إردوغان يثمّر التغيير السوري: نحو الترشّح في 2028
محمد نور الدين
يتقدّم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في الوقت نفسه، على خطَّين، خارجي وداخلي، مستثمراً في الأخير تعزيز نفوذ بلاده على سوريا، والانقلاب الجذري في المعادلات الإقليمية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وخروج حلفائه الروس والإيرانيين، من المشهد السوري. وفي علم السياسة، ليس هناك مِن فصل أو عزل بين الديناميات الداخلية وتلك الخارجية، كونها ذات تأثير جدليّ متبادل، فكيف وقد عُرف عن إردوغان أنه من الذين استخدموا العوامل الخارجية، أداةً لتحقيق نجاحات في السياسة الداخلية، حيث كلّما اقتربت انتخابات نيابية أو رئاسية أو بلدية، ارتفعت الإشاعات باقتراب الجيش التركي من القيام بحملات عسكرية سواء في سوريا أو العراق أو القوقاز أو ليبيا، وهلمَّ جراً. وهكذا، عندما أَسقطت تركيا، عبر «هيئة تحرير الشام»، النظام السوري، الشهر الماضي، ارتفعت تلقائيّاً حصة إردوغان في استطلاعات الرأي، وهو ما يُعدّ طبيعيّاً، بالنظر إلى أن حصيلة «الصيد» ثمينة جدّاً، بل الأثمن في تاريخ سياسة إردوغان الخارجية، وهي إسقاط الأسد، والذي انتظره على مدى 13 عاماً، وواجه من أجله قوى دولية وإقليمية عاتية، مثل روسيا وإيران.
وفي مؤتمر فرعي لـ«حزب العدالة والتنمية» في مدينة فان شرق تركيا، تحدّث إردوغان، أول من أمس، عن أن «هدفنا، في عام 2028، هو أن نفوز برئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية بنسبة تفوق كثيراً الـ50%. وفي عام 2029، سنفوز على الأقلّ بثلثي المقاعد في الانتخابات البلدية». وكان تدرّج إردوغان في مواقع المسؤولية، بدءاً من رئاسة الحكومة بين 2003 و2014 عندما كانت هذه الرئاسة الموقع الأهمّ في تركيا؛ وحين أصبح رئيساً للجمهورية، في عام 2014، فإن أول ما فعله هو التحضير لدستور جديد يجعل من النظام رئاسيّاً، ويجمع كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية. وهكذا، عاش إردوغان أربعة أعوام من دون صلاحيات مهمّة، إلى أن جرى التعديل الدستوري، وانتخب كأول رئيس وفقاً للنظام الجديد، وتمّ التجديد له في عام 2023. ولم يقتصر الأمر على اللعب بالصلاحيات، بل إن إردوغان انتهك الدستور بالترشّح مرة ثالثة للانتخابات عام 2025، لكن فتوى المحكمة الدستورية كانت جاهزة لتبرير ترشيحه. أمّا اليوم، فيعتبر ترشّحه من جديد لرئاسة الجمهورية المقبلة عام 2028، خارج أيّ أساس قانوني.
لذلك، يسعى إلى تعديل الدستور ليتاح له الترشّح مجدّداً لولاية رابعة، وهو ما دونه عقبات؛ إذ لا يمتلك العدد الكافي من النواب الذي يخوّله تعديل الدستور في البرلمان، أو لتحويل اقتراح التعديل إلى استفتاء شعبي. ولهذه الغاية، يعمل على أكثر من خطّ: الأول، إضعاف الأحزاب الصغيرة من الداخل وحثّ بعض النواب على الاستقالة منها والانضمام إلى «العدالة والتنمية»، علماً أنه نجح في ضمّ ستة نواب، حتى الآن، إلى حزبه، فيما ثمّة جزء كبير من قاعدة «الحزب الجيّد» يتّفق ضمناً مع زعيمته السابقة، مرال آقشينير، التي تواطأت مع إردوغان في انتخابات الرئاسة السابقة، ودعمته سرّاً، لكن الثمن كان خسارتها رئاسة الحزب؛ والثاني، إضعاف خصومه المحتملين على موقع الرئاسة، وفي المقدمة منهم رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي نجح مرتين في إلحاق هزيمة بمرشح «العدالة والتنمية» لرئاسة البلدية، عامَي 2019 و2024.
ولهذا، يشعر إردوغان – وهو محقّ – بأن الخطر الأكبر يأتي عليه من إمام أوغلو، رغم أن استطلاعات الرأي تمنح رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، المنتمي أيضاً إلى «حزب الشعب الجمهوري»، حظوظاً كبيرة تزيد أحياناً على حظوظ إمام أوغلو نفسه. لكن الكاريزما التي يتمتّع بها الأخير، تجعل منه عقدة لإردوغان؛ وهو كان في الانتخابات الرئاسية الماضية (2023) الأوفر حظّاً لمنافسة زعيم «العدالة والتنمية»، لكن القضاء كان ينتظره ويرفع دعوى ضدّه بتهمة تحقير أعضاء «اللجنة العليا للانتخابات» عام 2019.
اليوم، لم يَحِد إردوغان عن هذا التوجّه باستخدام القضاء، إذ بات هدفه الأول، ليس إقصاء إمام أوغلو من موقع منافسته في عام 2028، بل إقصاؤه منذ الآن عن رئاسة بلدية إسطنبول، بتهم شتّى، منها: تهديد القضاء أو الفساد. ذلك أن قوّة إمام أوغلو تكمن في أنه قدّم تجربة ناجحة في إسطنبول، وهو ما يتفوّق به على إردوغان، الذي يعمل أيضاً على محاولة دقّ إسفين بين إمام أوغلو وياواش من جهة، وبين رئيس حزبهما أوزغور أوزيل من جهة أخرى، بالمطالبة بإعلان مرشّح الحزب لرئاسة الجمهورية منذ الآن، ما يعني بثّ بذور الشكوك بين قادة «الجمهوري». و«التآمر» على إمام أوغلو لا يقتصر على بلدية إسطنبول، إذ إن حملة إقالة رؤساء البلديات المنتخبين شعبيّاً، بدأت منذ اليوم الأول لصدور النتائج عشية الـ31 من آذار 2024، واستهدفت كالمعتاد رؤساء البلديات الأكراد. لكن الحملة المتجدّدة تلك، طالت هذه المرّة أيضاً رؤساء بلديات مهمّة تنتمي إلى «الشعب الجمهوري»، ومنها إيسين يورت، وبشكتاش، في إسطنبول، مع الإشارة هنا إلى أن غالبية معارضي إردوغان ينظرون إلى «عملية الحلّ» مع الأكراد على أنها مجرّد خديعة إضافية هدفها إيهام الأكراد بأشباح حلول من أجل تعزيز حظوظ إردوغان في رئاسة الجمهورية. ورغم طول المدّة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية، فإن إردوغان يسعى، منذ الآن، إلى استثمار الانتصار السوري لاجتثاث نفوذ «حزب الشعب الجمهوري» من البلديات، كما إضعاف البلديات الكردية في شرق تركيا.
وتمنح شركة استطلاع «متروبول» المعروفة أرقاماً مفرحة لإردوغان؛ إذ يُظهر استطلاع أجرته قبل أيام، أن الناخب سيعطي صوته لـ«العدالة والتنمية» بنسبة 32.8%، فيما سيحتلّ «الشعب الجمهوري» المرتبة الثانية بـ29.4%، في ما يمثل عن اختلاف عما كان عليه الوضع في تشرين الثاني، حين نال «العدالة والتنمية» 30% وحلّ ثانياً، متأخراً بنقطة واحدة عن «الشعب الجمهوري». ويرى رئيس الشركة، أوزير سنجار، أن السبب في استعادة الحزب الحاكم الأولوية، هو التغيير في سوريا، وليس من سبب آخر.
المصدر: الأخبار اللبنانية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61505