الخميس, نوفمبر 21, 2024

الجزء التاسع.. بارزان في المصادر اليهودية والبريطانية

ب. د. فرست مرعي

1- في سنة1946م (= وتحديداً في 15ديسمبر / كانون الاول) وبعد سقوط جمهورية مهاباد(= كردستان)، اندلعت الحرب بين الجيش الفارسي ووحدات البارزاني المسلحة في[مدينة] (شنو). وهرب كثيرون من سكان (شنو)، ولكن بقي اليهود فيها. كنا يهود الملا مصطفى البارزاني، أردف ميخائيلي، قائلاً: “وفي الواقع عندما رجع رجال مصطفى)= البارزاني) من مهاباد كانوا جياعاً وفي البداية استولوا على الطعام والبضائع من منازل اليهود.. ولكنهم لم يأخذوا أموالا”. واستنجد ميخائيل بالملا مصطفى الذي”أمر رجاله بالاً يزعج أحد اليهود”. ولأن اليهود، كانوا في حاجة الى الأمان، طلب البارزاني من رجاله ان يؤمنوا حراسا في مناطقهم. يقول ميخائيلي: “يقوم اثنان من رجاله كل ليلة بدورية في منطقة يهود وأحيانا يدور أحدهم في الساحة حول المنطقة التي يعيش فيها اليهود، ويأتي الآخر الى منزلي لأنني كنت اليهودى التابع للملا مصطفى”. وبفضل براعة ميخائيل ميخائيلي، ومنزلته الخاصة في نظر الملا مصطفى[البارزاني]، استطاع بسهولة توفيرالحماية ليهود (شنو). ينظر: مُردخاي زاكن، يهود كردستان، ص161.

2- في سنة 1946م وخلال مرحلة من مراحل الحرب، جاء المئات من رجال البارزاني الذي كانوا يعانون من التعب والارهاق والجوع. وكانت القضية مسألة وقت قبل ان يبدأوا بالبحث عن الطعام والاستيلاء عليه من السكان. يقول ميخائيلي: “ذات يوم، جاء يهودي اسمه سلمان واولاده يركضون، ويصرخون طالبين العون والمساعدة، هاوارا هاوار! (النجدة النجدة) وكانوا قد قاموا بتخزين طنين أو ثلاثة أطنان من القمح. وقام رجال البارزاني بنهبها. حاولت المساعدة وذهبت الى منزلهم برفقة جنديين برزانيين، ولكن نصف المخزون كان قد سرق، فقد ملأ اولئك الرجال كل كيسه وفروا هاربين.. كانوا جياعاً … ومرة اخرى، قام ميخائيلي مع اثنين من جنوده كان قد أرسلهم الملا مصطفى البارزاني لحماية الجالية اليهودية. وحاولوا وضع حد لذلك النهب ولكن الأوان كان قد فات، فقد سرق نصف مخزون القمح. وانطلقت صرخة اخرى في يوم شتائي بارد طالبة العون. فقد قال احدهم لميخائيلي: ان محاربي البارزاني قد اقتحموا الكُنَّيس الوحيد في (شنو). كان الثلج يغطي الأرض ووجد رجال البارزاني ماوى لهم في جميع مساجد المدينة. في حين كانوا يحتفظون بالأسرى الفرس في اكبر مساجد المدينة. وكانت أسبابهم ان الكنيس لا يمكن ان يبقى فارغاً، في حين تم استخدام جميع مباني المدينة العامة الأخرى. واستنجد ميخائيلي بالملا مصطفى، قائلاً له: نحن نمتلك كنيساً واحداً. اولادنا يدرسون فيه، ونحن [الشباب] نذهب للصلاة هناك. هذا مكاننا الوحيد وقام رجالك باحتلاله. أرجو منك ارسال رجالك لاخراجهم من الكنيس استجاب الملا [مصطفى البارزاني] لطلب ميخائيلي وارسل معه رجلين في الحال لاخراج رجاله الذين اقتحموا الكنيس دون اي اذن لهم بذلك، كان رجال قبيلة البارزاني يخوضون حرباً صعبة، وكان البارزاني رئيس القبيلة والقائد العام المسؤول عن رجاله المسلحين، في ذات الوقت الذي كان فيه مسؤولاً عن حماية حياة ومعيشة اتباعه اليهود غير القبليين. مُردخاي زاكن، المرجع السابق.

3- في سنة 1946م، وأثناء الحرب (= مقاتلي الملا مصطفى البارزاني) مع الجيش الفارسي(= الايراني)، قام البارزانيون باسر مائة وثمانين جندياً فارسياً واحتفظوا بهم في المسجد الرئيسي في[مدينة] (شنو). وكان طعامهم الخبز والقمح فقط. وعلم ميخائيلي وجود يهود بين الأسرى الفرس؛ وطلب من “محمد صادق” شقيق الملا مصطفى والذي كان مسؤولاً عن الحراس، بالتحدث اليهم. “وسألني لماذا أنت في حاجة لترى اذا ما كان هناك يهود بينهم؟ قلت له انا اقوم باعمال كثيرة من أجلكم (فانا) أعد لكم السراويل (= الملابس الكردية) وغيرها”. فاذا ما كان هناك اي يهودي بالصدفة استطيع ان أخذه واعلمه صنعتي [ليساعدني]. ووافق محمد صادق” على الطلب وسمح لميخائيلي بالدخول الى المسجد، حيث سأله احد الضباط الفرس في لغة تشبه الكرمانجية (= الفارسية)، ماذا تريد؟ واجاب ميخائيلي: (ربما) يوجد بعض “الكليميم ” هنا كما يسميهم الفرس. أجاب الضابط يوجد واحد، يدعى (اليعازر(Eliezer وناداه قائلاً: تعال هنا. وساله “هل انت يهودي؟ قال: نعم. كيف أقرر أنك يهودي؟ أجاب [بی امت ها تورا] وتعني بالعبرية [بحق التوراة]، وهو قسم نموذجي يهودي يستخدمه يهود فارس. انا يهودي، واخذ كتاباً صغيراً للمزامير(= جزء من الكتاب المقدس)، من جيبه واخذ يرتل … وانتفض قلبي ومال اليه بل اردت ان ابكي من أجله. وسألته هل يوجد يهود آخرون؟ وكان هناك آخر يسمى (ابراهام) وهو اسرائيلي.. اما الثالث فكان (زيون Zion ) من يهود طهران”. واصطحب ميخائيلي اليهود الثلاثة الى بيته وكانت ملابسهم مليئة بالبراغيث. لان السجناء كانوا مكدسين ويعيشون في ظروف غير صحية. وأخذوا حماماً وغسلوا ملابسهم بالماء المغلي حتى يتخلصوا من تلك الحشرات. وسألهم، “ماذا كنتم تأكلون؟”، اخرج أحدهم منديلاً به بعض حبوب القمح. وظلوا في منزل ميخائيلي ثمانية عشر يوماً. ولما سئل ميخائيلي “هل علمتهم الخياطة؟، أجاب ميخائيلي بأنه أخذهم لمجرد القيام بعمل طيب” من أجل عتق وتحرير السجناء. واخيراً اتفقت الحكومة الفارسية مع البارزانيين على صفقة تبادل السجناء الأسرى. وتم تبادل الأسرى ذات يوم سبت، ويقول ميخائيلي انهم تركوا الكنيس ولما يتناولوا طعاما بعد. وأعطاهم ميخائيلى زادا للطريق وسلمهم لجنود الملا مصطفى طالباً منهم الاهتمام بهم من أجله. وتشير تلك الواقعة الى الثقة المتبادلة والعلاقة الوثيقة المتبادلة التي لايمكن تصورها بين الكرد البارزانيين والجالية اليهودية. وبفضل ميخائيلي تم السماح للأسرى اليهود الثلاثة بالذهاب مع ميخائيلي الى بيته؟ في حين ظل أسرى الحرب الآخرين تحت الحراسة في جامع (شنو). مُردخاي زاكن، يهود كردستان، ص162 – 164.

4- في بداية عام1947م وبعد سقوط جمهورية مهاباد في نهاية العام١٩٤٦م، أصبحت المنطقة حول (شنو) أحد ميادين القتال، وكانت أياماً عصيبة من الحصار والانعزال. ويذكر “ميخائيل ميخائيلي” الخياط من يهود كردستان العراق ان معركة كبيرة قد وقعت وتم قصف مدينة (شنو)، باربعة مدافع. وذات يوم أرسل الملا مصطفى رسولاً الى ميخائيلي يستدعيه. وذهب ميخائيلي الى الديوانخات وعندما وصل طلب منه الملا مصطفى الجلوس: اجلس يا معلم))، قال له: (اسمع يا معلم، أنا لم اشرب شاياً منذ ثلاثة ايام. ولم يشرب احد من ابنائي كذلك الشاي قال له ميخائيلي، لم يكن هناك أحد قادر على مغادرة (شنو)، وقد هرب جميع السكان ولم يبق سوى البارزانيين واليهود في المدينة. ولم يتبق لهم شاي او سكر. ويذكر ميخائيلي ما قاله له الملا مصطفى اذا كنت المعلم الجيد، حاول ان تجد لي بعض الشاي والسكر. خذ من المال ما تريد، حتى لو أحضرت كيلوجراما واحدا من السكر لي بمائة تومان”، أنا لا يهمني ان ادفع وقلت له: ((ده وله ت سه رئ ته)) بالكردية: كل تشكراتي لك، مالي كله جاءني منك. فكيف لي أن آخذ مالاً منك؟ فيما بعد، عندما أنجح في الحصول عليه سنتحدث وسأقول لك كم يساوي.. وذهبت وقلت ليهود (شنو): بفضل ذلك الرجل الذي يحمينا، لم يعد الكرد يقتحمون منازلنا .. واليوم، هذا الرجل في حاجة الى مساعدتكم .. وقلت لهم : لا تشربوا الشاي من اجله. وكل منزل لم يكن هناك سوى عشرة بيوت قادرة على تقديم شئ ما، والباقي فقراء يقدم لي صندوقاً من الشاي والسكر واصبح لدينا عشر أو خمسة عشر كيلوجراماً من السكر وأربعة أو خمسة صناديق من الشاي. لقد جمعنا ما فيه الكفاية. ولم أذهب لديه ذلك اليوم.. وذلك لكي يبدو انه كان واجبا صعبا، وذهبت اليه في اليوم التالي وحملت كل شئ فوق ظهري.. ورأيت الملا مصطفى جالساً .. وأخبروه ها هو المعلم قادم.. وقال لي: لقد حضرت وقلت له نعم ايها الشيخ، لقد تعبت جداً في البحث من قرية لقرية لأجلب لك ذلك”. وسألني : يا معلم، وكم كلف ذلك ؟ وقلت له: قربانك، كيف أخذ منك مالاً؟ أتمنى لك النجاح، وحتى لو حرق منزلي اثناء القتال، فلن آبه لشئ. قال لي: يا معلم، لقد قمت بواجبك. واختتم ميخائيلي حديثه قائلاً: بأنه بهذه الطريقة عمل على تقوية الرابطة مع البارزاني صدقوني الى ان ترك الملا مدينة (شنو)، كان يأتي في كل ليلة اثنان من رجاله المسلمين لحراسة منطقة اليهود، وفي كل ساعة، كنت أرسلهم ليراقبوا الشارع. مُردخاي زاكن، يهود كردستان، ص164 – 165.

5- في 21/4/1947م أعدمت سلطات الاحتلال البريطاني “موشي برزاني” أحد أعضاء منظمة شتيرن اليهودية الصهيونية، والمذكور من أصل يهودي كردستاني عراقي، ولد في يوم 14 حزيران 1926م في بغداد لعائلة أصلها من قرية بارزان في كردستان العراق، في عمر 6 سنوات (= سنة 1932م) إنتقل مع عائلته إلى القدس أثناء حكم الإنتداب البريطاني على فلسطين وعمل هناك في النجارة وبيع العصائر، وثم انضم هناك مبكراً إلى حركة ” ليهي شتيرن اليهودية الصهيونية “المناوئة لبريطانيا، (وهذه المنظمة تأسست عام 1940م بعد انشقاق الصهيوني البولندي “أبراهام شتيرن” عن منظمة الأرغون التي كان يشغل عضوية قيادتها العليا، وأطلق عليها اسم “لحمي حيروت إسرائيل” أي المحاربون من أجل حرية إسرائيل وتسمى اختصاراً “ليحي”، لكنها اشتهرت أكثر باسم مؤسسها شتيرن.

انتهجت السرية في العمل، وبدأت بتوزيع منشورات تعرّف بأفكارها وكيفية صنع الأسلحة والمتفجرات للتحريض على الفلسطينيين، وتشير المصادر إلى أن العديد من أعضائها تلقوا تدريبات عسكرية في إيطاليا الفاشية وعلى يد مدربين بولنديين). ومن جهته فقد شارك موشي بارزاني بعدة عمليات هناك ضدقوات الاحتلال البريطاني، وألقي القبض عليه هناك من قبل جيش الاحتلال البريطاني هو ورفيقه “مئير فينشتاين” بعدما أتهم بمحاولته لقتل عريف بريطاني وحكم عليهما بالإعدام، إلا أنه إنتحر في السجن قبل تنفيذ الحكم هو ورفيقه بعد أن فجروا قنبلة على نفسيهما في يوم 21 نيسان 1947م، ودفن في جبل الزيتون في القدس. تعتبره الحركات الصهيونية إحدى رموزها وله نصب في متحف سجناء تحت الأرض هناك في إسرائيل، وقد كان مناحيم بيغن (1913– 1992م) مؤسس منظمة الإرغون الارهابية ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عن حزب الليكود عام1977م أحد المتأثرين به، لذلك دفن الى جانبه في جبل الزيتون، بدلاً من أن يدفن في مقبرة جبل هرتزل الوطنية.

المصدر: كردستان 24

شارك هذه المقالة على المنصات التالية