الامريكان لا يحبون الروس كما إن الاتراك لا يحبون الكورد
جواد إبراهيم ملا
الامريكان لا يحبون الروس كما إن الاتراك لا يحبون الكورد،
ولكن:
لماذا يتم التقارب الامريكي من الروس في هذا الوقت؟
لماذا يتم التقارب التركي من الكورد في هذا الوقت؟
إن العقلية الامبريالية للأمريكان وعملائهم الدول التي تحتل كوردستان في مقدمتهم تركيا تدفعهم إلى عدم قبول أية قوة منافسة لهم، أكانت إمبريالية كالروس أو على باب الله يا محسنين كالقيادات الكوردية الحزبية.
فسبب التقارب الأمريكي من الروس، لأن الروس والصين قبيل حرب أوكرانيا في العام 2022، تفاوضت الدولتان على عقد اتفاق سياسي واقتصادي مدته 30 عاما لتزويد روسيا الصين بالغاز من خلال خط أنابيب جديد، وعرقلتا روسيا والصين طلبا من واشنطن بأن تفرض الأمم المتحدة عقوبات إضافية على كوريا الشمالية بسبب تجارب صاروخية جديدة رغم أن البلدين اتفقا على فرض عقوبات مماثلة على كوريا الشمالية من قبل، كما لم تصف الصين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بالغزو ولم تصوت ضدها في أي محفل دولي.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن “مغازلة البلدين، الصين وروسيا” بلغت ذروتها مع البيان المشترك لهما خلال أولمبياد بكين في العام 2022 الذي قال إن شراكتهما “ليست لها حدود”. وغيره من الاتفاقيات التي أدت إلى شبه قطيعة سياسية وديبلوماسية واقتصادية فيما بين أمريكا وروسيا، بل فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية خانقة على روسيا.
ولكن الحرب الاسرائيلية على غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسقوط نظام الطاغية بشار الأسد في سورية وانحسار المد الإيراني… جعل منطقة الشرق الأوسط في حالة من الفوضى لم يسبق لها مثيل، وخوفا من أن يستفيد محور روسيا – الصين من هذه الفوضى قامت أمريكا بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع الروس في اجتماع وزراء خارجية امريكا وروسيا برعاية المملكة العربية السعودية بمدينة الرياض في 18-2-2025، تمهيدا لإجتماع آخر فيما بين رؤساء أمريكا وروسيا شخصيا وفي السعودية أيضا من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية.
فإعادة العلاقات الديبلوماسية الأمريكية – الروسية هي من أجل إبعاد الروس عن محور الصين وتهجير أهالي غزة إلى سيبيريا الروسية الخالية تقريبا من السكان مقابل رفع العقوبات عن روسيا ومنح الروس الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا وقضايا أخرى.
إن عدم مشاركة الدول الأوروبية في الاجتماعات الروسية الأمريكية بشأن قضية أوروبية كأوكرانية شئ يدعو إلى التساؤل عن سياسة الرئيس الامريكي ترامب التي ستستمر أربعة سنوات وهذا ليس سوى البداية… فعلى أوروبا الإسراع إلى مواجهة هذا التجاهل حيث تملك الكثير من الخيارات وأهمها: تقديم أوروبا اعتذارا رسميا للشعوب التي تجاهلتها أوروبا في بداية القرن الماضي والتي يبلغ تعدادها أكثر من 230 شعبا في العالم وفي مقدمتهم الشعب الكوردي حيث تستطيع إعادة الاعتبار لهذه الشعوب من أجل أن تتمكن من مواجهة التجاهل الامريكي.
أما، لماذا يتم التقارب التركي من الكورد في هذا الوقت؟ لإن الاحداث الجارية في الشرق الأوسط اليوم هي كأحداث انهيار الإمبراطورية العثمانية فيما بعد الحرب العالمية الأولى حيث تشكلت عشرات الدول المصطنعة استعماريا، وأحداث اليوم تسير نحو تغييرات جديدة مماثلة لخارطة جديدة للشرق الأوسط.
إن الخوف الأكبر، للدول الكبرى هو قيام دولة كوردية في الخارطة القديمة والجديدة، وحجتهم في ذلك إنه لا يمكن تغيير الحدود السياسية للدول القائمة حاليا… إلا إن الدول الكبرى يكذبون لأنهم وافقوا على تغيير الحدود السياسية للعديد من الدول كالإتحاد السوفيتي الذي أصبح خمسة عشر دولة قومية مستقلة في العام 1992، وأصبحت يوغوسلافيا سبعة دول قومية مستقلة في العام 1993 وتبعهم إستقلال دول سلوفاكيا وجنوب السودان وشرق تيمور وغيرهم…
ويمكن أن يقول أحدهم في أن جنوب كوردستان (كوردستان العراق) لديه حكومة وبرلمان وجيش كوردي، إلا إني أجيبهم: في أن الحكومة والبرلمان والجيش كوردي في جنوب كوردستان لم يكن ذلك رأفة بحال الشعب الكوردي على الإطلاق في تعرضه لعدد من عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري وغيرها من المآسي والأهوال، والأنكى من ذلك أن الدول الكبرى لم يرف لها جفن لمآسي الكورد التي وصلت إلى حد الهولوكوست، والحقيقة إن سبب تشكيل حكومة وبرلمان وجيش في جنوب كوردستان هو النزوح المليوني الكوردي في العام 1991 حيث اخترق الشعب الكوردي حدود العراق وتركيا وايران وقام بتمزيق حدود اتفاقية سايكس بيكو وبدون أن يدري في أن تلك الحدود اللعينة التي مزقت كوردستان وجعلتها أجزاء من أوطان الغير.
إن تمزيق النزوح المليوني لحدود الدول التي تحتل كوردستان هو خط أحمر لدى الدول الكبرى لذا سارعت الدول الكبرى إلى إنهاء ذلك النزوح بمساعدة صدام حسين الذي استدعى القيادات الكوردية الحزبية إلى بغداد واحتجزهم عنده لعدة شهور حتى تم إعادة الكورد إلى بيوتهم ومدنهم وتأسيس إدارة لهم كما سحب صدام حسين جميع الادارات العراقية من كوردستان بأمر من الدول الكبرى أيضا.
لماذا أصبح الكورد أمة لا حول ولا قوة لها ومن المغضوب عليهم وورقة ضغط.
تاريخيا تعرضت أوروبا للعديد من الغزوات، وأوروبا لا تنسى تاريخها، ووقعت أجزاء منها تحت احتلال القائد الأمازيغي هانيبال وكذلك احتل كل من المغول والعثمانيين وغيرهم أجزاء أخرى من أوروبا وفي أزمنة كانت أوروبا في حالات ضعفها ولكن حينما كانت أوروبا قوية قامت بتسيير جيوشها واحتلت الشرق الأوسط في حروبها الصليبية وخلال المئة العام الأولى من احتلال أوروبا للشرق الأوسط لم يتمكن العرب من طردهم حتى جاء السلطان الكوردي صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الجيوش الأوروبية وطردها بعد أن جردها من أسلحتها وأعاد الجيوش الأوروبية إلى بلادها بعد أن دفعوا إجرة نقلهم أيضا… وكان ذلك بفضل الحنكة العسكرية والسياسية لصلاح الدين وبقوة الـ 500 عشيرة كوردية الذين ساعدوه، ولهذا أصبح الكورد من المغضوب عليهم وحرمانهم من دولة قومية مستقلة لأن أوروبا لا تنسى تاريخها.
لقد طالب الكورد بالحوار والمفاوضات دائما من أجل السلام مع الأتراك والعراقيين والإيرانيين والسوريين قبل وخلال وفيما بعد كل ثورة من ثوراتهم العديدة ولكن الدول التي تحتل كوردستان كانت ولا تزال تعمل على إقصاء وتهميش الشعب الكوردي في كافة الميادين والأنكى من ذلك أن الأتراك (وهو موضوع هذه المقالة) لم يخطر ببالهم حتى الاعتراف بوجود الكورد على أرضهم التاريخية، كوردستان.
وفجأة في هذه الأيام يحاول الترك التقرب من الكورد حيث أن رئيس الحزب القومي التركي “دولت بهجلي” الحليف الرئيسي لرجب طيب أردوغان في الحكومة التركية دعا عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني إلى نبذ العنف وحلّ حزبه المحظور لقاء الإفراج المبكر عنه. مع أن “دولت بهجلي” قد دعا أيضا في العام 2007 إلى إعدام عبد الله أوجلان.
إن التغيير المفاجئ للسياسة التركية هو دخول الجيش الإسرائيلي للمناطق السورية أكثر بكثير من منطقة الجولان حيث أصبحت اسرائيل الآن على بعد 25 كم جنوب دمشق وغرب مدينة درعا.
كما أن الجيش الإسرائيلي قد قصف عشرات المواقع العسكرية السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن ضمنهم دمشق حيث استطاعت اسرائيل من تدمير البنية التحتية العسكرية السورية تدميرا كاملا وبدون أي اعتراض من الجيوش الأمريكية والروسية والفصائل المسلحة المتواجدة في سوريا أي أن اسرائيل أصبحت الآمر الناهي في سوريا وهذا الأمر أرعب تركيا خوفا من تقسيم سوريا من خلال تحالف اسرائيل مع القوات الكوردية، حينها لن تستطيع تركيا تهديد المنطقة الكوردية في سوريا والتي ستكون إشارة صارخة لتقسيم تركيا أيضا. ولهذا يبدي الاتراك حسن نية تجاه عبد الله أوجلان والكورد ليس محبة بل خوفا من تقسيم تركيا.
جواد ملا
رئيس المؤتمر الوطني الكوردستاني
19-2-2025
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63139