو يعد ثاني القواميس الكردية في هذا المجال بعد “نوبهاري” لأحمد خاني.
وفي ليالي رمضان المباركة، حيث يمتزج صفاء الروح بعبق الذكرى، عادت بي الذاكرة إلى أيام دراستي الجامعية، حين كنت طالبًا في قسم اللغة العربية، أتلقي العلم على يد أستاذي الجليل الدكتور طه صالح أمين آغا. كان أستاذًا لا يقتصر على تدريس القواعد الجافة فحسب، بل كان يغرس فينا حب القراءة، ويربط بين العلم والحياة، وبين الأدب والواقع. في إحدى محاضراته، قال لنا: “أنتم الآن في سنتكم الأولى، وعليكم أن تقرأوا أحمدي، فهو مفتاح اللغة، ومنه ستنطلقون نحو آفاق أوسع.”
خرجتُ من القاعة في ذلك اليوم محملًا بشغفٍ جديد، وتوجهتُ إلى مكتبات السليمانية القديمة، حيث بدأت رحلة البحث عن هذا الكنز المخفي بين رفوف الكتب. وبينما كنت أقلب صفحات القاموس، وجدت نفسي أمام كلماتٍ حية تنبض بروح اللغة:
(رأس) سەرە، (عین) چاوە
(بدن) قاڵب، (إسم) ناوە
(أنف) لووتە، (حاجب) برۆ
(فخذ) ڕانە، (رکبە) ئەژنۆ
إنني أؤمن بأن الأستاذ الجامعي لا يكون مربّيًا ناجحًا إلا إذا امتلك القدرة على التأثير في طلابه، تمامًا كما كان يفعل الدكتور طه، الذي لم يكن مجرد معلم، بل كان مرشدًا يفتح لنا أبواب المعرفة ويحثنا على القراءة المتنوعة، لا سيما في الأدب الكردي والعربي. ومن هنا أتذكر مقولة باولو كويلو، حين سأله أحد الصحفيين الفرنسيين عن تأثير كتاباته على القرّاء، فأجاب: “إذا نجحت في إحداث تغيير في 5% من قرّائي، فهذا أعظم إنجاز لي”. وهكذا كان تأثير أستاذي عليّ، فقد علّمني أن القراءة ليست ترفًا، بل ضرورة تُصقل بها العقول، وتُبنى بها الأمم.
وُلد الشيخ معروف النوديهي في قرية نودي بالسليمانية، ونشأ في كنف أسرة دينية، حيث تلقى العلم على أيدي كبار العلماء. برع في التصوف واللغة والأدب، وكان شيخًا للطريقة النقشبندية. ألف خمسين كتابًا في مختلف العلوم، باللغات العربية والكردية والفارسية، وكان من أبرز علماء عصره. حتى أصبح اسمه مقرونًا بالجامع الكبير في السليمانية.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=64609