الخميس, نوفمبر 21, 2024

البروفيسور كاظم حبيب يذكر العوامل التي أجبرت تركيا تغيير سياساتها

آلان عثمان

برلين– قال البروفيسور العراقي كاظم حبيب إن محاولات أردوغان تطبيع العلاقات مع النظام السوري نشأت بفعل مجموعة مهمة من العوامل الجديدة، منها خشية تركية من الحركة التحررية الكردستانية، في كردستان تركيا، وكذلك الحركة النشطة لأبناء وبنات القومية الكردية في المناطق الكردية من سوريا، إدراك تركيا بأن الحرب الجارية لن توصلها إلى أهدافها المنشودة في السيطرة على الوضع بسوريا وإداركها أنها تورطت باحتضان داعش، وإن الأوضاع الاقتصادية في تركيا لم تعد وردية كما كانت في السابق.
واستكمالاً للحوار التي أجرته وكالة أنباء هاوار مع البروفيسور العراقي كاظم حبيب في الشأن السوري وسياسات تركيا المتغيرة مؤخراً وتداعياتها على المنطقة قال حبيب رداً على الأسئلة:

صدرت مؤخراً تصريحات من قبل قيادات العدالة والتنمية في تركيا توحي بتطبيع العلاقات مع النظام، برأيك هل التغيير في الموقف التركي يأتي في إطار معاداة مشروع الاتحاد “الفدرالي” الديمقراطي في روج افا-شمال سوريا الذي تم الإعلان عنه، أم له تبعات وأهداف أخرى؟
إن محاولات تطبيع العلاقات مع النظام السوري من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نشأت بفعل مجموعة مهمة من العوامل الجديدة التي طرأت على الأوضاع في المنطقة وليس إلى عامل واحد مهما كان مهماً وأساسياً، رغم وجود اختلاف في أهمية أوزان كل من هذه العوامل وتأثيرها على الموقف التركي الجديد الذي لم ينته إلى صيغة محددة حتى الآن. فما هي هذه العوامل؟
العامل الأول: يبرز في خشية الدولة التركية من الحركة التحررية الكردستانية، في كردستان تركيا، وكذلك الحركة النشطة لأبناء وبنات القومية الكردية في المناطق الكردية من سوريا. وهذا الموقف هو ديدن كل القوى القومية الشوفينية والعنصرية ليس في تركيا فحسب، بل وفي إيران والعراق وسوريا في آن واحد. فوجود قوات مسلحة لحزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا وفي مناطق جبلية بالعراق، مثل جبل قنديل، والدور البارز للقوات الكردية الديمقراطية في تحريرها المزيد من الأراضي التي احتلتها عصابات داعش، إضافة إلى معاداتها لكل ما يسمى “حكم ذاتي” أو “حكم فيدرالي”، بما في ذلك الخطر الماثل في إعلان مشروع الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي في روج أف – شمال سويا. إن موقف تركيا ينسجم تماماً مع موقف البعثيين والقوميين الشوفينيين السوريين من هذه المسألة، وبالتالي فهم يلتقون فيها رغم الصراع الجاري بينهما.
العامل الثاني: إدراك تركيا بأن الحرب الجارية لن توصلها إلى أهدافها المنشودة في السيطرة على الوضع بسوريا، وضرب الحركة التحررية الكردية المسلحة، والتضييق على حزب العمال الكردستاني وعلى حزب الشعوب الديمقراطي بتركيا، فلا بد لها من إيجاد صيغة جديدة للوصول إلى ذات الأهداف عبر طرق وأدوات جديدة.
العامل الثالث: تدرك الدولة التركية بأنها قد تورطت في مسألتين برغبة حكامها المستبدين، وأعني بذلك احتضان داعش ومن يماثلها من التنظيمات في الفكر والممارسة بسوريا، وفتح حدودها لهم ومساعدتها بشتى السبل أولاً، ثم إعلان الحرب مجدداً ضد حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي بكردستان تركياواعتقال قياديين ونواب من حزب كل الشعب الديمقراطي بتركيا ثانياً. وقد أجبرها الموقف على الدخول في مساومة انتهازية قذرة مع الولايات المتحدة الأمريكية مضمونها: ساندوا حربنا ضد حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي، نساند موقفكم وحربكم ضد داعش ونضع تحت تصرفكم القاعدة الجوية العسكرية في أنجرليك! كما إن السياسة التركية عموماً قد اصطدمت بقوى داخلية عسكرية، وليس قوى الإسلامي المتطرف فتح الله غولن فقط، التي أدركت إن أردوغان سيطهر الجيش منها عاجلاً أم آجلاً، مما دفع وحدات واسعة من الجيش بتنظيم محاولة الانقلاب الفاشلة. وكان اردوغان ينتظر هذا الانقلاب بفارغ الصبر وقال عنه إنه هدية من الله له. وقد استفز القوات المسلحة بإعلانه بأنه سيقوم بتطهير واسع النطاق في القوات المسلحة والإدارة. وعلى أثر هذا الانقلاب الفاشل وحملات الاعتقال والتطهير الواسعة جداً التي وصلت الآن إلى أكثر من 81 ألف شخص، وقف الاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، موقف الرافض للإجراءات القمعية دون أية إدانة منها لمحاولة الانقلاب الفاشلة. وقد تسبب هذا الموقف وحيد الجانب في تغيير فعلي وسريع في موقف أردوغان صوب روسيا الاتحادية، ولم تكن زيارته لها سوى البداية لعلاقة جديدة محتملة جداً تشمل الموقف من النظام السوري والحرب الجارية بسوريا، ولكنها لن تقود إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أرى، إلا إذ تعقدت الأمور إلى أقصى الحدود مع الولايات المتحدة واتحاد الأوروبي! ويبدو إن الطرفين الأخيرين بدءا بتنظيم زيارات إلى تركيا لمعالجة الموقف غير السهل!
العامل الرابع: إن الأوضاع الاقتصادية في تركيا لم تعد وردية كما كانت في السابق، والتي قادت إلى ارتفاع جماهيريته خلال السنوات المنصرمة. وهذا يعود إلى عدة عوامل مهمة: أ) التورط ثانية بالحرب ضد الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني التي ستكلفه عشرات المليارات من الدولارات وتزعزع عملية التنمية ثانية وتؤدي إلى موت الكثير من البشر من الطرفين التركي والكردي في آن؛
ب) التورط بدعم قوى داعش الإرهابية وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة كجبهة النُصرة مثلاً، التي فرضت عليه التزامات مالية كبيرة وأضعفته سياسياً على الصعيدين الدولي والإقليمي وقلصت جماهيريته كثيراً والتي تجلت في الانتخابات التي لم يحصل على الأكثرية البسيطة في الانتخابات التي أقدم على إلغائها. ومن ثم البدء بمحاربة داعش، التي نفذت عمليات إرهابية بتركيا تسببت ليس في موت أتراك وكرد والعديد من السياح الأجانب، بل خلقت لأردوغان واقتصاد تركيا إشكاليات سياحية كبيرة وخسائر مالية كبيرة، وكذلك محاولات من قوى عسكرية منشقة عن حزب العمال الكردستاني مارست بعض العمليات الانتحارية التي تسببت هي الأخرى بضعف السياحة؛
ج) ثم جاء إسقاط الطائرة العسكرية الروسية، “سوخوي 24” وإيقاف روسيا تعاملها مع تركيا ومنع السياحة فيها، كما اتخذت دول أوروبية أخرى سياسة مماثلة في مجال السياحة السنوية إلى تركيا. وقد أدى هذا إلى نقص الموارد المالية وارتفاع حجم البطالة، وإلى بدء بروز أوضاع الفقر والتذمر من الكادحين والفقراء ومن البرجوازية الصناعية التركية، وإلى بدء اتساع هجرة الكفاءات والفنيين من تركيا إلى الدول الأخرى.
برأيك هل ستتمكن حكومة العدالة والتنمية بعد احتضانها للعديد من المجموعات المسلحة وإعلان عدائها للنظام من إعادة تطبيع العلاقات؟
لا تعرف السياسة كلمة مستحيل، فكل شيء ممكن حدوثه في لحظة معينة، حين تلتقي المصالح المتعارضة سابقاً في نقاط محددة. لم يكن مقدراً أن تتعاون تركيا مع داعش، كما لم يكن مقدراً أنها ستتخلى عن داعش رسمياً وتدخل في صراع دموي مع داعش، رغم وجود قوى في تركيا، إذ ربما ما تزال بعض القوى بتركيا تقو بتزويد داعش بالسلاح والمال وتوفر لهم العبور وبعض الحماية لأغراض تكتيكية. ولهذا يمكن أن تلعب روسيا دوراً مهماً في غلق الحدود التركية السورية لمنع عصابات داعش من العبور إلى سوريا أو الهرب منها صوب تركيا. وإذا ما حصل هذا سيكون هناك تقارباً بين النظامين لا على المبادئ، إذ كلا النظامين لا يمتلك مبادئ وقيم ومعايير إنسانية، بل على المصالح الضيقة المتبادلة باعتبارها المحركة لهما. ومن هنا يفترض على القوى الكردية الديمقراطية أن تنتبه لما يمكن أن يحاك ضدها وفي لحظة معينة. ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلى عن الكرد، الذين تتعاون معهم اليوم بسوريا لمواجهة عصابات داعش. ولنا تجارب غنية مع الولايات المتحدة. وعليكم أن تتذكروا ما فعلت القيادات الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية بالحركة التحررية الكردية المسلحة التي كان يقودها القائد الكردي الكبير والراحل الملا مصطفى البارزاني في العام 1975 على وفق اتفاقية الجزائر الخيانية بين العراق وإيران لدحر الحركة الكردية المسلحة حينذاك. وهناك أمثلة كثيرة يمكن إيرادها في هذا الصدد. فالعلاقة بين الدول لا تقوم على المحبة والود، بل على المصالح، والمصالح الأكثر فائدة هي التي تنتصر!
في حال تطبيع العلاقات بين النظامين، ما هو مصير الائتلاف السوري والإخوان المسلمين والفصائل المسلحة وهل سيتخلى أردوغان عنهم؟… وميدانيا هل سيكون لهذه العلاقات تأثير على الأرض؟
ج6: أردوغان شخصية سياسية معقدة واستبدادية ويتسم بالنرجسية الشديدة والمزاجية الخانقة، وما تزال له أطماع واسعة في المنطقة، وخاصة بالعراق وسوريا. إنه يشعر بكونه السلطان الجديد لتركيا العثمانية. ولهذا فهو مستعد أن يتخلى عن أقرب حلفاء له حين يجد أن مصالحه الذاتية وتعزيز هيمنته وفتح ابواب جديدة له تستوجب ذلك. ولا شك فهو يضع خط رجعة أحياناً وبصيغ مختلفة ومن وراء ستار مثلاً. علينا أن نعرف بأن أردوغان لم يحتضن المعارضة السوية حباً فيها أبداً، بل بسبب رغبته في الهيمنة على قراراتها ومصادرة إرادتها، وبالتنسيق الكامل مع المملكة السعودية وقطر وبموافقة وسكوت أمريكي، ومن ثم التنسيق معهم جميعاً.
حتى الآن قيل عن وجود مواقف خلافية مع روسيا الاتحادية. يمكن أن يكون هذا صحيحاً، بسبب أن أردوغان لم يقطع الطريق بعد عن التحالف مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وبالتالي ينتظر أن يحصل على أكبر قدر من المصالح من روسيا، أو من الطرف الآخر ليقرر موقفه النهائي. وهذا يعتمد على المفاوضات اللاحقة مع روسيا ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي ستبدأ قريباً.
التخلي عن قوى المعارضة السورية بكل أصنافها أمر وارد بالنسبة لأردوغان، وهذا لا يعني طردهم من تركيا، إذ يبقى يحاول الاستفادة منهم كورقة ضغط على روسيا وسوريا وإيران …الخ. وإذا ما حقق ما يريد، عندها سيتخلى عن المعارضة السورية، بل حتى عن جماعة الإخوان المسلمين، الذي هو منهم في التنظيم الدولي للإخوان. وإذا ما حصل ذلك فهذا يعني بدء تراجع قوى المعارضة السورية بكل فصائلها الإرهابية والإخوانية والمدنية، إذ سينقطع التمويل المالي وبالسلاح والعتاد والمؤن والحماية، وستبدأ قوى المعارضة تتحرى عن ملجأ لها في الغرب، أو الدخول في حوار مع النظام القائم عبر وسطاء ومن ثم بشكل مباشر، رغم رفض المعارضة غير السليم لهذا الموقف حتى الآن. السياسة علم وفن، وإذا ما عجزت المعارضة المدنية عن فهم هذه الحقيقة، فإنها ستخسر كل شيء، وهو مؤلم للقوى المدنية والديمقراطية بسبب تضحياتها الكبيرة، ولكن وبسبب وضع بيضاتها كلها في سلة واحدة بيد الثلاثي المتوحش تركيا والسعودية وقطر. لا أتمنى لهذه القوى المدنية الصديقة مثل هذه النهاية بأي حال.
صدرت مؤخراً تصريحات لرئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان قال فيها “لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحدة مرة أخرى”، ألا ترى أفضل حل للأزمة السورية وبقاء سورية موحدة هو تبني النظام الاتحادي “الفدرالي”؟
تصريحات رئيس وكالة المخابرات المركزية السياسية يريد بها إيصال رسالة إلى النظام السوري من جهة، والمعارضة السورية المرتبطة بالدول الثلاث المذكورة سابقاً من جهة أخرى، رسالة تقول لهما معاً بضرورة المساومة والقبول بالحوار بشكل مباشر وعدم الإصرار على إزاحة بشار الأسد في المرحلة الراهنة. إنه تهديد واضح للطرفين. سوريا لن تتقسم، وإقامة الفيدرالية الكردية، أو النظام الفيدرالي بسوريا، لا يعني أن سوريا غير موحدة، بل النظام الفيدرالي يمكنه أن يعزز الوحدة السورية إن اقيم على اسس ديمقراطية واعتراف متبادل بالحقوق والواجبات والصلاحيات، وهو أمر أساسي وضروري.
النظام الفيدرالي بالعراق هش وغير متماسك لثلاثة اسباب جوهرية: أ) وجود نظام سياسي طائفي أثني ومحاصصي بالعراق لا يساعد على توفير مبدأ الاعتراف بحق تقرير المصير أساساً؛ ب) غياب الحياة الديمقراطية والحياة الدستورية وقواعد العمل في المجتمع المدني بكل العراق عموماً، بما في ذلك إقليم كردستان العراق؛ ج) النواقص الجدية في الدستور العراقي وغياب القوانين والتشريعات المنظمة للعلاقة بين فيدرالية إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، وبالتالي ارتكبت أخطاء فاحشة في هذه العلاقة أدت إلى ما هو عليه الوضع بالعراق. إن مكسب الفيدرالية بإقليم كردستان طبيعي وحق مشروع للشعب الكردي يفترض الحفاظ عليه وتطويره وتقديمه كنموذج يحتذى به بالنسبة لإجزاء الأمة الكردية في أقاليمها الأخرى. وإقليم كردستان العراق يفترض أن يقدم هذا النموذج، وهو ما يزال متخلفا عن هذه الضرورة، علماً بأن هذا الإنجاز لم يتحقق إلا بأغلى التضحيات من الشعب الكردي بكردستان العراق وبالتضامن مع القوى الديمقراطية العربية وغيرها بالعراق، وهو التضامن النضالي الذي كان وما يزال يستوجب الحفاظ عليه، والذي يعاني اليوم من خلل واضح. أورد هذا بأمل أن يتم التعامل مع القوى الديمقراطية العربية السورية غير الشوفينية على أسس التضامن النضالي والاعتراف المتبادل بالحقوق والسعي إلى عدم الافتراق.
يتبع غداً

شارك هذه المقالة على المنصات التالية