الخميس, نوفمبر 21, 2024

إيزيديو العراق المفقودون.. عملية بحث مضنية عن أسرى “داعش” تنظيم الدولة الإسلامية

رويترز
تيمور أزهري

كان‭‭ ‬‬أيدين حديد طلال يعتقد أن أفراد أسرته قتلوا جميعا في الهجوم الشرس الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية على الأقلية الدينية الإيزيدية في العراق قبل نحو عشر سنوات.
غير أن الشاب البالغ من العمر 20 عاما بدأ العام الماضي في تلقي رسائل من حساب لمستخدم لا يعرفه على فيسبوك يسأل عن شقيقه المفقود روجين.
وسأله هذا المستخدم “هل يمكنك الاتصال بي؟”، فرد عليه ايدين بالقول “لا، لا أستطيع.. أنا لا أعرفك”.
فأجاب “أنا روجين”.

كانت آخر مرة رأى فيها أيدين شقيقه الأصغر في مارس آذار 2019 عندما كانا أسيرين لدى التنظيم في سوريا. وطلب صورة للتأكد من أنه روجين. وكان هو بالفعل. ودخلا بعد ذلك في مكالمة بالفيديو استمرت لأكثر من ساعتين.
وكانا متلهفين للم شملهما.. لكن الأمر لن يكون سهلا.
فروجين البالغ من العمر 18 عاما كان يعمل في مدينة إدلب في شمال غرب سوريا، وهي المعقل الأخير لمقاتلين معارضين للحكومة ومتشددين تربطهم صلات بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.

وللوصول إلى شقيقه، كان على روجين أن يعبر إلى منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهي جماعة مسلحة سورية يقودها الأكراد، ثم عبور الحدود إلى المنطقة التي يتركز فيها الإيزيديون في شمال العراق. ولم تكن لديه هوية ولا وثائق سفر.
بعد عشر سنوات من حملة تنظيم الدولة الإسلامية الوحشية ضد الإيزيديين التي دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة جنودها للعراق لوقف تقدمه والحيلولة دون وقوع إبادة جماعية، لا تزال مئات العائلات يائسة من لم شملها مع أقاربها المفقودين الذين تعرضوا للأسر والاسترقاق خلال فترة سيطرة التنظيم.
ويعتبر تنظيم الدولة الإسلامية الإيزيديين كفارا. وكان مقاتلو التنظيم يسعون إلى قتل أو استعباد أتباع هذه الديانة بعد اجتياح مناطقهم في سنجار بشمال غرب العراق في 2014.
وبحلول عام 2019، طرد تحالف تقوده الولايات المتحدة وشركاء محليون التنظيم من الأراضي التي استولى عليها في العراق وسوريا وأعلنوا فيها قيام دولة الخلافة الإسلامية. لكن ناجين وناشطين يقولون إن مهمة العثور على المفقودين وإعادتهم إلى ديارهم كانت موكلة إلى حد كبير لعائلاتهم وعدد قليل من شبكات الإنقاذ التي تفتقر للإمكانيات.

ولإعداد تقرير عن عملية البحث، سافرت رويترز إلى سنجار وعبر منطقة كردستان في شمال العراق التي سعى مئات الآلاف من الإيزيديين إلى اللجوء إليها في 2014. ويستند هذا التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 20 شخصا، بينهم أسرى سابقون وأقارب ومهربون وقيادات مجتمعية ومسؤولون حكوميون.
وتحدثوا عن عملية بحث بطيئة ومضنية تنتهي غالبا بحسرة.
* آلاف المفقودون
يقول مسؤولون عراقيون إن أكثر من خمسة آلاف إيزيدي، معظمهم من الرجال والنساء كبيرات السن قتلوا في بداية الهجوم في أغسطس آب 2014 وألقيت جثثهم في مقابر جماعية.
كما تم أسر نحو 6400 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. وبينما كان يتم بيعهم لأغراض تنوعت ما بين الاسترقاق والاستعباد الجنسي أو تدريبهم ليكونوا مقاتلين ومفجرين انتحاريين، كانوا ينتقلون من مالك إلى آخر في إطار “دولة الخلافة” التي امتدت لتشمل ثلث العراق وسوريا تقريبا.
وأفادت بيانات صادرة عن مكتب أسسه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لتنسيق عمليات الإنقاذ بأن ما لا يقل عن 3584 من الأسرى تمكنوا من الفرار أو تم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف.
وهناك ما يقرب من 2600 ما زالوا في عداد المفقودين، يخشى أن يكون معظمهم قد لقوا حتفهم إما على يد خاطفيهم أو في معارك بين التنظيم وأعدائه.
لكن كل بضعة أشهر، تتردد أنباء عن المزيد من الناجين بين الطائفة الإيزيدية التي يبلغ قوامها نحو مليون يعيش أقل من نصفهم بقليل في العراق.
وفي أكتوبر تشرين الأول، أعلن مسؤولون أمريكيون وعراقيون أن إيزيدية تبلغ من العمر 21 عاما اختطفها التنظيم قبل نحو عشر سنوات تم إجلاؤها من قطاع غزة في عملية سرية شاركت فيها إسرائيل.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، التي كانت تدير قطاع غزة قبل اندلاع الحرب مع إسرائيل العام الماضي، إن المرأة تزوجت فلسطينيا كان يقاتل إلى جانب جماعات المعارضة السورية، وانتقلت إلى غزة مع أقارب زوجها بعد مقتله. وقال مكتب الإنقاذ إنها واحدة من 14 أسيرا سابقا التأم شملهم مع أقاربهم في العراق هذا العام.
ويعتقد نشطاء إيزيديون أن آخرين ما زالوا محتجزين لدى مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية وأفراد أسرهم، أو بدأوا حياة جديدة في سوريا وتركيا أو أماكن أخرى. وتتراوح التقديرات من بضع مئات إلى أكثر من ألف.
وقال أفراد إنقاذ وأسرى سابقون إن كثيرين أخذهم التنظيم وهم أطفال صغار وليس لديهم سوى القليل من الذكريات عن المكان الذي أتوا منه. وبعضهم نشأ في ظل أيديولوجية التنظيم المتشددة، ولا يريدون العودة إلى مجتمعهم الأصلي. وتخشى أسيرات من تعرضهن للنبذ أو فصلهن عن الأطفال الذين أنجبنهم من مقاتلي التنظيم الذين استعبدوهن.
كانت العادة هي نبذ الإيزيديين الذين يعتنقون الإسلام أو يتزوجون من خارج الطائفة، حتى وإن كان ذلك تحت الإكراه. كان ذلك نتيجة لقرون من الاضطهاد الذي يقول شيوخ الطائفة إنه جعل الطائفة تخشى على بقائها. كما أن الاغتصاب وصمة عار تلطخ شرف الأسرة.
وبعد هجوم التنظيم، سمح الزعماء الدينيون للطائفة بإعادة تعميد النساء والفتيات اللاتي أجبرن على العبودية الجنسية في معبد لالش بشمال غرب العراق، وهو أقدس موقع للإيزيديين. لكن الأطفال الذين أنجبنهم من مسلحي التنظيم غير مرحب بهم.
وقال لقمان سليمان المتحدث باسم لالش “دمهم هو دم داعش.. عندما يكبرون.. سيكونون قتلة” مستخدما الاسم المتختصر للتنظيم.
وقال سليمان إن هناك عقبة أخرى بسبب قانون عراقي ينص على أن الأطفال على دين آبائهم، والإيزيديون لا يقبلون هذا.
ويقول بعض الناشطين الإيزيديين إن العثور على المختطفين ليس من أولويات الحكومة العراقية وحلفائها.
وقال مراد إسماعيل أحد مؤسسي منظمة (يزدا) -المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة- والمدير التنفيذي السابق لها والذي يدير الآن مبادرة تعليمية في سنجار “لا توجد جهود منتظمة من جانب العراق أو المجتمع الدولي لإنقاذ الأسرى”.
وأضاف أن التنافس بين الهيئات الحاكمة المختلفة، بما في ذلك الحكومة العراقية والسلطات الإقليمية الكردية في شمال العراق وسوريا، يعني أنه ليس هناك تعاون يذكر فيما بينها.
كما اتهم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بعدم بذل ما يكفي من الجهد لتحرير الإيزيديين. وتشير التوقعات الحالية إلى أن التحالف سينهي عملياته في العراق بحلول سبتمبر أيلول 2025، غير أن المهمة ستستمر في سوريا.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لرويترز إن واشنطن عملت لسنوات لتحرير الإيزيديين المختطفين.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في يوليو تموز “نحن عازمون على العثور عليهم ومعرفة مصائرهم وإنقاذ من لا يزال على قيد الحياة”، مضيفا أن واشنطن استثمرت نحو 500 مليون دولار في دعم تعافي المجتمعات المحلية الأكثر تضررا من التنظيم.
واتفق خلف سنجاري مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإيزيديين مع أن الحكومات السابقة لم تبذل ما يكفي من الجهد، قائلا إن الموارد كانت محدودة، والأولوية كانت هزيمة التنظيم. لكنه قال إن الحكومة شكلت الآن لجنة للعمل على قضايا الإيزيديين المفقودين وتنسق مع الشركاء.
وقال ديندار زيباري منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان إن الحكومة لا تزال ملتزمة بتحديد أماكن الإيزيديين وإعادتهم، وإنها “تعمل بشكل وثيق مع الوكالات الدولية لمعالجة هذه الحالات المعقدة”.
وأقر بأن بغداد اتخذت خطوات لدعم الإيزيديين، لكنه قال إن تحسين التعاون مع كردستان من شأنه أن يساعد في تسريع عمليات الإنقاذ. وأضاف أنه لم يكن هناك تنسيق بين حكومة كردستان العراق والأكراد في سوريا.
وقال خيري بوزاني مدير مكتب الإنقاذ التابع لرئيس إقليم كردستان العراق إن فريقه حث السلطات الكردية في سوريا على تجنيب الخلافات السياسية التي قوضت جهود الإنقاذ، لكن لم يكن هناك تواصل يذكر معهم.
ولم تعلق الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا وجناحها العسكري قوات سوريا الديمقراطية.
* “وكأنه عاد من القبر”
وقع أيدين وروجين في الأسر مع والديهما وشقيقين أصغر سنا في اليوم الأول من هجوم المسلحين على سنجار في الثالث من أغسطس آب 2014. وقالا لرويترز إن المقاتلين اعترضوا سيارتهم أثناء محاولتهم الفرار من قرية حردان.
وقالا إن والدهما وافق على اعتناق الإسلام تحت تهديد السلاح، لكن القرار لم يمنح الأسرة الكثير من الراحة. فقد استمر نقلهم من منشأة احتجاز مؤقتة إلى أخرى لعدة أشهر.
وقال الشقيقان إنه في أحد الأيام في مدينة تلعفر القريبة، تم استدعاء والدهما مع رجال إيزيديين آخرين إلى مسجد. ولم يعودوا أبدا.
وبعد فترة وجيزة، تم إرسال أيدين إلى معهد ديني، ثم إلى أكاديمية عسكرية للتنظيم. وبيع روجين مع والدتهما وشقيقيهما، لكنه قال إن مقاتلا سعوديا أخذه منها لاحقا لتربيته.
ومع بدء التنظيم في خسارة الأراضي، كان يجري نقل الشقيقين ذهابا وإيابا بين العراق وسوريا، وانتهى بهما المطاف في قرية الباغوز السورية. عندما خاض المسلحون آخر معركة هناك في مارس آذار 2019، وحاول أيدين، الذي كان يبلغ من العمر 15 عاما آنذاك، إقناع شقيقه البالغ من العمر 13 عاما بالفرار إلى قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقترب منهم.
وقال أيدين عن ذلك “لقد كان الأمر أشبه بالجحيم. فقد تتعرض للضرب في أي لحظة”.
لكن شقيقه، الذي تلقى تعليمه وفق معتقدات التنظيم، قال إنه كان مستعدا للموت.
وقال أيدين “كان رأسه مثل الحجر. كأن الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى”.
وفر المقاتل السعودي لاحقا، وترك روجين. وقال روجين الذي كان وحيدا وخائفا إنه أقنع أسرة من التنظيم باستقباله وتظاهر بأنه من أبناء الأسرة عندما استسلمت للقوات الكردية.
وقال إنه تم إرسالهم بصحبة آلاف من أفراد أسر التنظيم الآخرين إلى معسكر اعتقال يسمى الهول. ولكن بعد بضعة أشهر، رتب المقاتل السعودي تهريب روجين إلى مدينة الحسكة القريبة على دراجة نارية، ثم إلى أحد معارفه في إدلب.
رفضت سلطات المعسكر الإجابة على أسئلة حول حالات فردية.
وقال روجين إنه أغتنم فرصة الهروب من المعسكر الصحراوي القاحل، لكنه الشخص الذي كان على تواصل معه غادر إدلب، ليصبح بمفرده مرة أخرى.
ووجد مكانا للإقامة في منزل مع شباب نازحين آخرين. وقال إنهم عاملوه بلطف، وساعدوه في العثور على العمل حارس أمن في مقهى بالمنطقة.
وعاش أربع سنوات لا يستطيع شراء أي شيء، فقد كان يعمل لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل. لكن أسرته لم تغب عن خاطره مطلقا. وعندما وفر ما يكفي من المال، اشترى هاتفا ذكيا، استخدمه للبحث عنهم عبر الإنترنت.
وهكذا وجد أيدين، الذي كان يعيش مع عمه في خانكي وهي بلدة تقع في إقليك كردستان بشمال العراق.
واتصل العم سعيد طلال بمكتب الإنقاذ الكردي. وقال طلال إن المكتب قام بتوصيل الأسرة بمهرب محلي ووافق على تغطية الرسوم البالغة ثلاثة آلاف دولار لنقل روجين في شاحنة إلى الأراضي الكردية.
ثم تم نقله إلى مؤسسة البيت الإيزيدي، وهي مؤسسة اجتماعية وثقافية يخضع فيها الأسرى السابقون لإعادة تأهيل فكريا ونفسيا قبل إعادة دمجهم مع أفراد الطائفة بالعراق. ويتم أخذ هواتفهم، ووضعهم في منزل عائلة من عائلات المنطقة للتعرف على عادات ومعتقدات الإيزيديين.
قال إسماعيل دلف الذي يرأس البيت الأيزيدي “الهدف هو جعلهم يتخلون ببطء عن معتقداتهم الحالية ليعودوا إلى الإيمان الإيزيدي من خلال الانغماس في الثقافة… إنه أمر صعب للغاية بالنسبة لكثيرين منهم.. يريدون الصلاة خمس مرات في اليوم.. يريدون الحصول على مصحف”.
وقال دلف إنه سيكون من الخطير إعادتهم إلى ديارهم بعد تلقينهم معتقدات خاطفيهم “مجتمع سنجار صعب… سيكون هناك رد فعل إذا صلى أحدهم صلاة المسلمين أو شيء من هذا القبيل”.
وقال روجين إنه وجد العملية مرهقة واعتراه اليأس من رؤية أسرته يوما ما. وقال إنه في أثناء وجوده في الأسر، تبنى هوية جديدة، فروجين القادم من سنجار أصبح عبد الله من سوريا. واستغرق الأمر بعض الوقت للتخلص من هذه الهوية، لكنه يقول الآن “أشعر أن شخصية جديدة ولدت.. أنا روجين بنسبة 100 بالمئة.. أو ربما 95 بالمئة”.
وفي 14 ديسمبر كانون الأول 2023، وبعد ما يقرب من شهر مع الأسرة التي استضافته، وصل عمه ليأخذه إلى العراق.
كانت قد مرت تسع سنوات منذ أن رأى لآخر مرة الرجل الذي كان يعتبره أبا ثانيا. فتعانقا وانخرطا في البكاء.
ويصف سعيد تلك اللحظات وهو جالس مع ابني أخيه على حشايا في منزلهم المكون من غرفتين مفروشتين بشكل متواضع “اعتقدت أنه رحل.. ثم ظهر وكأنه عاد من القبر”.
* البحث
عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية في ذروة سيطرته بين 2014 و2016، كان هناك الكثير من عمليات الإنقاذ من هذا النوع. فقد بنى الإيزيديون الذين لديهم اتصالات في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم شبكات من المخبرين والمهربين.
وينسب نشطاء إيزيديون إلى عبد الله شريم، وهو مربي نحل من سنجار، الفضل في ترتيب أكثر من 400 عملية إنقاذ. وقال شريم إنه كان يعمل مع مهربين كانوا يجلبون السجائر إلى أراض خاضعة للتنظيم وكان يدفع لهم أربعة أمثال رسومهم المعتادة لإخراج الإيزيديين. وكبرت شبكته لتشمل خبازين وجامعي نفايات وغيرهم ممن لديهم إمكانية الوصول إلى المنازل التي كان يُحتجز فيها الإيزيديون.
وقال شريم إنه في ذلك الوقت كان من الأسهل العثور على الأسرى. فقد كان أتباع التنظيم ينشرون صور “العبيد” الذين يريدون بيعهم عبر الإنترنت. وكان من الممكن إقناع مالكيهم الذين إما يتعاطفون أو يتطلعون إلى تحقيق ربح سريع، في بعض الأحيان ببيعهم مرة أخرى إلى أسرهم التي كانت تتوسل وتقترض لجمع المال اللازم.
وقال رئيس مكتب الإنقاذ بوزاني إن المكتب سدد نحو ستة ملايين دولار من هذه النفقات، لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لجمع الأموال. وقالت عائلة طلال إنها لم تتلق أي شيء حتى الآن من نفقات إنقاذ روجين.
وانخفض عدد عمليات الإنقاذ بشكل حاد مع بدء التنظيم في فقدان الأراضي وإجباره على الاختباء.
وتم تحرير ما لا يقل عن 204 من الإيزيديين في 2019، عندما انهارت “خلافة” التنظيم في سوريا، لكن 57 فقط عادوا إلى العراق في السنوات التي تلت ذلك، بحسب الأرقام التي جمعها مكتب الإنقاذ. وقال المكتب إن الأرقام قد لا تشمل بعض الأسرى المحررين الذين اختاروا البقاء في سوريا، أو عادوا إلى العراق بمفردهم أو انتقلوا إلى دولة ثالثة.
وقال بوزاني إن بعض الإيزيديين اختلطوا بمقاتلي التنظيم وأفراد أسرهم الذين فروا إلى إدلب أو تسللوا عبر الحدود إلى تركيا. لكن غالبية أولئك الذين تم العثور عليهم منذ 2020 كانوا محتجزين في الهول، معسكر الاحتجاز المخصص لأسر التنظيم الذي قال روجين إنه تم نقله إليه.
وقال دلف من البيت الإيزيدي إن الأسرى السابقين أخبروه أن هناك عشرات آخرين محتجزين هناك من قبل أسر مقاتلي التنظيم. وقال مسؤولو المخيم لرويترز إنهم يحاولون العثور على الإيزيديين بين نحو 40 ألف محتجز في خيام المعسكر المترامي الأطراف، لكنهم يواجهون عقبات بسبب الموالين للتنظيم الذين نفذوا العشرات من عمليات القتل هناك.
وقالت جيهان حنان مديرة المخيم والتي تعتقد أيضا بوجود المزيد من الإيزيديين هناك “من حين لآخر، نحصل على معلومات تفيد بأن امرأة إيزيدية موجودة في خيمة، ولكن عندما يدركون أننا نعرف، يقومون بإخفائها”.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن قوات التحالف تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية لتعطيل شبكات التنظيم التي تهدد سكان المخيم لكنها أشارت إلى أن محاولات تحديد هوية الإيزيديين “عمليات دقيقة” يمكن أن “تعرض من نسعى لحمايتهم للخطر”.
وقال أربعة ناجين لرويترز إن الأسرى غالبا ما يعتريهم الخوف الشديد من طلب المساعدة.
وقضت رفيدة نايف، وهي أيزيدية تبلغ من العمر 26 عاما، 20 شهرا في الهول. وقالت إنها كانت تخشى أن تُقتل إذا عرّفت نفسها للحراس ولم يتم إبعادها على الفور عن الأسرة التابعة للتنظيم التي كانت معها. وقالت إنه عندما كانت الأسرة تسمع سيارة تقترب من خيمتهم، كانوا يخبئونها في حفرة ويغطونها بالكرتون أو الفراش.
وقالت إنه من حسن الحظ، تم القبض عليها مع سكان آخرين للاستجواب بعد اندلاع قتال. وكشفت عن قصتها عندما كانت بمفردها مع مسؤولي المخيم.
وقالت إنها بعد إطلاق سراحها، تركت طفلها الصغير، الذي أنجبته من مسلح عراقي، في دار أيتام قريبة.
وقالت عن الصبي “لم اتصل به منذ عودتي”. وكانت تتحدث عبر الهاتف من مخيم للنازحين في كردستان، حيث لا تزال تعيش رغم مرور أربع سنوات. وأضافت “إنه من دمهم وليس دمي.. حدث (الحمل) خلال اغتصاب”.
وقالت دار الأيتام إنها ترعى نحو 20 طفلا تم تسليهم في ظروف مماثلة. لكن رفيدة ونشطاء قالوا إن بعض النساء يفضلن البقاء في الهول على التخلي عن أبنائهن. وتأخذ أخريات أطفالهن ويسافرن إلى الخارج، لينضممن إلى ما يقدر بنحو 120 ألف إيزيدي غادروا العراق منذ 2014.
وقال أفراد إنقاذ إنه قد يكون من الصعب أيضا إقناع الأولاد المختطفين بالعودة إلى ديارهم.
وقال شريم، مربي النحل الذي استأنف الزراعة في سنجار لكنه لا يزال يساعد في ترتيب عمليات الإنقاذ، إن المسلحين “يعطون الأولاد دراجات نارية وأسلحة وسيارات… إنهم يخلقون أجواء جذابة للمراهقين”.
ومر أكثر من عام منذ أن تلقى عدنان زندينان، الذي جنده التنظيم وهو طفل قبل أن يساعد شريم في تحريره عام 2018، رسالة على فيسبوك من شقيقه الأصغر الذي ظن أنه مات.
وتحدث زندينان، البالغ من العمر 21 عاما الآن، عن هذه اللحظات بينما كان يدخن الشيشة في بستانه في قرية الوردية في سنجار “كانت يداي ترتجفان. اعتقدت أن أحد أصدقائي يمزح معي”.
لكن سرعان ما تبددت فرحته عندما رفض الشاب البالغ من العمر 18 عاما مغادرة إدلب التي يعيش فيها الآن.
وقال شريم إنه أكد للشاب أنه سيلقى ترحيبا حارا وسيجد المال والسيارة والزوجة. وكل بضعة أيام، يرسل زندينان لأخيه رسالة أخرى، لكنه يفقد الأمل في إقناعه.
وقال زندينان “يعتقد أن داعش هي عائلته. لا يعرف أن عائلته هنا”.
ولم تكشف رويترز عن هوية الأخ حفاظا على سلامته.
* ماذا بعد؟
لا يزال عشرات الآلاف من النازحين الإيزيديين يعيشون في خيام رثة في كردستان. ويستغل البعض المساعدات النقدية التي تقدمها الحكومة العراقية في العودة إلى سنجار، لكن آخرين يقولون إن المساعدات غير كافية.
ولا يزال جزء كبير من المنطقة مدمرا إلى حد كبير. كما أن الأمن يمثل مشكلة، فقد رفضت جماعات مسلحة عرقية ودينية ساعدت في طرد التنظيم من سنجار تسريح قواتها، وتنفذ تركيا ضربات بطائرات مسيرة ضد بعضها.
وفرص العمل قليلة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين لم يكملوا تعليمهم بسبب الحرب.
ويعمل زندينان باليومية، ويساعد الإيزيديين في إعادة بناء منازلهم المدمرة.
وتزوجت رفيدة نايف في سبتمبر أيلول وتعتزم البقاء في الوقت الحالي في كردستان، حيث يدير زوجها متجرا للهواتف المحمولة.
أما الأخوان طلال، أيدين وروجين، فيتحسسان الطريق للمستقبل بصعوبة.
أراد أيدين العودة إلى الدراسة لكنه تراجع عندما قيل له إنه سيكون في فصل مع أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و10 سنوات. ويعيش على المساعدات ويتعلم العزف على آلة البزق.
ولا يزال روجين يحاول التأقلم مع الحياة كإيزيدي. فهو يشعر براحة أكبر في التحدث باللغة العربية مقارنة بلغته الكردية الأم، وتتخلل حديثه التعبيرات الإسلامية.
وهو يحلم أيضا بالدراسة والسفر إلى الخارج. لكنه قال إن رغبته في الأساس هي أن يكون “شخصا عاديا” يعيش حياة هادئة.
ويشعر شقيقه بالقلق من صمته، فهو لم يعد ذلك الطفل المرح الثرثار الذي يتذكره.
وقال سعيد إنه غالبا ما يجد ابني أخيه يتحدثان همسا عن أيامهما مع التنظيم، غير أنهما يصمتان عندما يقترب.
وكان قد تم القبض عليه أيضا في الهجوم على قريتهم لكنه تمكن من الفرار في غفلة من حراس التنظيم. وأرسل زوجته وأطفاله الأربعة إلى ألمانيا بحثا عن الأمان وبقي هو للبحث عن أقارب مفقودين.
وروجين هو أحد أفراد الأسرة العشرة الذين ساعد في إنقاذهم. ولا يزال هناك 13 آخرون في عداد المفقودين.
ويشتبه سعيد في أن بعض الجثث مدفونة في مقابر جماعية، ويشعر بالإحباط إزاء الوقت الذي تستغرقه السلطات العراقية لاستخراجها. لكنه يقول إنه لن يتوقف عن البحث عنها.
ويتساءل “إذا لم أفعل ذلك.. فمن سيفعل؟”.

شارك في التغطية أورهان كرمان من الهول في سوريا – إعداد محمود سلامة للنشرة العربية – تحرير سها جادو

شارك هذه المقالة على المنصات التالية