الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

البقاء في السلطة وشيطنة الكُرد: الشغل الشاغل لأردوغان

*جوان ديبو

التفجير الأخير في شارع الاستقلال بضاحية تقسيم في إسطنبول يعيد الى الذاكرة المشهد المضطرب الذي عايشته تركيا عقب إلغاء حكومة العدالة والتنمية النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية في يونيو 2015.

عدم اعتراف الحزب الحاكم بنتائج تلك الانتخابات كان بسبب عجزه عن الحصول على الأغلبية التي تمكّنه من الاستئثار بقيادة البلاد، بالإضافة الى نجاح حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الكُرد في تركيا بدخول البرلمان بأكثر من 80 نائبا بعد تجاوز العتبة الانتخابية البالغة 10 في المئة، الأمر الذي أثار حينها حفيظة رجب طيب أردوغان وحزبه. وعندها أرغم أردوغان الجميع على إعادة إجراء الانتخابات في نوفمبر بحجة عدم نزاهتها، وحصل حزبه في جولة الإعادة على نتيجة، مشكوك في صحتها، قاربت الـ50 في المئة.

الفترة التي امتدت من يونيو إلى نوفمبر من العام 2015، وهنا بيت القصيد، شهدت الكثير من العنف المباغت وغير المتوقع من خلال عدة تفجيرات دموية طالت المدنيين الأبرياء في تركيا، وجُلّها حصلت في المناطق الكردية بالإضافة إلى العاصمة أنقرة.

العديد من التقارير والتحليلات التركية والدولية أشارت في ذلك الوقت إلى فرضية تورّط جهاز الاستخبارات الخاص بأردوغان وحزبه في تلك التفجيرات لإلهاء وتشتيت الرأي العام التركي عن الأزمات المختلفة التي تعصف بتركيا وضرورة توجيهه إلى قضية الأمن الداخلي عن طريق خلق ما يمكن تسميته بالإرهاب المفبرك.

حزب العمال الكردستاني و”قسد” ينفيان تورطهما في تفجير إسطنبول الأخير الذي ردّت عليه تركيا باستهداف مواقعهما

يبدو أن أردوغان يشعر بأن نهايته السياسية قد أزفت ولذلك بدأ عمليا في تكرار سيناريو العام 2015 قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع عقدها منتصف العام المقبل مع فارق بسيط هذه المرة يكمن في اختصار المسافة والوقت خلال الانتخابات المقبلة وذلك بعدم انتظار الخسارة شبه المؤكدة أو احتمال إجراء جولة ثانية لإعادة الانتخابات، خاصة وأن عديد استطلاعات الرأي في تركيا تشير الى تراجع شعبية أردوغان وحزبه وبأنه على الأرجح سيخسر في الانتخابات المقبلة. لاسيما وأن الأوضاع الراهنة في تركيا هي أسوأ بكثير مما كانت عليه. حيث أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة والليرة التركية تفقد قيمتها كل يوم أمام الدولار والتضخم في أعلى مستوى له منذ عقود حيث تجاوز عتبة 80 في المئة في شهر أغسطس الماضي. وجميع مساعي أردوغان وحزبه في معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة باءت بالفشل الذريع.

بسبب جميع هذه العوامل وغيرها فإن أردوغان يحتاج إلى ما يمكن تسميته بعملية فوضى منظمة جديدة قبل موعد الانتخابات المقبلة تحقق له المزيد من إلهاء وتشتيت الرأي العام التركي وضمان عدم حصول الانتخابات القادمة في بيئة طبيعية لأن خسارة أردوغان هذه المرة، وحسب آراء الكثير من مراكز الأبحاث، شبه مؤكدة، إلا إذا لجأ أردوغان، كما هو عليه الحال الآن، الى حيله المعهودة.

ويبدو أن التفجير الأخير في إسطنبول ما هو إلا غيض من فيض ما يخبئه أردوغان للأشهر الحالكة القادمة التي تسبق الانتخابات العامة في تركيا حيث من المتوقع زيادة وتيرة “الفوضى الأردوغانية الخلاقة” من خلال إحداث سلسلة من التفجيرات المنظمة لضمان عدم حدوث الانتخابات في أجواء اعتيادية. فضلا عن جعل محاربة “الخطر أو الإرهاب الكردي” المزعوم في مقدمة أولويات الناخبين في تركيا على حساب إغفال الملفات الداخلية الحاسمة وتجاهلها ولاسيما الملفين الاقتصادي والمعيشي.

في غضون ذلك قام حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية التي تعرف اختصاراً بـ”قسد” بنفي مسؤوليتهما عن التفجير، لا بل وأدانوا التفجير والفاعلين أياً كانوا، مواسين ومعزّين أسر الضحايا. لكن ذلك لم يمنع تركيا من شن غارات جوية عنيفة بتاريخ 19 و20 من الشهر الجاري ضد أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق ومواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري في شمال وشمال شرق سوريا. وهذا كان هو المراد من التفجير الأخير في إسطنبول، أي إثبات أن “الخطر الكردي” المزعوم المحدق بتركيا يجب أن يبقى في ذهن الناخب التركي. وكذلك لإثبات قوة وسرعة ردة فعل تركيا أردوغان في محاولة لرفع الرصيد الشعبي المتراجع للرئيس التركي وحزبه. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تلك الغارات قد أسفرت عن قتل وجرح عدد من المدنيين والمسلحين الكُرد.

ويعتبر شن حملات عسكرية على الدوام ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق ومواقع “قسد” في شمال وشمال شرق سوريا والمساهمة في تقويض الميول الاستقلالية لإقليم كردستان العراق أنجع وسيلة لتحويل انتباه الرأي العام التركي عن المصاعب الحقيقية التي تكابدها تركيا، مثل الوضع الاقتصادي المأزوم وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم.

عندما يصبح التشبث بالسلطة الهاجس الأساسي والشغل الشاغل للزعيم السياسي الذي يعاني من أمراض مزمنة متنوعة كالبارانويا والفوبيا الكردية مثل أردوغان، عندها لن يتورع عن فعل أي شيء لبلوغ مآربه حتى إذا اقتضى الأمر تأليف مسرحيات عبثية هزيلة وإخراجها، إذ تندرج في عداد الكوميديا الواقعية السياسية السوداء، وحتى إذا تطلب ذلك إراقة دماء الأبرياء في الداخل والخارج، بالإضافة إلى شيطنة الكُرد وتشويه سمعتهم وقتلهم.

*كاتب سوري كردي
المصدر: العرب اللندنية