الخميس, سبتمبر 12, 2024
آراء

احتفالات مئوية.. سايكس بيكو – سيفر – لوزان بين الكرنفالية والجدوى السياسية

آزاد أحمد علي

ناقشنا سنة 2015 مع عدد من الأصدقاء ضرورة تناول مئوية كل من سايكس – بيكو وسيفر، وكذلك معاهدة لوزان، تناولاً خاصاً بنا نحن الكورد، على اعتبار أننا أول ضحايا هذه المعاهدات الدولية أفراداً ومجتمعات.

وتم الاتفاق على العمل لإحياء ذكرى مرور 100 عام على اتفاقية سايكس – بيكو، كونها الاتفاقية الأولى التي تم بموجبها اتخاذ قرار تقسيم منطقة الشرق الأدنى من منظور كولونيالي غربي، كما عرفت بأنها أول محاولة لتقسيم وإلغاء الكيانات الادارية القائمة في ظل السلطنة العثمانية، دون مراعاة لأي اعتبارات قومية أو دينية، أو حتى الإدارية متمثلاً بنظام الولايات والأيالات العثمانية. وقد مهدت تلك الاتفاقية لتقسيم المنطقة بين الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا.

كان هدفنا من فكرة احياء الذكرى ربط المناسبة، بصيغة ما، مع الحرب على داعش، فضلاً عن وجود ملامح خطة سياسية ومطلب جماهيري لإعلان استقلال إقليم كوردستان العراق عهدئذ. تجاوب عدد من الأصدقاء، وتطوع العديد من الشخصيات مشكورين في عملية التنظيم والتحشيد والدعم المادي. انجزت تلك المحطة عبر احتفالية كرنفالية كبرى في مدينة كولن الألمانية سنة 2016.

كان أغلبية المشاركين هم من كورد كوردستان الغربية، خاصة من دفعة المهاجرين الجدد، اذ شارك الجيل الشاب بشكل كاسح. ظلت الأحزاب جميعاً، خاصة أحزاب نائمة وغائبة عن المقترحات فضلاً عن المساهمة والدعم للنشاط، باستثناء تنظيمات قليلة شاركت وساندت الاحتفالية، وقامت بواجبها بصمت. لأن الاحتفالية لم تكن فكرة ولا مقترح لأي من الأحزاب ولم تدرج أصلاً ضمن قرارتهم، ولم تكن من بناة أفكارهم.

بعد نجاح الاحتفالية تم البحث والتداول في جدوى الاحتفالية ومخرجاتها، اتبعت باحتفالية إرتدادية أصغر لدعم مساعي الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان العراق (الرفراندوم) سنة 2017. هذا وكان لدعم شبكة رووداو الإعلامية من كافة الجوانب دور مميز في نجاح المناسبتين.

ثم تم التحضير لاحقاً لاحتفالية مئوية سيفر، أواخر سنة 2019، وقد اتصلت مع معظم الأحزاب الكوردية الرئيسية، ثم سافرت إلى السويد وبلجيكا وهولندا وفرنسا، لدعوة المنظمات المدنية للمشاركة الرمزية من جهة، سواء من خلال رسائل التضامن أو عبر انجاز أبحاث ودراسات.

استجابت جميع الأحزاب الكوردية التي تمت مخاطبتها، باستثناء حزب واحد. وقد نظمنا احتفالية رمزية أمام مبنى معمل الفخار في سيفر حيث جرت مفاوضات السلام فيها خلال سنة 1919 واستمرت حتى شهر آب سنة 1920. استجابت عمدة باريس مشكورة لطلبنا، وتم الاحتفال رمزياً في سيفر صباح يوم 10 آب 2020، كما صادف الالتقاء مع مجموعة من الأرمن بنفس المكان والساعة. وجددنا في استعادة رمزية أيضاً التضامن الكوردي – الأرمني الذي حصل قبل مئة عام في سيفر بين ممثل الكورد شريف باشا وممثل الأرمن بوغوص نوبار.

بعد ظهر نفس اليوم تم تنظيم جلسة قراءة للأبحاث بالمعهد الكوردي في باريس، نقلتها عدة وسائط اعلام كوردية. كانت احتفالية مئوية سيفر رمزية لعدة أسباب: بسبب تفشي جائحة كورنا، حيث أعطيت الموافقة من قبل بلدية باريس لتجمع لا يتجاوز 25 شخصاً، وكذلك لتهرب معظم الفعاليات الكوردية من الاحتفال بمئوية سفير تخوفاً من غضب الحكومة التركية، وحساسية الأتراك المفرطة اتجاه معاهدة سيفر ومضامينها التحررية، التي اقرت في بنودها بضرورة انسحاب الجيوش التركية من كل المناطق غير الناطقة باللغة التركية، وبحق تلك الشعوب في تقرير مصيرها السياسي.

تواصل طموحنا وامتد نشاطنا للاحتفال بمئوية معاهدة لوزان، وبعد تشكيلنا “لجنة معاهدة لوزان”، كنا نخطط لإنجاز احتفالية متعددة المستويات والبرامج وأكثر فعالية من السابقات، عبر التنسيق مع العديد من المنظمات والشخصيات لتتظافر جهودهم ضمن الاحتفالية الكبرى في سويسرا، ومدينة لوزان تحديداً. لكن للأسف قام الحزبان المهيمنان على الساحة الكوردستانية في السنوات الأخيرة، كالعادة بالاستعجال في تنظيم احتفاليتها لتحويلها إلى نشاطات حزبية خاصة، وافراغ الاحتفالية من محتواها السياسي والمعرفي والقانوني المخطط له.

بعد مرور عدة سنوات على هذه النشاطات، ونسيان أنصار الكرنفالات الحزبية لمحتوى هذه المعاهدات وما استطالت منها من اتفاقيات دولية وإقليمية، وعدم استيعاب بعض قادتها أصلاً لجوهر وفكرة احياء هذه المناسبات على أرض أوروبا. لا بد من محاولة الإجابة على بعض الأسئلة البسيطة التي عادة ما تفتح الأبواب على إجابات مفيدة، وتسهم في تراكم الخبرات: لماذا احتفلنا ونحتفل في هكذا مناسبات؟.

أود الايجاز والتركيز على أنه إضافة الى كونها نشاطات سياسية وثقافية مشروعة وضرورية، بصرف النظر عن بعض جوانبها الكرنفالية، فهي تظل في غاية الأهمية، وأهميتها تكمن في رفض نتائج هذه المعاهدات السياسية، كما يتجسد الهدف من احياء هذه المناسبات المفصلية في تاريخ منطقة الشرق الأدنى وكوردستان بشكل خاص، في أنها تسلط الضوء على نتائج السياسة الكولونيالية للدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا وتفصح عن شراكتهم مع روسيا وتركيا في تقسيم كُوردستان، الذين قاموا بتشتيت وابادة المجتمعات الكوردستانية، وإلغاء حقهم في السيادة على أرضهم وتقرير مصيرهم السياسي.

في المحصلة، وكنتيجة تتشارك هذه الدول جميعاً مع الحكومات التي ورثتها في المنطقة في الجريمة السياسية ويتحملون المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية بما حل بالكُورد منذ الحرب العالمية الأولى. لكل ذلك ينبغي العمل على اظهار ونشر وتوثيق ودراسة هذه الحقائق بالتفصيل، والاستمرار في المطالبة بحق الأمة الكوردية المشروع والبديهي في تقرير المصير السياسي والسيادة القومية على أرضه، وتعويضه عن كل ما لحق به من أضرار بشرية ومادية ومعنوية، وتحميل كل جهة مسؤوليتها، عن طريق رفع الدعاوى القانونية والدبلوماسية بحقها.

المصدر: رووداو

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين