الثلاثاء, يوليو 2, 2024

الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وانتخابات البلديات

آراء

د. مرشد اليوسف

الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إدارة ديمقراطية تحتاج دائمًا إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتحتاج أيضاً إلى التطوّر المستمرّ في أدائها على الأرض، كما تحتاج إلى تغييرات أساسية في هيكل الجهاز الإداري بما يتناسب مع الظروف والمستجدّات الداخلية والإقليمية والدولية.

وبالإضافة إلى الأسباب المختلفة التي ذكرناها فإنّ الإدارة تحتاج أيضًا إلى تحسين الكفاءة والاستجابة لحاجات المواطنين وللتطوّرات المستجدّة باستمرار.

وضمن هذا السياق فقد أجرت الإدارة مجموعة من التعديلات في نهاية العام الماضي لتحديث مؤسّسات الإدارة الذاتية؛ تلبية لحاجات المواطنين من جهة واستعدادًا لمفاوضات وتسوية محتملة مع الحكومة في دمشق من جهة أخرى، وجرى ضمن تلك التعديلات تنظيم وصياغة ميثاق عقد اجتماعي جديد وموسّع ( بتاريخ 13 ديسمبر 2023 ) ينظّم العلاقة بين المكوّنات من جهة وبين المكونات والإدارة من جهة أخرى، وصدر هذا العقد باسم “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا” بالتزامن مع الذكرى الثامنة لاعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يُنظر إليه على أنّه عنوان الحلّ في سوريا.

والحقيقة أنّ ميثاق العقد الاجتماعي الجديد الذي يضم ديباجة وأربعة أبواب و134 مادة يمثّل نظريًا ولادة الإقليم (إقليم شمال وشرق سوريا ) بشكل رسمي.

وكانت الخطوة التالية هي الإعلان عن الانتخابات البلدية في 11 حزيران 2024 في محاولة لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لمكوّنات شمال وشرق سوريا.

وهذه الانتخابات ليست الأولى التي ستجريها الإدارة؛ فقد أجرت الأخيرة من قبل انتخابات في كانون الثاني 2014م.

التدخّل التركي السافر في شأن الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا:

تزعم تركيا أنّ العقد الاجتماعي الجديد إنّما هو انفصال مبطّن، وأنّ الانتخابات المقرّر إجراؤها في 11 حزيران الحالي هي البداية وهي الخطوة الأولى على طريق تقسيم سوريا.

وكنتيجة لجهود الدبلوماسية التركية في تعطيل الانتخابات في إقليم شمال وشرق سوريا أكّدت تركيا في 29 أيار الماضي:

” أنّها لن تسمح بفرض أمر واقع يهدّد أمنها القومي وينتهك وحدة أراضي سوريا “.

وأكّد وزير الدفاع التركي – حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- ” أنّ تركيا تعارض جهود الأحزاب الكردية لإجراء انتخابات محلية، وإتمام هذه الانتخابات بالنسبة لتركيا يمثّل خطوة نحو إنشاء دولة مصطنعة “.

لاشكّ أنّ هذه الادّعاءات التركية ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة؛ فعند كلّ استحقاق ديمقراطي في شمال وشرق سوريا تصعّد تركيا من عملياتها العدائية والعدوانية على مناطق الإدارة الذاتية؛ من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار وتأليب الحكومات على سياسات الإدارة الذاتية الديمقراطية.

الموقف الأمريكي من الانتخابات البلدية في إقليم شمال وشرق سوريا:

نشرت السفارة الأمريكية بدمشق يوم الجمعة الفائت بيانًا عبر صفحاتها قالت فيه إنّ:

” أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″

وأضافت السفارة:” إنّ واشنطن حثّت الإدارة على عدم المُضي في الانتخابات “.

وعزت السبب إلى أنّ الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات غير متوفّرة في شمال وشرق سوريا في الوقت الحاضر”.

لا شكّ أنّ الموقف الأمريكي هذا يقلق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا؛ لأنّ إجراء مثل هذه الانتخابات يعزّز الاستقرار محلّياً وإقليمياً، ولا يقوّض السلم وعلاقات حسن الجوار، وهو في النهاية شأن داخلي، ولكن أمريكا تدير الأزمات في الوقت الحاضر وفق مصالحها ولا تريد أن تغضب تركيا، وهذا يعني أنّ الملفّ الكردي من الناحية العسكرية بالنسبة لواشنطن أكثر أهمية من الملفّ الكردي السياسي.

الإدارة الذاتية الديمقراطية والتعديلات الأخيرة:

الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا تتبنّى وتطبّق فلسفة الأمة الديمقراطية ومبدأ أخوّة الشعوب في مناطق إدارتها وبين مكوّناتها من العرب والكرد والسريان والتركمان… إلخ دون تفرقة عنصرية أو دينية أو مناطقية، وتدعو إلى نظام حكم لامركزي في سوريا، وليست في ثوابتها وأدبياتها فكرة الانفصال إطلاقًا -كما تزعم أنقرة-.

إنّ التعديلات التي أجرتها الإدارة الذاتية ليست سوى مجموعة من القوانين والقواعد التنظيمية والمرجعيات الإدارية التي تحدّد العلاقة بين الفرد والإدارة من أجل النهوض بالواقع الخدمي والتعليمي.

ولو كانت التعديلات الدستورية والانتخابات البلدية شكلًا من أشكال الانفصال أو مقدّمات للانفصال -كما تزعم تركيا وبعض الأوساط في سوريا- لما أصدرت الإدارة الذاتية مبادرة سياسية للدولة السورية في كانون الأول 2023 بهدف حلّ الأزمة السورية وضمان وحدتها وسيادتها.

وأخيرًا؛ إنّ قيام الإدارة الذاتية بتأجيل الانتخابات أو إلغائها في المستقبل إنّما هو أمر داخلي، وليست له علاقة بهذه الجهة أو تلك، وإنّما اتخاذ القرار في هذه المسألة والبتّ فيها سيكون نابعًا من سياسة الإدارة الذاتية الديمقراطية ومصلحة المكوّنات في إقليم شمال وشرق سوريا لا أكثر ولا أقلّ.

المصدر: nrls

شارك هذا الموضوع على