الثلاثاء, أغسطس 20, 2024

نُشر في: 14 يوليو، 2024

آراء

الإقليم والإدارة وجمهوريتي عنق الزجاجة

ماهين شيخاني

في عام 1918 وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وتوصل الحلفاء إلى معاهدة فرساي التي أسدلت الستارعن الحرب وأعلنت بالوقت ذاته تقسيم ألمانيا إلى أجزاء وأقاليم ضُمت إلى دول الجوار التي كانت ألمانيا قد اعتدت عليها. واحتل الحلفاء المنتصرون الضفة اليسرى لنهر الراين بما في ذلك الجسور الموجودة عليه لجعل تلك المناطق مناطقاً دفاعية في المقام الأول. غير أن فرنسا والولايات المتحدة لم يحتلوا المنطقة الغربية المتاخمة للحدود مع فرنسا بالكامل، بل تركوا شريطاً ضيقاً ضم مدناً صغيرة؛ فما كان من أهالي ذاك القطاع ألا أن أعلنوا تأسيس دولة مستقلة سميت بـ «دولة عنق الزجاجة المستقلة» .

هذه الدولة الفتية لم تكن تملك مقومات الدولة بالمفهوم الصحيح، كانت منفصلة بشكل تام عن الوطن الأم ألمانيا بالإضافة إلى أنها مقطعة الأوصال، إذ كانت قبل الحرب تابعة إدارياً إلى ثلاث مناطق. وبعد إنشاء الدولة اختار أهالي المنطقة محافظ مدينة كاوب الصغيرة ليكون رئيساً عليهم، الذي قام بدوره بطباعة عملة وطنية جديدة «لدولته» الفتية وتولى إدارة الحكم فيها. حصار دولي خنق «الدولة» الفتية أما عن تأمين متطلبات مواطني «عنق الزجاجة» فلم يكن بالأمر السهل إطلاقاً، فليس ثمة صلة بألمانيا لدرجة أن جلب البضائع أو تبادل البريد من وإلى ألمانيا كان يجري عبر التهريب غير المشروع عبر نهر الراين الذي كانت تحرسه القوات الفرنسية؛ فقد كانت عمليات التهريب هي المصدر الوحيد لسد حاجات مواطني «عنق الزجاجة» المحاصرين. ونظرا لتزايد عمليات لعمليات التهريب وعدم انصياع دولة «عنق الزجاجة» للحلفاء، فقام هؤلاء بمنع القطارات من الوقوف والتوقف في محطات الدولة المتمردة، كنوع من الحصار لها.
الجدير بالذكر أن تسمية «عنق الزجاجة» ترجع إلى شكل القطاع الذي لم يحتله الحلفاء بعد احتلال غربي ألمانيا وكان يشبه عنق الزجاجة. وتأسست دولة «عنق الزجاجة» في العاشر من كانون ثان/ يناير 1919 وأفل نجمها في 25 شباط/ فبراير 1923، باحتلالها من قبل فرنسا. وبعد انسحاب القوات الفرنسية في 16 تشرين ثان/ نوفمبر 1924 عادت المنطقة إلى أحضان الوطن الأم ألمانيا.
لو عدنا الى معركة جالديران التي تخص كوردستان ” الأم ” حيث اندلعت في عام 1514 قُسمت كردستان لأول مرة بين دولتين بين العثمانيين بقيادة سليم الأول والصفويين بقيادة إسماعيل الصفوي. حيث أبرمت الدولتان في معاهدة “أماسيا ” عام 1555التي نصت على ترسيم وتعيين الحدود، والتي تم بموجبها تم تقسيم كردستان رسمياً الى قسمين.
ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو في 1916 لتقسمها الى أربعة أقسام وهي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى.
أدت معاهدة سيفر (التي لم تدخل حيز التنفيذ)، ومعاهدة لوزان التي حلت محلها، إلى ظهور غرب آسيا الحديثة وجمهورية تركيا الحديثة. حيث منحت عصبة الأمم فرنسا انتداباً على سوريا ولبنان ومنحت المملكة المتحدة انتداباً على فلسطين التي كانت تتألف آنذاك من منطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي: فلسطين الانتدابية وشرق الأردن وما أصبح فيما بعد العراق. تم الاستيلاء على أجزاء من الإمبراطورية العثمانية في شبه الجزيرة العربية في النهاية من قبل المملكة العربية السعودية واليمن.
وفي هذا الترسيم الجديد كانت هذه الأقسام التي يسكنها الكورد هي :
كردستان العراق أو كردستان الجنوبية (بالكردية: باشووری کوردستان) هي إحدى أجزاء كردستان الأربعة والواقعة في شمال العراق، إلى جانب جنوب شرق تركيا (شمال كردستان)، وشمال سوريا (كردستان الغربية)، وشمال غرب إيران (شرق كردستان).
وبعد نضال مرير وثورات عدة بدءاً عام 1922، حين أعادت بريطانيا الشيخ محمود البرزنجي إلى السلطة، على أمل أن ينظم الأكراد ليكونوا بمثابة حاجز ضد الأتراك، الذين كانت لهم مطالبات إقليمية على الموصل وكركوك. ومع ذلك، في تحدٍ للبريطانيين، أعلن الشيخ محمود في عام 1922 المملكة الكردية ونصب نفسه ملكًا. كان الشيخ هو الملك حتى عام 1924 وشارك في الانتفاضات ضد البريطانيين حتى عام 1932، بعد إعلان انضمام العراق إلى عصبة الأمم، عندما تمكنت القوات الجوية الملكية والعراقيون الذين دربتهم بريطانيا من القبض على الشيخ مرة أخرى ونفيه إلى جنوب العراق.
وبحلول عام 1927، أصبحت عشيرة البارزان مؤيدة صريحة لحقوق الكورد في العراق. وفي عام 1929، طالب البارزاني بتشكيل مقاطعة كردية. وبتشجيع من هذه المطالب، قدم الوجهاء الكورد في عام 1931 التماساً إلى عصبة الأمم لتشكيل حكومة كردية مستقلة. في أواخر عام 1931، بدأ أحمد بارزاني بالثورة ضد العراق، وعلى الرغم من هزيمتها في غضون عدة أشهر، إلا أن الحركة اكتسبت أهمية كبيرة في النضال الكوردي في وقت لاحق، مما خلق الأرضية المناسبة لمناضل كوردي بارز الملا مصطفى البارزاني وبقيادته أدى عمياً إلى السيطرة على المناطق الكردية حتى عام 1945، ثم تمكن العراقيون مرة أخرى من إخضاع الكورد بمساعدة القوات البريطانية. و تحت ضغط من الحكومة العراقية والبريطانيين، اضطر الزعيم الأكثر نفوذاً للعشيرة الملا مصطفى بارزاني النفي الى إيران عام 1945. وانتقل لاحقاً إلى الاتحاد السوفيتي بعد انهيار جمهورية مهاباد سنة 1946م.
وفي الآونة الأخيرة لعب الكورد العراقيون بزعامة الرئيس مسعود البرزاني والرئيس جلال الطالباني دوراً مهماً في حرب العراق. حيث وحدت الأحزاب الكردية قواها ضد الحكومة العراقية خلال الحرب في ربيع عام 2003. ولعبت القوات العسكرية الكردية، المعروفة باسم البشمركة، دورًا مهمًا في الإطاحة بالحكومة العراقية؛ وتم وضع دستور جديد للعراق في عام 2005، يحدد العراق كدولة فيدرالية تتكون من الأقاليم والمحافظات. يضم إقليم كردستان محافظة أربيل، محافظة السليمانية ومحافظة دهوك. لقد اعترفت بإقليم كردستان وبجميع القوانين التي أصدرتها حكومة إقليم كردستان منذ عام 1992. وتم انتخاب زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني السيد جلال الطالباني رئيساً للإدارة العراقية الجديدة، في حين أصبح زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني رئيساً لحكومة إقليم كردستان.
وفي الطرف الأخر من نهر دجلة , في غرب كوردستان وتحديداً بعد 2011 لعبت الأحزاب الكوردية دوراً لا يستهان به حتى ان أحد مسؤولي النظام السوري أعلن بأنه مستعد لمفاوضة الكورد على الحكم الذاتي , وهو السيد وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .
حيث قال : إن حكومته مستعدة للتفاوض مع الأكراد على مطلبهم الخاص بالحكم الذاتي تحت سلطتها، مجدداً و في الوقت ذاته رفضه لاستفتاء إقليم كردستان العراق للانفصال.
ونقلت وكالة سانا الرسمية للأنباء تصريحات تلفزيونية للمعلم قال فيها إن الأكراد يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الدولة، وإن هذا المطلب قابل للتفاوض عندما ينتهي النظام من القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية للتفاهم على صيغة للمستقبل.
وتسيطر وحدات حماية الشعب على مساحة من شمال سوريا، حيث أقام حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاؤه هناك إدارة للحكم الذاتي منذ بدء الثورة السورية عام 2011، وتتلقى القوات ( قسد ) دعماً مباشراً من الولايات المتحدة.
كما لا ننسى أن طرفي نهر دجلة ( البيشمركة و قسد ) هما من دحرا وواجها هجمات داعش الارهابية نيابة عن العالم .
ومن هناك نتساءل الا يحق لهذين ” عنقي زجاجة ” الحصول على حقوقهما وعدم المطالبة من العم “غوغل ” بإزالة خارطة كوردستان والكف عن التآمر والتهديد من قبل الدول الاقليمية والرجوع الى حضن أمهما ” كوردستان” كما رجعت جمهورية عنق الزجاجة الى حضن ألمانيا.

شارك هذا الموضوع على