استعجال تركي.. وحسابات الشرع
خورشيد دلي
كانت لحظة سقوط نظام بشار الأسد فجر يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الفائت، لحظة تركية بامتياز، إذ بدت تركيا كقاطرة شحن ضخمة، تسابق الزمن للوصول إلى دمشق لقطف ثمار ما حصل، فسرعان ما حط رئيس استخباراتها، إبراهيم كالن، رحاله في دمشق، ومن ثم وزير خارجيتها، حقي فيدان، لتتحدث تركيا وكأنها راعية لكل شيء في سوريا، بل ومسؤولة عن ما سيحصل، إذ بلغ التصور التركي إلى حد الحديث عن تحديد شكل الدولة السورية في المستقبل، والتصور التركي هذا، ينبع من أن تركيا هي التي دعمت هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل السورية المسلحة، وانطلاقاً من هذا العامل رأت أن لها حق في استلام أمر سوريا سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، وعليه سعت بقوة إلى أن تكون لها كلمة الفصل في سوريا، وعلى هذه القاعدة طرحت سلسلة مشاريع وتصورات لدور تركيا في سوريا المستقبل، وهو ما دفع بالمحلليين السياسيين إلى القول إن تركيا تريد أن تحل محل إيران كما كان الحال في عهد النظام السابق.
لا يخفى على أحد أن التصور التركي لسوريا المستقبل، يضع سوريا تحت وصايتها، إذ أعلن رئيسها، رجب طيب أردوغان، أن تركيا تريد “المساعدة” في تأسيس شكل الدولة السورية المقبلة، كما أعلن وزير دفاعها، يشار كولر، أن تركيا ستقوم بتدريب الجيش السوري المستقبلي، وإقامة قواعد عسكرية في عدد من المحافظات السورية، كما طالبت تركيا بترسيم الحدود البحرية تمهيداً للتوقيع على اتقاقيات في مجال النفط والغاز، وسط الحديث عن اعادة إحياء مشروع خط تصدير الغاز من قطر عبر سوريا وتركيا إلى الدول الأوروبية، وهو ما دفع بكثيرين إلى الحديث عن الاتفاقية التي وقعتها تركيا مع حكومة السراج في ليبيا عام 2019، تلك الاتفاقية التي أثارت جدلاً إقليمياً ودولياً لم يتوقف إلى اليوم، وفي كل ما سبق أرادت تركيا القول لسلطة أحمد الشرع إن سوريا المستقبل يجب أن لا يكون للكرد فيها حيثية سياسية، وعليه صعدت في الميدان عبر فصائل الجيش الوطني، وفي السياسة ضغطت على السلطة الجديدة لإقصاء مكون أساسي من الحياة السياسية في سوريا المنشودة ديمقراطياً، تعددياً، مدنياً.
حسابات الشرع
الشرع الذي أدار هيئة تحرير الشام، وحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب طوال السنوات الماضية، يدرك جيداً أهمية دور تركيا، وأهمية علاقته بها، لتوطيد أركان سلطته في المرحلة الانتقالية، ولذلك تجنب أي تصريح يعكر صفو هذه العلاقة، ولكنه في الوقت نفسه بدت حساباته مختلفة عن حسابات اللاعب التركي، وطموحاته الجامحة، وعليه بدا الشرع وكأنه ينتظر تطورات مهمة لبناء سياسة تدفع به إلى اتباع سياسة متوازنة في المرحلة المقبلة، وقد بدا هذا الأمر واضحاً خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين الشرع وفيدان في دمشق، إذ تهرب من جواب عن سؤال حول العلاقة مع قسد، وأحاله إلى فيدان، ليكرر الأخير ما قاله سابقاً عن قسد، إذ أن تهرب الشرع من السؤال بدا وكأنه لا يريد كلاماً يحسب عليه في إعادة ترتيب البيت السوري، وهو في حساباته هذه بدا وكأنه يأخذ بعين الاعتبار عوامل ينتظرها ليقول جوابه عن السؤال المطروح، وهي عوامل يمكن حصرها في نقطتين.
النقطة الأولى موقف أميركي يتيح رفع اسمه وهيئته من لائحة المنظمات الإرهابية، كمدخل للاعتراف به كحاكم شرعي جديد في ساحة اللاعبين الإقليميين. والثانية هي موقف عربي داعم لسلطته من أجل موازنة خياراته السياسية، إلى أن وجد الطريق إلى السعودية عبر زيارة قام بها وفد رفيع ترأسه وزير خارجيته، أسعد الشيباني.
وفي كل ما سبق، كان العامل الإسرائيلي واضحاً في سياسة الشرع وتصريحاته، إذ أعلن مراراً أنه لا يريد حرباً أخرى في المنطقة، في إشارة إلى إسرائيل، وربما الاستعداد لسلام معها في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أنه يقيس حساباته بمقياس دقيق، أساسه تطلعه إلى سلطة مستدامة تقرأ الواقع الداخلي والإقليمي والدولي بعين دقيقة فاحصة بعيداً عن الشعارات الدينية والقومية التي تكلست بفعل عوامل تراجع الأيديولوجية ودورها في حياة الدول والشعوب لصالح المفاهيم الحقوقية والخدمية والعلمية.
بين الاستعجال التركي للإطباق على سوريا الجديدة، وجعلها ممراً لمشاريع تركية إقليمية في مجال الاقتصاد والتجارة والنقل والأمن.. وبين حسابات الشرع الدقيقة، تبدو سوريا أمام امتحان تاريخي في التطلع إلى المستقبل، وهي في تطلعها هذا، تحتاج إلى عملية سياسية تجمع شمل السوريين في إطار خطوات واضحة تؤدي إلى دولة ديمقراطية تعددية بعيداً عن الأيديولوجيات والتصورات السياسية المسبقة، ورغبات الدول الطامحة، والأخيرة مهمة مسؤوليتها مشتركة مع الدول العربية وإسرائيل، إذ أن ما سيحصل في سوريا سيؤثر على هذه الدول والمنطقة عموماً، ومن دون ذلك فإن سوريا قد تصبح ساحة مواجهة إقليمية من جديد، إذ أن إسرائيل التي عملت كل ما يمكن فعله لإخراج إيران من سوريا لن تقبل بحلول تركيا محلها، وتشكل مصدر قلق لها بشعارات دينية ومجموعات راديكالية، وهو ما يدركه الشرع جيداً كما يبدو، إذ لا يتوقف الرجل عن تكرار القول إن سوريا لن تقود بعد اليوم بعقلية الثورة وإنما بعقلية الدولة.
المصدر: نورث برس
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=59523