استفتاء كوردستان بقيادة الرئيس مسعود بارزاني

كوردستان المزوري
في الخامس والعشرين من أيلول عام 2017، عاش الشعب الكوردي واحدة من أهم اللحظات في تاريخه الحديث، حين توجه بالملايين إلى صناديق الاقتراع ليصوّت على الاستقلال وتقرير المصير. ذلك اليوم لم يكن مجرد محطة انتخابية عابرة، بل لحظة مفصلية حملت معها رمزية كبيرة لإرادة أمة عانت من عقود طويلة من التهميش، القمع، وخرق الحقوق الدستورية، و منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، لم يحظَ الكورد بحقوقهم كاملة، بل كانوا دائماً في مواجهة سياسات مركزية قمعية سعت إلى إنكار هويتهم وحقوقهم الوطنية.

ومع سقوط النظام السابق وكتابة الدستور العراقي عام 2005، ظنّ الكورد أن صفحة جديدة ستفتح في العلاقة مع بغداد، وأن الفيدرالية المقرة في الدستور ستكون ضمانة للشراكة والعدالة. لكن الواقع أثبت عكس ذلك، فقد استمرت الحكومات المتعاقبة في بغداد بخرق الدستور، من قطع رواتب موظفي الإقليم، إلى منع حصة كوردستان من الموازنة، مروراً بالتجاوزات على الأراضي المتنازع عليها، وتجاهل مبدأ التوازن في الجيش والمؤسسات. هذه التراكمات دفعت القيادة الكوردية إلى البحث عن خيارات تحفظ حقوق الشعب، فجاء الاستفتاء كخيار ديمقراطي وسلمي لإيصال رسالة واضحة إن شعب كوردستان يريد أن يقرر مستقبله بنفسه.

الرئيس مسعود بارزاني القائد الذي تحمّل المسؤولية

هنا يبرز الدور التاريخي للرئيس مسعود بارزاني، الذي قاد عملية الاستفتاء بشجاعة نادرة. فقد أعلن منذ البداية أن الاستفتاء لا يعني إعلاناً فورياً للاستقلال، بل هو تفويض شعبي ورسالة سياسية للعراق والعالم، كان الرئيس بارزاني صريحاً مع شعبه، وواقعيا في خطاباته، مؤكداً أن الكورد لا يسعون إلى المواجهة، بل يريدون بناء علاقة جديدة مع بغداد قائمة على الاحترام المتبادل والاتفاق الحر. لقد واجه الرئيس مسعود بارزاني ضغوطا هائلة من قوى إقليمية ودولية طالبت بتأجيل الاستفتاء أو إلغائه، لكنه أصر على المضي قدماً احتراماً لإرادة الجماهير التي انتظرت هذه اللحظة لعقود، تحمّل مسؤولية القرار التاريخي، مدركًا أن القادة الحقيقيين هم من يقفون في اللحظات الصعبة، لا من يهربون منها.

يوم الاستفتاء ونتائجه

في 25 أيلول 2017، خرجت الجماهير الكوردية بمشهد مهيب، نساءً ورجالًا، شبابا وشيوخاً، لتقول كلمتها. نسبة المشاركة تجاوزت 72% من مجموع الناخبين، فيما بلغت نسبة التصويت بـ “نعم” أكثر من 92%. كانت هذه الأرقام صادمة للخصوم، ومعبرة عن وحدة شعبية قل نظيرها، هذه النتيجة لم تكن مجرد إحصائية، بل إعلانا جماهيريا بأن الكورد، بمختلف مكوناتهم القومية والدينية، يقفون صفا واحداً خلف خيار تقرير المصير.

ردود الفعل الداخلية والخارجية

رغم سلمية الاستفتاء وشرعيته، إلا أن بغداد تعاملت معه بعقلية الانتقام لا بعقلية الحوار. ففرضت الحكومة إجراءات عقابية، شملت غلق المطارات، محاصرة الإقليم اقتصادياً، وحتى شن عمليات عسكرية في كركوك والمناطق المتنازع عليها. كذلك، وقفت بعض الدول الإقليمية بالضد، خوفًا من أن يشكل نجاح كوردستان سابقة لشعوبها، أما المجتمع الدولي، فقد اكتفى بالدعوة إلى الحوار، لكنه لم يقدم دعماً ملموساً لإرادة الشعب الكوردي، بل فضل مهادنة بغداد على حساب مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إرث الاستفتاء بعد ثماني سنوات

اليوم، وبعد مرور ثماني سنوات، يبقى استفتاء كوردستان حاضراً في ذاكرة الشعب كحدث تاريخي أثبت وحدة صفه، صحيح أن الظروف السياسية والضغوطات حالت دون تحقيق هدف الاستقلال الفوري، لكن الرسالة وصلت بأن لا يمكن لأي قوة أن تنكر حق الكورد في تقرير مصيرهم، كما أثبت الاستفتاء أن القيادة الحكيمة، المتمثلة بالرئيس مسعود بارزاني، قادرة على جمع الشعب حول قضية مصيرية. فقد نجح الرئيس بارزاني في أن يحول مطلب الاستقلال من حلم مؤجل إلى واقع ملموس عبر صناديق الاقتراع، ليبقى رمزاً للشجاعة والإرادة الصلبة، استفتاء 25 أيلول لم يكن نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة في مسيرة الكورد، لقد كشف للعالم أن الشعب الكوردي، رغم كل الانقسامات والضغوط، قادر على التوحد حول هدفه الأسمى: الحرية والكرامة، وسيبقى دور الرئيس مسعود بارزاني علامة فارقة في هذا المسار، إذ جسّد القائد الذي لا يساوم على حقوق شعبه، بل يقودهم بثبات حتى في أحلك الظروف.

المصدر: رووداو

Scroll to Top