أوجالان في ذكرى اعتقاله: أيّ نداء؟ أيّ تسوية؟
محمد نور الدين
تصادف، غداً السبت، الذكرى الـ26 لاعتقال عبدالله أوجالان، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، وأبرز رموز الحركة الكردية في تركيا منذ الحرب العالمية الثانية. وكان أوجالان اعتُقل في العاصمة الكينية، نيروبي، بالتنسيق الكامل بين الاستخبارات التركية والأميركية والإسرائيلية، وذلك بعد إبعاده في خريف عام 1998، من سوريا، بفعل التوتّر الذي طرأ على العلاقات بين أنقرة ودمشق وصولاً إلى حافة الحرب، فكان أن خرج إلى روسيا فاليونان وإيطاليا وصولاً إلى كينيا، حيث اختُطف واقتيد، في الـ16 من شباط من العام التالي، إلى تركيا.
وتكتسب الذكرى هذا العام أهميّة مضاعفة، مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن أن أوجالان سيوجّه من سجنه في إيمرلي في بحر مرمرة، في ذكرى اعتقاله، «نداءً» إلى «الكردستاني» لترْك السلاح، والتخلّي عن العمل المسلّح. ويتسق ذلك مع مسار التواصل الجديد الذي دشّنه، مطلع تشرين الأول الماضي، زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، عندما فاجأ الجميع باقتراحه توجيه أوجالان خطاباً تحت قبّة البرلمان إلى كتلة نواب «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب» الكردي. وأحدث الاقتراح المتقدّم، حركةً سياسية في تركيا، قادت وفداً من النواب الأكراد إلى إيمرلي، مرتَين، لزيارة أوجالان، حيث تحدّث الوفد نفسه عن احتمال توجيه مثل هذا النداء، من دون معرفة ماهيته. وعلى امتداد اللقاءات والمناقاشات، ظلّ الموقف الرسمي ثابتاً وعالي النبرة، لجهة أن «الإرهاب» الكردي يجب أن ينتهي في كل مكان: في تركيا وسوريا والعراق.
في المقابل، لم يصدر عن الأوساط الحاكمة أو المحيطة بـ«حزب العدالة والتنمية» أو وسائل إعلام الحزب، ما يعكس أيّ خطوات قد تُقدِم عليها السلطة في ما يتعلّق بمطالب الحركة الكردية في تركيا. لا بل بدا لافتاً أن الحديث عن المطالب، يأتي حصراً من الجانب الكردي، وهو ما بدأ يزرع الشك في مآل الحوار الحالي، إذ لا يمكن أن يستمرّ الحوار، وبالتالي أن ينجح، من طرف واحد. والواقع أن تاريخ العلاقة بين الدولة التركية العميقة والحركة الكردية على امتداد مئة عام، كان عبارة عن مجازر ومحاولات لمحو الهوية الكردية، ولا سيما في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، فيما لم يغيّر وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة منفرداً عام 2002، السلوك التركي السلبي تجاه الأكراد.
على أن هذا الواقع ليس غائباً عن بال قادة الحركة الكردية في تركيا؛ ومع أن الصحافية في صحيفة «نفس» (nefes)، نوراي باباجان، ذكرت أن «العدالة والتنمية» قد جهّز فريق العمل الذي سيتفرّغ لحلّ المسألة الكردية – ويتكوّن من وزير الداخلية السابق والنائب الحالي إفكان علاء، ورئيس كتلة الحزب في البرلمان عبدالله غولر، والناطق باسم الحزب عمر تشيليك، إضافة إلى وزير الخارجية حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين -، فإنها تناولت المؤشرات السلبية بخصوص مسار «المصالحة»، ومن بينها إقالة عدد كبير من رؤساء البلديات الأكراد في جنوب شرق البلاد، وتعيين موالين للسلطة مكانهم، وكذلك إقالة العديد من رؤساء بلديات تابعين لـ«حزب الشعب الجمهوري» بتهمة التعاون مع «الإرهاب الكردي»، وآخر هؤلاء رئيس بلدية فان، عبدالله زيدان، الذي كان فاز بـ55% من الأصوات السنة الماضية، من دون أن تُمنح له شهادة الفوز بحجة أنه لم يكن يمتلك شروط الترشُّح، وحُكم عليه قبل يومين بالسجن ثلاث سنوات وتسعة أشهر، وأيضاً اعتقال عدد كبير من الصحافيين الموالين للحركة الكردية، واستمرار الحرب التركية على الأكراد في سوريا وشمال العراق.
بناءً على كل تلك المؤشرات، صدرت عن أوساط الأكراد أخيراً مجموعة من المواقف التي تعكس تشاؤماً واضحاً، إذ إن رئيس «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب» بالتوازي، تونجير باقرخان، تحدّث بوضوح عن أن التحرّك المقبل مرتبط بما إذا كان أوجالان سيوجّه النداء أم لا، على أن تُتَّخذ الإجراءات المناسبة في ضوء ذلك. وتساءل: «إذا كان النداء بترك السلاح، فما هي الخطوات التي ستلي ذلك من قِبل الحكومة؟ وما هي خريطة طريق الدولة؟ ومَن يترك السلاح، إلى أين سيذهب، وماذا سيفعل، هل يعود إلى عائلته؟ وما هو مستقبل المعتقلين السياسيين، ومصير التعليم باللغة الأم (الكردية)؟ وما هو مصير صيغة الإدارة المحلية، وما هو مصير الإقالات؟». وأضاف أن «السلام ليس مجرّد كلمة يتمّ التلفُّظ بها، بل مسار دستوري وقانوني.
والسلام ليس السبب في ما يجري، بل هو نتيجة لحرب الإبادة ضدّ الشعب الكردي». وفي مناسبة أخرى، قال باقرخان إنه «في وقت تناقش فيه المسألة الكردية منذ مئة عام، لا يمكن للحوار أن يتم في زنزانة لا تتعدّى مساحتها الـ 12 متراً مربعاً». كما رأى أنه يجب توفير الشروط للقاء أوجالان بحزبه مباشرة، مضيفاً أنه «يجب أوّلاً إخراج أوجالان من عزلته ومعتقله، ولو كنت مكانه لم أكن لأوجّه نداءً، وإذا وجَّهت نداءً، مَن سيصغي إليّ؟».
ووفقاً لصحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية المؤيدة لـ«الكردستاني»، فـ«إنهم يتحدّثون في تركيا عن “السلام”، وينتظرون من “إيمرلي” العديد من الأشياء. لكنّهم لا يقرنون ذلك بأيّ خطوة عملية». ورأت أنه «إذا كانت السلطة جادّة، فيجب البدء بنقطة ما، وهي أوّلاً إعلان وقف إطلاق نار بالتوازي بين الجانبين». وقالت: «الشخص الوحيد الذي على تركيا أن تعرف أنه المخاطب لدى الأكراد، هو زعيم الشعب الكردي عبدالله أوجالان. الجميع في تركيا يعرف ذلك، لكن نظام الخوف والترهيب الذي تشكَّل في تركيا يجعل الجميع يمارسون لعبة الأكاذيب منعاً للتعرّض للقتل. فالرئيس الراحل، طورغوت أوزال، قال إنه تجب مناقشة كل شيء حتى منح الأكراد الفدرالية، فكان الجواب بقتله عام 1993.
كذلك، فإن رئيس الوزراء الراحل، نجم الدين إربكان، كان يقول إن التركي يلقّن ابنه كل يوم: “أنا تركي، أنا على حقّ”، فيأتي الكردي فيقول: “أنا كردي، أنا محقّ أكثر”، فكانت النتيجة قتْله سياسياً». وتابعت: «اليوم، تدعو الدولة، أوجالان إلى إعطاء الأمر بفسخ حزب العمال الكردستاني، ولا تقول شيئاً آخر. حسناً، وبعد ذلك، ما هي الخطوات التالية؟»، لتخلص إلى أن «إردوغان لا يريد سوى تمديد ولايته بالكذب على الأكراد بوعود لا يَعرف منها شيئاً. السلطة غير جادّة تجاه عملية السلام.
وكما انهارت الدولة القومية المتشدّدة في العالم العربي، ستنهار الدولة القومية المتعصّبة في تركيا»؛ إذ إن «الشرط الأول للسلام، التفاوض مع أوجالان وإعلان متبادل لوقف إطلاق النار، والشرط الثاني الاعتراف بالهوية الكردية ووجود الشعب الكردي وحقوقه الديمقراطية في الدستور والقوانين، والشرط الثالث هو إطلاق سراح أوجالان وتحريره بالكامل»، وإلّا «كيف يمكن أوجالان أن يُصدر موقفاً وهو لم يلتقِ بقيادة حزب العمال؟ أليست دعوة باهتشلي، أوجالان، إلى أن يوجّه بصورة فورية نداءً لترك السلاح وحلّ الحزب، نوعاً من أنواع الإرهاب والتعذيب ضدّه؟».
يُفهم من كل ما تقدَّم، أن كلّ شيء مرتبط بطبيعة نداء أوجالان ومضمونه، وأن توجيه هذا النداء غداً ليس محسوماً، بل الميل أكثر نحو تأجيله، خصوصاً أن رئيسة «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب»، تولاي خاتم أوغوللاري، قالت إن الوقت، حتى الـ15 من شباط، قصير وقد لا يكفي لاستكمال التحضير لتوجيه النداء، مع ترجيح أن يحدث ذلك خلال شهر شباط.
المصدر: الأخبار اللبنانية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62659