يتسارع التحوّل الديمغرافي في حي المزة 86 بدمشق، مع موجة واسعة من بيع منازل السكان العلويين بدافع الخوف والضغوط المعيشية، مقابل توافد سكان جدد وارتفاع غير مسبوق في الإيجارات. ويعكس المشهد تغيّراً ملحوظاً في البنية السكانية والاقتصادية للحي، وسط مخاوف من فقدان طابعه الاجتماعي السابق.
يعرف حي المزة 86 بأنه كان، حتى وقت قريب، منطقة ذات غالبية سكانية من الطائفة العلوية بنسبة تقارب 80%. لكن اليوم، لم يعد الحي كذلك، وأصبح العلويون فيه يتجهون نحو الأقلية في الحي.
ووفقاً لسجلات وأرقام محافظة دمشق، يُقدَّر عدد سكان حي المزة 86 بنحو 33 ألف نسمة، ويُعد الحي واحداً من أحياء منطقة المزة الواقعة غرب العاصمة. بدأ الحي بالتشكّل في نهاية السبعينات، وتوسّع بشكل كبير خلال الثمانينات.
غالبية المالكين في الحي يبيعون منازلهم ويعودون إلى قراهم وبلداتهم، فيما يفضّل بعضهم بيع منزله واستئجار آخر في الحي ذاته خشية فقدانه لاحقاً. ويشهد الحي ما يُعرف بين سكانه بـ “التغريبة العلوية”، خوفاً من الانتقام، إلى جانب حركة تغيير ديمغرافي واسعة.”
يُرصد يومياً في الحي مرور سيارات كبيرة تنقل الأثاث من المنازل التي باتت تُعرض للبيع بكثرة. وقد ازدادت حركة البيع والشراء بشكل ملحوظ، حيث تُسجَّل عشرات العمليات يومياً في المكاتب العقارية، إلى جانب عقود الإيجار، حتى أصبح من النادر العثور على غرفة واحدة شاغرة في المزة.
ويقول أبو علي، الرجل السبعيني وأحد أقدم سكان الحي، وهو متقاعد يعتاش من دكانة صغيرة لوكالة هاوار: “كانت المزة 86 في حينها مدرسة وملاذاً للطلاب والطالبات الجامعيين، وكان الكثير من الأهالي يعتاشون من تأجير غرفة أو أكثر. أما اليوم، فلم يبقَ منهم إلا القليل”.
وحول ملكية المنازل، يشرح أبو علي أن الملكية في منطقة المخالفات تُختصر بعدّاد مياه وكهرباء لكل منزل. وتتم عمليات البيع عبر عقود تُوثَّق فيها الدفعات وتواريخها في المكاتب العقارية، ثم تُستكمل بإجراءات التنازل عن العدادات في شركتي الكهرباء والمياه بدمشق، لتنتقل الملكية رسمياً. هذه الطريقة معتمدة منذ عقود.
ويؤكد أبو علي أن غالبية السكان من الساحل وريف حمص وحماة باعوا أملاكهم، بعضهم بسبب الحاجة بعد توقف الرواتب، وآخرون لانتهاء أعمالهم في دمشق.
وقال عن سكانها الجدد: “أما السكان الجدد، فغالبيتهم من المناطق الشمالية والشرقية من سوريا التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية، ويُلاحظ بكثرة وجود سيارات الدفع الرباعي التابعة لمنتسبي جيش السلطة، باتوا يشترون المنازل بكثافة ويتملكونها، ما زاد من وتيرة البيع ورفع أسعار الإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة”.
ووفقاً لما رصدته وكالة هاوار في المكاتب العقارية، فإن إيجار منزل مؤلف من غرفتين بمساحة 40 متراً ومفروش بات يتجاوز اليوم ثلاثة ملايين ليرة سورية شهرياً.
ويضيف أبو علي أن بعض الوافدين الجدد بدأوا بتنفيذ مشاريع صغيرة، من شراء محال تجارية وافتتاح أعمال، وصولاً إلى تأسيس شركات للنقل والخدمات، الأمر الذي غيّر من طبيعة النشاط الاقتصادي في الحي.
وفيما لا تزال بعض معالم الحي حاضرة، مثل مطعم الحافظ وساحة عرس الجبل وجمعية العرين، فإن سكان المنطقة تبدّلوا، وبقيت فقط المصطلحات تُتداول في حي لم يعد مكتظاً، ولا يصلح في كثير من حاراته للسكن البشري، بحسب وجهاء المنطقة.
ANHA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=81271





