أوروبا تأمل بعودة السوريين – لكن العكس تماما قد يحدث

أوروبا تأمل بعودة السوريين – لكن العكس تماما قد يحدث

بعد عشر سنوات من ذروة أزمة اللاجئين السوريين، تأمل الحكومات الأوروبية بعودة السوريين إلى وطنهم. لكن العنف والفقر وعدم الاستقرار السياسي في “سوريا الجديدة” يدفع الكثيرين مجدداً إلى الهروب.

وبحسب خبراء، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يقدم المزيد ماليا وسياسيا من أجل استقرار سوريا بعد نهاية حكم الديكتاتور بشار الأسد، وذلك لتفادي موجة نزوح جديدة.

في أيار الماضي، تصاعد التوتر مجدداً في سوريا. وقد ظهر مدى سرعة تحوّل العودة إلى حركة نزوح جديدة في الربيع على الساحل السوري. إذ اقتحم مقاتلون مسلحون – بعضهم من ميليشيات موالية للنظام – منطقة سكنية للعلويين السوريين، وقتلوا أكثر من ألف شخص. أعقب ذلك فرار أكثر من 20 ألف شخص خلال وقت قصير إلى لبنان المجاور. ومنذ سقوط الأسد في ديسمبر، عاد 174 ألف سوري من لبنان إلى سوريا، بينما هاجر في الفترة نفسها 106 آلاف سوري إلى لبنان.
إن تخلي الكثير من السوريين مجددا عن الأمل في حياة أفضل في الوطن يعدّ إشارة إنذار لأوروبا. وبدون تحسينات جوهرية في سوريا، سيكون من الصعب على أوروبا إقناع السوريين بترك الأمان النسبي في الاتحاد الأوروبي والعودة إلى ديارهم، كما تقول خبيرة الهجرة كيلي بيتيو من مركز الفكر الأوروبي ECFR. وتضيف أن غياب الاستقرار في الدولة الجديدة قد يؤدي حتى إلى موجة لجوء جديدة.

ستة ملايين سوري كانوا قد فرّوا

منذ كانون الأول عاد نحو 750 ألف سوري من الخارج، بحسب بيانات من بينها أرقام الحكومة التركية. وحدها تركيا شهدت عودة حوالي 410 آلاف سوري إلى وطنهم. ومع نهاية العام الدراسي في يونيو، ازدادت وتيرة العودة. كما رفع الغرب والدول العربية العقوبات التي كانت مفروضة منذ عهد الأسد، وبدأت استثمارات بمليارات الدولارات.

لكن قياساً بدمار الحرب، تبقى هذه النجاحات مجرد قطرات على صخرة ساخنة. فمن بين نحو 6 ملايين سوري فروا من حكم الأسد، لا يزال معظمهم يعيش في بلدان اللجوء. السكن والعمل والمدارس نادرة في سوريا الجديدة. كثير من العائدين يعيشون في خيام أو بيوت مدمرة. شبكات الطرق والكهرباء مهدّمة، والجفاف هذا العام أدى إلى أسوأ محصول منذ عقود. وتؤكد الخبيرة بيتيو أن إعادة الإعمار ستستغرق وقتا طويلا.
يُضاف إلى ذلك أن الحكومة الانتقالية الإسلامية برئاسة أحمد الشرع تعطي الانطباع بأنها غير قادرة على ضبط المتشددين في صفوفها، أو حتى تدعمهم. أعمال عنف ضد الأقليات، وفرض ارتداء البوركيني للنساء على الشواطئ العامة، وتقارير عن حظر الموسيقى في الأعراس، كل ذلك يعزز المخاوف من أن الشرع يريد إقامة حكم سني استبدادي.

الضغط على حكومة الشرع الانتقالية ضروري

لا توجد حتى الآن مؤشرات على أن أعداد السوريين المتجهين إلى أوروبا تقترب من أرقام عام 2015. ففي جزر بحر إيجه اليونانية، التي سجلت حينها رقماً قياسياً بلغ 857 ألف لاجئ بحرا في عام واحد، لم يسجل هذا العام سوى 24 ألف وافد جديد بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من بينهم أقل من 500 سوري.
لكن الأعداد قد ترتفع مجددا قريبا. فإذا لم تقدم سوريا الجديدة مخرجا من العنف والبطالة والفقر، فإن موجة نزوح جديدة ستكون متوقعة، كما تقول بيتيو. ومثل عام 2015، فلن يبقى كثير من السوريين في دول الجوار لأن ظروف الحياة هناك صعبة، وحكومات تلك الدول تضع عراقيل كثيرة أمام اللاجئين السوريين. الوجهة ستكون مرة أخرى أوروبا.

ومن مصلحة الاتحاد الأوروبي نفسه – كما تؤكد الخبيرة – أن يستثمر أكثر في سوريا، ليس فقط ماليا. فبهذا يمكن لأوروبا أن تؤثر على تركيا وإسرائيل بشكل معتدل. إذ تحتل تركيا أجزاء من شمال سوريا، بينما تشن إسرائيل منذ كانون الأول الماضي غارات جوية متكررة على سوريا، بما في ذلك العاصمة دمشق. كما ينبغي على أوروبا ممارسة ضغط سياسي على حكومة الشرع الانتقالية لفرض حماية الأقليات.

لكن الأهم – تضيف بيتيّو – أن سوريا تحتاج إلى التزام أوروبي متواصل. لا يكفي رفع العقوبات وترك السوريين لمصيرهم. إذا لم يساعد الأوروبيون في توفير شروط العودة وتحسين ظروف الحياة بشكل دائم، فقد يضطر السوريون إلى مغادرة بلادهم مرة أخرى.

المصدر: موقع Watson السويسري.
ترجمة INT

INT

Scroll to Top