أسماء المدن والبلدات الواقعة ضمن نطاق جغرافية بلاد آبوم في ضوء النصوص المسمارية المكتشفة في شبت إنليل
رستم عبدو / مدارات كرد
1. المقدمة:
اكتشفت البعثة الأمريكية العاملة في موقع تل ليلان منذ عام 1979 حتى عام 2010 نحو 1350 رقيم أو وثيقة مسمارية مُدوّنة باللغة البابلية القديمة والتي تعد أضخم مجموعة وثائق بابلية مكتشفة في الجزيرة السورية العليا حتى الآن. تعود تاريخ معظم هذه الرُقُم للقرن الثامن عشر ق.م وتتناول مواضيع سياسية وإدارية – اقتصادية ورسائل متبادلة بين حكامها مع المدن والممالك المجاورة.
ومما لفت انتباه العديد من الباحثين ومنهم فاروق إسماعيل هو أن هذه الوثائق تذكر أسماء العشرات من المدن والبلدات (الأمكنة) التي تقع ضمن إطار بلاد آبوم أو مملكة آبوم وشمال بلاد الرافدين عامة، والتي ربما تكمن أهمية هذه الأمكنة كونها ترد ضمن سياق معلومات قد تساعد على رسم خارطة جغرافية دقيقة لبلاد آبوم والبلدان المجاورة لها، إلى جانب هذا فإنها قد تُفيد في إمكانية مطابقتها مع التلال الأثرية المنتشرة في تلك الجغرافية ومعرفة أسمائها التاريخية على وجه الدقة والتي من شأنها أن تفيد أيضاً في دراسة الجغرافية التاريخية لهذه المنطقة.
يأتي هذه العمل البسيط لتسليط الضوء على البعض من هذه الأمكنة التي تحتاج بكل تأكيد في المستقبل القريب إلى أعمال مسح وتنقيب. وبالتالي إلى إجراء وتقديم المزيد من الأبحاث والدراسات بهذا الخصوص دون أن نغفل بكل تأكيد في هذا البحث تسليط الضوء على جوانب من تاريخ المملكة.
2. مملكة آبوم التسمية والإطار الجغرافي:
كانت مملكة آبوم mat A-pi-imالتي كان مركزها موقع تل ليلان الحالي[1] ( الشكل رقم 1) واحدة من أقوى الممالك الصغيرة في منطقة مثلث الخابور[2] الشرقي وكانت تشكل منطقة ربط جغرافي مع مناطق شرق دجلة وسنجار، حيث أُطلق إسم آبوم على المدينة والمملكة خلال القرن الثامن عشر ق.م وكانت تعني بلاد نبات القصب[3]، وقد ورد ذكرها كبلاد أو مدينة في مجموعة الوثائق المسمارية المكتشفة في كانيش[4] وكذلك في العديد من الوثائق المكتشفة في ماري[5] فيما عدا وثائق تل ليلان[6].
الشكل رقم (1) منظر عام لموقع تل ليلان الأثرية من الجهة الغربية.
في حين أن تل ليلان وخلال النصف الثاني من الألف الثالث ق.م كان يُعرف باسم شخنا، ثم بعد أن أقام فيها الملك الآشوري شمشي أدد أطلق عليها اسماً جديداً ذو طابع وصفي هو شبت إنليل ويعني مقر الإله إنليل، واستُخدمت – خلال فترة حكمه للمدينة – الاسمين شخنا وشبت إنليل معاً، لكن بعد موته أصبح يُطلق عليها اسم شخنا، وهو الاسم الذي كان مُفضّلاً لدى سكانها وكذلك اسم آبوم، كما أن وثائق ماري المكتشفة تشير إلى استخدام الاسماء الثلاثة[7] ( شخنا- شبت إنليل – آبوم ) في مواضع متفرقة.
تقع مملكة آبوم ( الشكل رقم 2) في الجزء الشرقي من مناطق مثلث الخابور، وتحديداً شرقي نهر جغجغ وكانت الدلالة الجغرافية لبلاد آبوم يوازي بلاد إيدا- مرص[8] الواقعة في الجهة الغربية من نهر جغجغ.
الشكل رقم (2) خريطة توضح الحدود الإدارية التقريبية لمملكة آبوم خلال القرن الثامن عشر ق.م
يعتقد الباحث فاروق إسماعيل أن الإطار الجغرافي التقريبي لبلاد آبوم هي كالتالي: سفوح طور عابدين الجنوبية شمالاً حيث الحدود الإدارية لمملكتي أزوخينوم[9] وإلُخُت[10]، ثم وادي الرد جنوباً، الذي يشكل حداً طبيعياً بين منطقتين مختلفتين جيولوجياً، ولعل أشهر مدنها هي أماز في الشرق وتيلا في الغرب، ثم نهر جغجغ غرباً باستثناء الجزء العلوي منه (أي المناطق الواقعة شمال كخت[11] والتي يبدو أنها كانت تتبع لمملكة آبوم[12] بدءاً من نوالي ( كرنواس –شمال نصيبين شمالاً) مروراً بـ شونا جنوباً ووصولاً حتى أواسط مجرى نهر جغجغ أو شرقيه)، أما في الشرق فكانت تجاور بلاد يسّان[13] حيث كان الحدود بينهما قريبة من الحدود السورية – العراقية الحالية[14].
3.مملكة آبوم خلال فترة التأسيس والتبعية:
بعد موت شمشي أدد وانهيار مملكته في عهد خلفائه، بسطت ماري في عهد ملكها زمري ليم سيطرتها على معظم مناطق الجزيرة الفراتية التي كانت قد حصلت فيها تطورات جديدة وهو تبدُّل نظام الحكم في شمال بلاد الرافدين من النظام المركزي إلى نظام دويلات المدن[15] وظهور العديد من الممالك والإمارات الصغيرة الناشئةلاسيما تلك المتواجدة في مناطق مثلث الخابور مثل شبت إنليل وإلانصورا وكخت وأشنكوم وناخور وغيرها، كما ظهرت أيضاً ممالك عديدة في مناطق جبل سنجار مثل كردا وقطارا ( تل ارماح) وكرنا (تل عقر) وأندرياج (تل خوشي) ورزاما (تل الهوى) وغيرها.
وقد خضعت معظم هذه الممالك الصغيرة لنفوذ ماري إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، حيث ترك زمري ليم إدارة شؤون تلك الممالك لحكامها المحليين مع إبقائه على رسل أو مندوبين أو مراقبين أو حتى حاميات عسكرية صغيرة في تلك المدن والممالك لرعاية مصالحه[16].
في هذه المرحلة أصبحت شبت إنليل مركزاً لمملكة آبوم وعاد إلى الاستخدام اسمها القديم “شخنا”. سعى زمري ليم إلى تثبيت نفوذه في منطقة مثلث الخابور، وقام بحملة لتلك المناطق لكنه تفاجأ بعد ذلك بتغلغل قوات من إشنونا إلى تلك المناطق التي تحالفت مع مملكة أندريج ودفع بملكها قرني ليم لمهاجمة جارتها شبت إنليل ثم محاصرتها ونهبها قبل سقوط المدينة في عام 1771 ق.م بيد ملك إشنونا إيبال بي إيل.
بقيت شبت إنليل خاضعة للنفوذ الأشنوني لمدة عام تقريباً حتى تم تحريرها من قبل ملك كرنا بدعم من مملكة ماري، لتعود شخنا وتخضع لنفوذ ماري.
في عام 1765 ق.م سقطت شبت إنليل من جديد على يد تحالف ثلاثي ضم أشنونا[17] وعيلام[18] والكوتيين[19] وبمؤازرة من ملك أندريج، وصار العيلامي كنُام حاكماً على شبت إنليل لفترة ثم انتقل الحكم إلى أتمرم ملك أندريج الذي عيّن عليها نائباً له يدعى شُشرم قبل أن يخضع لسلطة ملك أندريج الآخر وهو خيمديا لفترة من الوقت وذلك بعد دمار مملكة ماري على يد القوات البابلية في عهد أشهر ملوكها وهو حمورابي.
حكم شبت إنليل خلال هذه الفترة كل من:
توروم نتكي: وهو أول ملوك آبوم، كان له علاقات طيبة مع ملك ماري زمري ليم ولم يرض باحتلال أشنونا لبلاده حيث دافع عنها حتى قُتل على يد الملك الأشنوني إيبال بي إيل بعد مقاومة بطولية[20].
زوزو ابن توروم نتكي: حكم شبت إنليل في ظل السيادة الأشنونية لفترة دامت أقل من سنة، لم يكن مقبولاً لدى حاكم ماري[21] على عكس أبيه، حيث تحالف مع ملك إلُخُت ضد ماري مما دفع بـ زمري ليم بالهجوم على مناطق مثلث الخابور.
خايا آبوم ابن توروم نتكي: أشارت إحدى وثائق ماري إلى اسم خايا آبوم كملك لبلاد آبوم الذي حكم لمدة ستة سنوات من عام 1771 – 1766 ق.م. وكانت له علاقات حسنة مع قرني ليم ملك أندريج ووقعا فيما بينهما معاهدة حُرّرت في نص مُطوّل حيث اتفقا خلالها على السلام والتآخي بين البلدين والحفاظ على الحدود والدفاع المشترك ضد الأعداء. أيضاً كان لـ خايا آبوم علاقات جيدة مع حاكم كردا وقد شهدت البلاد في عهده الاستقرار والازدهار[22].
4.مملكة آبوم خلال فترة الاستقلال:
تمكنت آبوم خلال هذه المرحلة وتحديداً في عهد الملك داري إيبوخ نيل استقلالها عن تبعية مملكة أندريج[23] ونجحت في فرض نفوذها على كيانات ومدن أخرى مجاورة لها[24] وكانت المراعي الخاضعة لنفوذها في تلك الحقبة تمتد على طول مجرى نهر جغجغ ووسط الخابور والمناطق المحيطة بسنجار[25] وكانت من أهم الممالك التي نشأت في الجزء الشرقي من منطقة مثلث الخابور بل أكثرهم قوة [26] لاسيما بعد زوال مملكة ماري في عام 1762 ق.م.
حكم آبوم خلال هذه المرحلة ثلاث حكام وهم:
موتيا بن خالُن بي مو (1763- 1750 ق.م): بدأ حكمه بإقامة شراكة بين آبوم ومملكة حلب (يمخد)، حيث تبادل مع ملوكها الرسل والخدمات وبقيت الأمور تسير بشكل جيد بينهما وسمح لهم بأن تنشر جزء من قواتها في بلاده حتى اختلف الطرفان وتوترت الأجواء بينهما، مما دفع حاكم حلب بالاصطفاف مع خصوم آبوم لاسيما في صراعها مع مملكة أندريج ورزاما، الأمر الذي دفع بـ موتيا لتمتين علاقاته مع ملوك وحكام بلاد إيدا- مرص. لكن في آخر عهده توقفت حدة التوترات مع جيرانه من الممالك المجاورة المذكورة أعلاه وذلك بعد تدخل ملك حلب ورعايته وإشرافه على عقد معاهدة[27] سلام بين موتيا ملك آبوم وخازب تيشوب ملك رزاما، قام على إثرها موتيا بإرسال الهدايا إلى ملك حلب تقديراً لدوره الوسيط.
تيل أبنو بن داري إيبوخ (1749-1735 ق.م): استلم الحكم في شبت إنليل بعد موت موتيا وتلقى على إثرها العديد من الهدايا من حكام المناطق المجاورة، وبرز كأحد الحكام المهيمنين في مناطق مثلث الخابور.
زار كخت، التي كانت تتمتع بمركز ديني عكس أبوم التي كانت تتمتع حينها بنفوذ سياسي وعسكري[28] قوي، والتقى بملكها يمصي ختنو وكبار وجهاء مملكته وكذلك زار مدينة نوالي المدينة الدينية الأخرى ذات الأهمية الكبيرة في المنطقة وقدم الطاعة لإلهها.
عقد تيل ابنو مع كخت خلال فترة حكمهم لشبت إنليل معاهدتين، كما عقد معاهدة مع إدارة المركز التجاري الآشوري في عاصمته[29].
يكون أُشَر (1734-1728 ق.م): حكم بعد موت أخاه تيل أبنو، وهو الذي كان قد أثبت براعته الإدارية والعسكرية خلال حكم موتيا لبلاد آبوم، حيث قاد حينها جيش بلاده للانتصار على رزاما، كما برع في التصدي لقوات الخباتوم[30].
امتدت حدود مملكته في عهده إلى أوسع نطاق جغرافي لها[31]، وقد نجح في إقامات علاقات وثيقة مع مملكة بورولوم (مناطق ديريك الحالية) التي كانت تشتهر بأعنابها وصناعتها للخمر[32]. معظم نصوص عهده إدارية – اقتصادية وهي تعكس مدى السلم والازدهار في بلاده.
بقي يكون أُشَر يحكم بلاده حتى مجيء الغزو البابلي في عام 1728 ق.م ومهاجمته لبلاد آبوم وتدمير شخنا، ويؤكد على ذلك وثيقة تعود للعام 23 من حكم الملك البابلي سمسو إيلونا تفيد بتدميره عاصمة بلاد آبوم[33]، ليختفي بعد ذلك ذكر اسم ملك آبوم واسم مملكته وعاصمتها في المصادر التاريخية.
5.أهم المدن والبلدات الواقعة ضمن نطاق جغرافية بلاد آبوم:
شخنا / شبت إنليل: نجد أنها تقع على الضفة اليسرى لنهر الجراح ( الشكل رقم 3)، وأنها خضعت لتنقيبات نظامية من قبل جامعة يل الأمريكية منذ عام 1979 والتي استمرت حتى عام 2008 بإدارة الباحث هارفي وايس.
أشارت المكتشفات الأثرية إلى أن تاريخ الاستيطان في تل ليلان يعود للألف الخامس ق.م، وأنها ازدهرت في الألف الثالث ق.م، فقد برزت كقوةٍ سياسية مركزية ما بين 2650- 2300 ق.م، حيث نمت المدينة خلال هذه الفترة ستة أضعاف مما كانت عليه وأُحيطت بسور ضخم[34] وكانت تعرف حينها باسم شخنا، قبل أن تُهجر أواخر الألف الثالث ق.م[35].
ثم أُعيد بناء المدينة على يد الملك الآشوري شمشي أدو عام 1792 ق.م وسميت بـ “شُبت إنليل ” أي مدينة الإله إنليل، حيث كانت تُعد بمثابة العاصمة الثانية للآشوريين، مع احتفاظ المدينة كذلك باسمها القديم.
شهدت شُبت إنليل الاستقرار والازدهار في تلك الفترة وظهرت كمدينة قوية ومهمة، حيث تمتعت بنظام حكم ملكي مركزي. ومع موت شمشي أدد ومن ثم زوال مملكة ماري المنافسة غدت تل ليلان (شخنا) عاصمة لمملكة آبوم وأصبحت تُحرر منها معظم الرسائل والوثائق المتبادلة بين حكامها وحكام الممالك المجاورة.
الشكل رقم (3) خريطة توضح موقع تل ليلان الواقع على نهر الجراح في الجزء الشرق من مناطق حوض الخابور العلوي
بحيرة شورا: التي ما تزال آثارها موجودة وتقع إلى الجنوب الغربي من تل ليلان بنحو 15 كم وهوي مجمع مائي صغير جداً (نحو 1000م2). قام فريق من المختصين بالبعثة الأمريكية العاملة في موقع تل ليلان بدراسة طبيعة الترسبات والحياة النباتية فيها وتم ملاحظة وجود مظاهر دالة على حدوث تغيرات مفاجئة في مستوى الماء ووضع الترسبات[36].
خزيكانوم : يقع على بعد 15 كم جنوب تل ليلان، وقد اقترح غويشارد مطابقتها مع موقع تل قراصة[37].
نوالي: يقع في الجهة الشمالية الغربية من موقع تل ليلان. يُرجح فاروق إسماعيل مطابقتها مع موقع كرنواس الواقع شمال نصيبين والتي أصبحت تسمى نبولا في الألف الأول ق.م.
كانت مركزاً دينياً لعبادة الإله أدو وكان يضم المركز الرئيسي له في المنطقة وقد زارها تل ابنو عندما استلم الحكم في شبت إنليل وأدى في معبدها شعائر دينية.
وقد ورد ذكرها في رسالة موجهة من أشتمر أدو[38] إلى موتيا ملك آبوم، يطلب من أشتمر من موتيا الاهتمام بأمور جماعة يقيمون في مدينة نوالي[39].
أزمخول: يعتقد أنها تطابق موقع تل محمد دياب، الواقع على مقربة من تل ليلان من الجهة الجنوبية الشرقية والتي كانت تعمل فيها قبل الأزمة بعثة فرنسية.
يرد في بعض الوثائق ذكر اسم إنجانوم وهو إما أحد الموظفين الكبار في القصر الملكي أو حاكم مدينة أزمخول، حيث كان هذا الشخص يشرف على جمع المعلومات عن الأوضاع العسكرية في شرق البلاد ويرسلها على شكل تقارير دورية لـ شخنا، كما كان يشرف على مواسم الحصاد[40].
شونا: يعتقد فاروق إسماعيل وقوعها شمال غرب مملكة آبوم على مقربة من القامشلي باتجاه الجنوب. تمتعت خلال تلك الفترة بعلاقات طيبة وخاصة مع آبوم وأضحت جزءاً مهماً منها.
ورد ذكر شونا في بعض الوثائق المكتشفة في تل ليلان، منها رسالة مرسلة من إيا أبو إلى تيل ابنو، يطلب منه أن يحمي مدينة شونا من الأعداء[41].
أوربان: لم يُعرف موقعها بعد، لكنها كانت تقع ضمن أراضيها. تتحدث إحدى الرسائل الموجهة من شبالو ملك كرانا أو قطار إلى حاكم آبوم عن إرسال أربعة آلاف شاة، وقد وُزِّعت على أربع مدن هي نوالي، أزمخول، أوربان، شونا، ويطلب من موتيا أن يكتب لهذه المدن الأربعة بالاهتمام بالماشية وعدم إزعاج الرعاة[42].
إيلانصورا: يُرجّح فاروق إسماعيل والعديد من الباحثين أنها تطابق موقع تل فرفرة الواقع على بعد 20 كم جنوب غرب تل ليلان.
كانت إيلانصورا عبارة عن منطقة إدارية مهمة على الحدود الغربية مع مملكة كخت ونظراً لأهميتها كان يحكمها يكون أشَر أخ الملك تيل أبنو قبل أن يتولى هو نفسه حكم تل شخنا وذلك بعد موت تل أبنو.
كاؤمي: يفترض فاروق إسماعيل وقوعها بالقرب من مدينة إيلانصورا. وقد ورد ذكرها في رسالة مُوجّهة من يكون أشر (عندما كان حاكماً على إيلانصورا) إلى ابن عمه وحاكم آبوم موتيا عندما يخبره عن اعتقال شخص من كاؤمي في مدينة شورنات ويطلب منه التدخل من أجل إطلاق صراحه[43].
شورنات: يقع على بعد 40 كم شرق موقع تل ليلان ويطابقها الباحثون مع تل قلعة الهادي. وكان يحكمها تيل أبنو قيل أن يصبح حاكماً على شخنا ويسلم حكم شورنات لأحد القادة وهو كوزوري.
ناجيرانوم: يعتقد فاروق إسماعيل وقوعها جنوب تل ليلان في منتصف المسافة بين كاؤمي وشورنات.
أمورسَكوم: يفترض وقوعها شمال كخت. حيث كانت مركزاً لاستيطان قبائل التوروكو الحورية المهاجرة من منطقة سهل رانيا.
يرد ذكرها في رسالة موجهة من حمورابي ملك حلب إلى ملك آبوم تيل ابنو ويطلب منه أن يكتب لرجاله في مدينة أمورسكوم من أجل إطلاق سراح خدم معتقلين هناك ومحسوبين عليه[44].
كيران: يفترض فاروق إسماعيل وقوعها على الحدود الإدارية بين مملكتي كخت وآبوم وذلك في شمال غرب تل حميس. ورد ذكرها في رسالة مُوجّهة من ملك كخت يمصي ختنو إلى ملك آبوم تيل ابنو، يطلب من خلالها من تيل ابنو أن يُعيد عبدين كان قد اشتراهما من مدينة كيران لكنهما هربا إلى شبت إنليل[45].
شتخوري: يفترض فاروق إسماعيل وقوعها شرق وادي رميلا من جهة أزمخول (تل محمد دياب ). ورد ذكرها في رسالة موجهة من إنجانوم لملكه في شخنا يخبره عن إطلاقه للرجال الشتخوريين وذلك لحماية حدود المملكة من الجهة الشرقية[46].
خورازا/ خوراصا: تقع على الحدود الشرقية للمملكة عند وادي السفان. أعتقد أنه كان يحكمها كوزوزو وهو أحد القادة العسكريين الذين كانوا يراقبون الأحداث والتحركات في المناطق المحيطة بجبل سنجار وكان ينقل المعلومات والأخبار للملك موتيا كما توضح رسائله الخمسة المرقمة من (137 حتى 141)[47].
أجا: على الأغلب تقع على مقربة من خورازا باتجاه جبل سنجار. حيث وردت في إحدى الرسائل المُوجّهة من كوزوزو إلى موتيا، يُعلمه أنه خرج من مدينة خورازا باتجاه مدينة أجا وملاقاته هناك رسول ملك كردا[48].
نجابوم: لا يعرف موقعها بالضبط إلا أنها تقع ضمن نطاق مملكة آبوم ربما باتجاه الجنوب، وقد ورد ذكرها في رسالة مُوجّهة من شبالو ملك كرنا إلى ملك آبوم من أجل التدخل وإيجاد الحل لرجلين خارجين على القانون.
وهي من المدن التي حُررت فيها بعض الوثائق على غرار العاصمة شخنا. حيث تذكر إحدى الوثائق عن توزيع أساور فضة وثوبين وحذاء على 29 شخصا من مدينة قردخات[49]، ويرد فيها اسم نجابوم على أنها المدينة التي حُررت فيها الوثيقة.
نخرو/نخريا: لا يعرف موقعها بعد إلا أنها هي الأخرى تقع ضمن أراضي المملكة، حيث ورد ذكرها في إحدى الوثائق عن تلسيم حاكم نخريا خاتم من الفضة من خزانة الملك في شخنا[50]. يعتقد الباحثين بوجود مدينة أخرى تحمل اسم نخريا تقع في أعالي نهر البليخ بالقرب من مدينة أورفا.
زاتُمري: اسم مكان يقع ضمن نطاق أراضي المملكة، يرد ذكر استلام مواد منها بشكل متكرر، حيث تفيد إحدى الوثائق الإدارية عن دفع فدية من الفضة مقابل رجل من زاتُمري[51].
أوسوتي: تقع في الجهة الشرقية، وقد ورد ذكرها أيضاً ضمن وثيقة إدارية حول دفع كمية من الفضة من قبل رجل يُقيم في مدينة أوسوتي.
تَبيسو: لا يعرف موقعها بالضبط لكن يرجح فاروق إسماعيل وقوعها ضمن نطاق المملكة، حيث ورد ذكرها في وثيقة إدارية حول فدية من الفضة من أجل راعي الثيران من مدينة تَبيسو وهو ملكي أدو[52].
لزبات: تقع في الجهة الشرقية من المملكة بالقرب من مدينة رميلان حيث كانت تُجاور مملكة يسّان.
أليلانوم: تقع في الجهة الشرقية من أراضي المملكة، على مقربة من رزاما عاصمة بلاد يسّان. حيث يفترض فاروق إسماعيل وقوعها عند نقطة التقاء وادي رميلا مع وادي الرد، وقد ورد ذكرها في وثائق تل ليلان على أن تحالف رزاما وأندريج ضد آبوم كان يستهدف مدن قريبة من رزاما وهي أليلانوم.
هذا بالإضافة إلى العشرات من المدن الأخرى الواقعة ضمن نطاق مملكة آبوم والتي ورد ذكرها في وثائق تل ليلان دون معرفة أماكنها كـ أباروم وسانجوم ويتيلوم وشوبّا وندبوم وأمازوألا وغيرها.
الجدير بالذكر أيضاً أنه في مملكة آبوم حكم الحوريون شخنا لفترة قصيرة معاصرة لفترة حاكم ماري زمري ليم لاسيما في العاصمة شخنا كـ توروم نتكي وولديه زوزو وخايا أبوم ثم آل الحكم للأموريين، كما بقي حكم عدد من مدنها في أيديهم وكان لهم دور في إدارة شؤون البلاد كحكام مدن شورنات ونوالي وأليلانوم وكيران ولزبات وغيرها، كذلك اعتمد القصر الملكي الأموري في شخنا على أعداد منهم[53].
6.الخاتمة:
إن قلة المصادر والمراجع حول نشأة هذه المملكة وجغرافيتها بالإضافة إلى ندرة أعمال التنقيب إن صح القول في تلك البقعة التي تمثل الحدود الإدارية لآبوم بالمقارنة مع الأعداد الهائلة للتلال المنتشرة فيها ( الشكل رقم 4) ناهيك عن قلة المعلومات الواردة في وثائق ليلان ووثائق أخرى من المناطق المجاورة كوثائق ماري ووثائق جاغر بازار وقطارا وغيرها يصعّب علينا إجراء المطابقات بين معظم هذه الأسماء التي ذكرناها مع التلال أو المواقع التي يفترض أنها تمثل هذه المدن المذكورة أعلاه.
حتى هذه اللحظة يمكن القول أنه لا توجد إلا أربعة مواقع تؤكد صحة تاريخها بفضل أعمال التنقيب وهي أوركيش (تل موزان) وشخنا/شبت إنليل (تل ليلان) و كخت (تل بري) وناكار/ نوار (تل براك).
إنني آمل أن يُشكّل هذا البحث المتواضع حافزاً لدى الباحثين والمهتمين والبعثات العلمية في المستقبل القريب لتوجيه البوصلة إلى هذه البقعة الجغرافية التي تُشكّل جزءاً هاماً من شمال بلاد الرافدين والتي تخفي في ثناياها أخبار شعوب ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية على مر العصور المختلفة.
الشكل رقم (4) خريطة توضح كثافة المواقع الأثرية المنتشرة في المنطقة المحيطة بتل ليلان والعائدة لفترة بدايات عصر البرونز الوسيط
قائمة المراجع:
إسماعيل, فاروق, الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل ( تل ليلان), دار الزمان, ط1, دمشق, 2021.
إسماعيل, فاروق, شبت إنليل ( تل ليلان ) حاضرة الجزيرة السورية في القرن 18 ق.م , دار الزمان, ط1, دمشق, 2019.
إسماعيل, فاروق, الحوريون في بابل خلال العصر البابلي القديم, مجلة النقوش والرسوم الصخرية , العدد الأول, دائرة الآثار العامة, عمان, 2007.
إسماعيل, فاروق, أخبار جديدة عن نفوذ مملكة يمخد ( حلب) في منطقة الخابور, مجلة دراسات تاريخية, عـ 45-46, منشورات جامعة دمشق, حزيران 1993.
إسماعيل, فاروق, ماري وشبت إنليل, مجلة وثائق الآثار السورية, اصدار وزارة الثقافة, نيسان 1996.
إسماعيل, فاروق, بلاد يسان أبان القرن 18 ق.م, مجلة آثار الرافدين, مجلد 7, ج2, اصدارات كلية الآثار جامعة الموصل, 2022.
آيدم, يسبر, الرقم المسمارية المكتشفة في تل ليلان عام 1987 تقرير أولي, ترجمة, وحيد خياطة, مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية, مجلد 38-39, منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف , دمشق, 1988-1989.
حمادة, حميدو, تل ليلان ( شخنا- آبوم- شوبات إنليل ), مجلة دراسات تاريخية, عـ 37-38, منشورات جامعة دمشق, كانون الأول 1991.
وايس , هارفي, تل ليلان في الألف الثالثة والثانية ق.م, تعريب وتلخيص, أسعد المحمود, مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية, مجلد 33, ج1, منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف, دمشق, 1983.
10-Ristvet Lauren,Legal and archaeological Territories fo the second millennium B.C in northern Mesopotamia, Antiquities82 (2008): 589-599.
11-Weiss, Harvey, Tell Leilan on the Habur Plains of Syria, The Biblical Archaeology,Vol:48,N01 (mar 1985, pp 5-34.
[1] تل ليلان: قرية صغيرة تقع على بعد 25 كم جنوب شرق مدينة القامشلي.
[2] مثلث الخابور: ويبدأ من مجرى دخول نهر الخابور الحدود السورية عند سريه كانيه غرباً حتى نهر دجلة شرقاً وإلى الحسكة جنوباً، ويسمى أيضا حوض الخابور العلوي، وقد أطلق مارك لوبو مدير بعثة التنقيب في تل بيدر على هذا المثلث اسم الدلتا غير البحري بسبب اهميته.
[3] تتميز مناطق الخابور بكثرة زراعة نبات القصب والتي غالباً ما كانت تنتشر بالقرب من الأودية والأنهار، وهذا الأمر لا يزال يلازمها حتى الوقت الحاضر، بدليل أن مدينة القامشلي التي تقع في أعالي مناطق الخابور والتي أُنشئت خلال الربع الأول من القرن العشرين تحمل نفس المعنى وهو القصب.
[4] كانيش: كول تبه الواقعة على بعد 20 كم شرق مدينة قيصري التركية. كانت العاصمة الأولى للحثيين قبل أن تصبح إحدى أهم المراكز التجارية خلال القرنين التاسع عشر والثامن عشر ق.م، حيث عُثر فيها على نحو 25 الف رقيم مسماري.
[5] ماري (تل حريري) الواقع بالقرب من مدينة البو كمال على نهر الفرات، ورد ذكرها في قائمة الملوك السومريين خلال الألف الثالث ق.م وازدهرت خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر ق.م. عُثر فيها خلال التنقيبات الفرنسية على نحو 25 ألف رقيم مسماري.
[6] إسماعيل، فاروق: الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل، صـ 22.
[7] إسماعيل، فاروق: شبت إنليل (تل ليلان) حاضرة الجزيرة السورية في القرن الثامن عشر ق.م، صـ 109.
[8] إدا- مرص: اسم بلاد بمعنى “الجهة الصعبة” تقع على الضفة اليمنى لنهر جغجغ في الطرف الموازي لبلاد آبوم وكانت تقوم فيها مملكة سوموم التي كانت أشنكوم (جاغر بازار) مركزاً لها وكانت أوركيش تابعة لتلك المملكة خلال القرن الثامن عشر ق.م. كان حدودها يمتد شمالاً حتى سفوح طور عابدين وغرباً تمتد حتى وادي البليخ قبل أن تتقلص حدودها وتعود حتى نهر زركان (ساروم) وذلك بعد انفصال بلاد يبطور عنها.
[9] أزوخينوم: أقدم المراكز الحورية في الألف الثالث ق.م ويتردد ذكرها كمملكة في نصوص القرن الثامن عشر ق، م.
[10] إلُخُوت: مملكة حورية في مناطق طور عابدين، شرقي ماردين.
[11] كخت: هو الاسم القديم لموقع تل بري الذي يقع على الضفة الشرقية لنهر الجغجغ أحد روافد نهر الخابور وعلى مقربة من تل براك الأثري. بدأت التنقيبات في الموقع منذ عام 1980 على يد بعثة إيطالية بإدارة الباحث باولو إيميليو بيكوريلا Paolo Emilio Pecorella. وكشف خلالها عن قصور ومعابد ولقى أثرية مُنوّعة تعود لفترات تاريخية مختلفة بدءاً من الألف الخامس مروراً بفترات البرونز ووصولاً حتى الفترات الإسلامية.
[12] إسماعيل، فاروق: الحوريون في بلاد آبوم خلال العصر البابلي القديم، صـ 86.
[13] بلاد يسّان: إن مركز بلاد يسان كان يسمى رزاما (تل الهوى – غرب الموصل) وكانت تقع بين جبل سنجار ونهر دجلة ويمكن تحديد إطارها الجغرافي بالمنطقة الواقعة بين نهر دجلة شرقاً وحدود مملكة آبوم غرباً (بالقرب من الحدود السورية – العراقية) ومملكة بورولوم (وادي سفان جنوب ديريك) في الشمال وجنوباً حتى الطرف الشرقي من جبل سنجار. للاستزادة حول بلاد يسّان راجع: فاروق إسماعيل، بلاد يسّان إبان القرن 18 ق.م ، مجلة آثار الرافدين، مج7، ج2، منشورات كلية الآثار جامعة الموصل، 2022.
[14] إسماعيل، فاروق: الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل، المرجع السابق، صـ 23
[15] إسماعيل، فاروق، بلاد يسّان، صـ 38.
[16] إسماعيل، فاروق، ماري وشبت إنليل، صـ 59.
[17] أشنونا: مملكة أمورية قامت غرب بغداد بعد سقوط سلالة أور الثالثة.
[18] عيلام: مملكة قديمة كانت في المناطق الجنوبية لجبال زاغروس منذ قيام سومر حتى سقوطها على يد الآشوريين خلال النصف الأول من الألف الأول ق.م.
[19] الكوتيين، ينتمي الكوتيون لمناطق جبال زاغروس وتحديداً المنطقة الواقعة جنوب سهل شهرزور – أي المنطقة المحصورة بين نهر الزاب الصغير ونهر ديالى ثم امتد نفوذهم إلى منطقة أرابخا (كركوك) التي أصبحت أحد أهم مراكزهم لاسيما بعد قضائهم على مملكة أكد.
[20] إسماعيل، فاروق: بلاد يسّان، المرجع السابق، صـ 105.
[21] إسماعيل، فاروق: شبت إنليل، المرجع السابق، صـ 119.
[22] المرجع السابق، صـ 120- أيضاً، إسماعيل، فاروق: الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل، المرجع السابق، صـ 224.
[23] حمادة، حميدو: تل ليلان ( شخنا – آبوم – شبت إنليل )، صـ 88.
[24] Ristvet، Lauren، p 592
[25] Ristvet، Lauren، p 594
[26] Harvey Weiss, p 19
[27] إسماعيل، فاروق: الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل، المرجع السابق، صـ 27. أيضا حول علاقات آبوم مع ملوك حلب، راجع فاروق إسماعيل، أخبار جديدة عن نفوذ مملكة يمخد (حلب) في منطقة الخابور، مجلة دراسات تاريخية، عـ 45-46، منشورات جامعة دمشق، حزيران، 1993.
[28] Ristvet، Lauren، p 590
[29] [29] إسماعيل، فاروق: شبت إنليل (تل ليلان) حاضرة الجزيرة السورية في القرن الثامن عشر ق.م، المرجع السابق، صـ
[30] خباتوم: عصابات مرتزقة.
[31] إسماعيل، فاروق: الحوريون في بلاد آبوم خلال العصر البابلي القديم، المرجع السابق، صـ 88.
[32] المرجع السابق، صـ 89.
[33] يسبر، آيدم: الرقم المسمارية المكتشفة في تل ليلان، صـ 198.
[34] وايس، هارفي: تل ليلان في الألف الثالثة والثانية ق.م، صـ 163.
[35] إسماعيل، فاروق: ماري وشبت إنليل، صـ 58.
[36] إسماعيل، فاروق: الوثائق الأكدية المكتشفة في شبت إنليل، صـ 14.
[37] المرجع السابق ، صـ 14.
[38] اشتمر أدو: ملك مدينة كردا في سنجار، وكان على علاقة مميزة مع شبت إنليل وقد تحالف معها في صراعها ضد مملكتي أندريج ورزاما.
[39] إسماعيل، فاروق: المرجع السابق، صـ 30.
[40] المرجع السابق، صـ 167.
[41] المرجع السابق، صـ 132.
[42] المرجع السابق، صـ 36.
[43] المرجع السابق، صـ 38.
[44] المرجع السابق، صـ 73.
[45] المرجع السابق ، صـ 114.
[46] المرجع السابق، صـ 170.
[47] المرجع السابق، صـ 172.
[48] المرجع السابق، صـ 173.
[49] اسم مدينة تقع ضمن مناطق حوض الخابور ويعتقد وقوعها بالقرب من مدينة الحسكة.
[50] المرجع السابق، صـ 308.
[51] المرجع السابق، صـ 316.
[52] المرجع السابق، صـ 321.
[53] للاستزادة، راجع، إسماعيل ، فاروق: الحوريون في بلاد آبوم خلال العصر البابلي القديم، صـ 107.
المصدر: مدارات كرد
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=46654