قامشلو/ دعاء يوسف –

الكاتب والباحث، الذي اخترق حواجز الصمت، التي فرضت عليه طويلاً، عبر مؤلفاته المتنوعة، التي كتبها باللغة الكردية، في وقت، مُنع الكرد بالنطق بها، جذبته الكتابة منذ نعومة أظفاره، حتى غدا عاشقاً لغة أجداده، الكاتب الكردي “كوني رش” داعب صفحات الكتابة بقلمه الذي لا يهدأ.

سبعون عاماً من الأبداع، سطرها الكاتب الكردي كوني رش (Konê Reş) بقلمه، فتذوق فيها الحروف، والكلمات العذبة ليفيض بنمير اللغة الكردية ثلاثين كتاباً من نثر، وشعر، وقصة، وقاموس، ورواية، وستة كتب باللغة العربية، التي ترجمها في وقت سابق للكردية أيضاً، فكانت كتبه إرثاً تاريخياً، وثقافياً لأبناء شعبه.

عشق التراث وتمسك باللغة

ولد كوني رش عام 1953م، في قرية (دودان) بمقاطعة قامشلو في إقليم الجزيرة، فيها أكمل دراسته الابتدائية، وأتم المرحلة الإعدادية في قامشلو، والثانوية في الحسكة.

في عام 1977 توجه إلى ألمانيا لإكمال دراسته الجامعية، إلا أن فترة مكوثه لم تدم طويلاً، لعدم تحمل والده مصاريف الدراسة الباهظة، ولم يستطع كوني رش تحمل شقاء الغربة، فعاد إلى الوطن، بعد أن وجد أن اللغة الكردية كسائر اللغات يمكن كتابتها، ومنذ ذلك الحين تفرغ للثقافة الكردية بشكل خاص.

وخلال لقاء لصحيفتنا “روناهي” مع الكاتب والأديب “كوني رش” بين لنا أن بداية الشغف لديه، والتعلق المتين بلغته الأم، خُلقا منذ نعومة أظفاره، فقد عاش في بيئة سكانها تتكلم الكردية، وبعد دخوله المرحلة الابتدائية، تعلم اللغة العربية، يقول كوني رش عن ذلك، وكيف تحول للكتابة بلغته الأم الكردية: “كتبت باللغة العربية، إلا أنني بدأت الكتابة بالكردية، بعد مقابلتي لجكر خوين، الذي شجعني على الكتابة باللغة الكردية”.

وكما نوه كوني رش أن قصائد جكر خوين، وأغاني شفان برور، لعبت دوراً كبيراً في دفعه نحو حب اللغة، والكتابة بها، فبدأ بالكتابة مولعاً بها، عاشقاً حروفها، بعد أن ترعرع في بيئة القضية الكردية، ليحملها بين كتبه.

أعماله الأدبية

كان كوني رش نهما للكتابة، عاشقا للغته، ولهذا كانت أعماله المنشورة تتوالى ومنها: قصص الأمراء، كانت أول مجموعة قصصية فلكلورية (بالكردية)، عام 1990، كما أنه في آذار 1989 أصدر مجلة باللغة الكردية، تحت اسم باقة ورد (Gurzek Gul) مع صديقه عبد الباقي حسيني، وثابر وحده على إصدارها حتى بلغ أعدادها /15/ عدداً في عام 1992.

وقد تتالت الأعمال الأدبية الغنية بالمعرفة، من فلكلور، وثقافة اللغة الكردية، فمن مؤلفاته: سيبان وجين (Sîpan û Jînê) 1993، الأمير جلادت بدرخان (حياته وفكره)، انتفاضة ساسون (1925 – 1936م)، عثمان صبري (1905 – 1993م)، أنا تلميذ بدرخان، مجموعة شعرية للأطفال (بالكردية)، كتاب قامشلو دراسة في جغرافيا المدن، تاريخ الصحافة الكردية في سوريا ولبنان، مدينة جزيرة بوتان، وبلاغة الأمير بدرخان.

ومن المعروف عن كوني رش كتاباته عن العائلة البدرخانية، فألف كتاباً عنها “العائلة البدرخانية رحلة النضال والعذاب”، ولم ينسَ قلم الكاتب الإيزيديين فألف كتاباً عنهم باسم “الإيزيدية في سوريا”، بالإضافة إلى مجموعات شعرية عديدة، شجرة الدلب، باقة أشجان، صهيل الليالي الأسيرة، قصائد الأطفال.

وعن أقرب الكتب إلى قلبه يقول كوني رش: “تاريخ القامشلي، الذي يضم قرابة الأربعمائة صفحة، أفتخر به كثيراً”، وإلى اليوم لا نزال ننهل من بحر عطائه، وكتبه الغنية بالمعرفة.

لقب كوني رش

يعدّ كوني رش (Konê Reş)، أحد الكتاب الأوائل، الذين كتبوا بالكردية في سوريا، بعد جكر خوين، وعثمان صبري، وقدري جان، وغيرهم، وخلال العقدين الأخيرين كتب في العديد من الصحف، والمجلات الكردية في الداخل، والخارج. “الخيمة السوداء- كوني رش”، هذا الاسم، الذي لفت الأنظار، فمن عادة الشعراء، والكتاب إطلاق ألقاب على أنفسهم، إلا أن اسم “كوني رش” كان من بين الأسماء الغريبة، وعن اختيار هذا الاسم حدثنا الكاتب كوني رش: “كان لدينا جار كبير بالعمر اسمه “أحمد” في القرية، التي كنت أسكن فيها، وقد عرف بين الأهالي، أنه ذو شخصية قوية، كريمة، محب لقوميته، لم يكن يتحدث إلا بالكردية، عرف في المنطقة بـ “كوني رش”، وهو لقب كناية عن الرجل الكريم المضياف، الذي يلجأ إليه الأهالي في الكروب، وكان والدي يشبّهني بهذا الرجل، ويقول لي: أنت مثل كوني رش يلجأ إليك جميع المارة”.

ويضيف، أن للتسمية جانباً أمنياً أيضا، فقد شبه نفسه بسواد المأساة، التي كانت تسود كردستان من قتل، وسجن، ودمار، وتشريد، بالإضافة إلى ذلك كوني رش يؤمن بفلسفة نيتشه، التي يقول فيها، إن الإنسان له شخصيتان الأولى، هي شخصيته، واسمه المعروف لدى عامة الناس، والثانية هي الشخصية، والاسم الذي هو يختاره لنفسه.

الجيل القادم يكمل الطريق

بعد معاناة لسنين، انقشعت الغيوم السوداء شيئا فشيئا، وأصبح لكوني رش رفقة ممن يحملون القلم، وينهضون باللغة والثقافة الكردية إلا أن الغمامة السوداء، التي كان يشبه كوني رش نفسه بها، فقد ولد العديد من الكتاب، الذين حملوا على عاتقهم نشر الثقافة الكردية، وإكمال مسيرة الكاتب جكر خوين، وغيره من الكتاب، واليوم نجد الشباب يسيرون على نهجهم، وكما تأثر كوني رش بجكر خوين، وأصمان صبري وغيرهم، اليوم العديد من الشباب تأثروا بهؤلاء الكتاب.

ونوه كوني رش إلى تلك الفترة، ومعاناة من كان يكتب بالكردية قائلاً: “لقد كانت اللغة الكردية في أيامنا ممنوعة، إلا أننا كسرنا حاجز الخوف، وكتبنا هويتها على صفحات التاريخ، لنكتبها، ونقرؤها، وتطبع للأجيال، وبالرغم من مرور الوقت إلا أن ذلك الشغف والشعور، الذي يراودني، وأنا أكتب لم يتغير بل يتولد من جديد”.

وتابع في حديثه عن اللغة الكردية في الوقت الحالي، وما تشهده من اهتمام وإقبال: “منذ عام 2012، بدأت المدارس الكردية لأول مرة بتاريخ كردستان، لتعد المناهج بالغة الكردية، في وقت كان حلماً لنا أن نجد كتاباً مطبوعاً بالكردية، واليوم أطفالنا، وأجيالنا تتعلم لغتها الأصلية”.

واختتم الباحث، والكاتب الكردي كوني رش حديثه عن الواقع الحالي والاهتمام الواسع باللغة الكردية، وظهور أجيال واعدة في الأدب والثقافة الكردية، مبيناً أن جيل الشباب اليوم يكتب القصة، والشعر، والقصائد، بعمر صغير: “حافظت الأمهات على لغة الأجداد، ومن شدة ولعهن بها، أصبح قلم أبنائهن يكتب الكردية الجميلة، وأنا أفتخر بهذا الجيل لأنه مستقبلنا، ونتاج حصادنا”.

​الثقافة – صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية