الجزء الثالث.. بارزان في المصادر اليهودية والسريانية
ب. د. فرست مرعي
الكتابة عن تاريخ بارزان والبارزانيين حديث ذو شجون، فقد أصبح اسم الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني (طيب اللّه ثراه) مرادفاً لاسم الكرد وحركتهم التحررية، يقول (ادجار اوبالانس) في كتابه (الثورة الكردية 1961-1970).. “إنّ قصة الثورة الكردية إنما هي قصة الملا مصطفى البارزاني الزعيم العشائري المحارب، إنه أحد القادة الكبار في القرن العشرين؛ لمضاء عزيمته وكفاحه في سبيل الاستقلال الذاتي الكردي”.
وكلما ذُكرَ اسم الكرد في أي محفل أو نادٍ او مؤلَّف الا يتبادر إلى الذهن حالاً اسم ملا مصطفى البارزاني (1903 – 1979م)، هذه الموائمة وهذه الملازمة وهذه العلاقة الطردية لم تأت من فراغ، وانما جاءت بفعل التراكم الديني والملحمي والثقافي لهذه الاسرة ولهذه العشيرة المرتبة على وفق أصول وأبعاد الطريقة النقشبندية الخالدية، وشجاعة المقاتلين المنضوين تحت رايتها، كانت هذه الأخوية الفكرية البلسم الشافي لكل جراحات الزمن، والطبيعة القاسية، وقسوة البشر، وظلم الأقارب، وخيانة الأطراف، وأنانية القوى، في منطقة لو لم تتواجد هذه الأسرة تحديداً والعشائر المنضوية تحت رايتها لما حدث ما حدث، لكان التاريخ قد تحدث بشكل آخر مغاير.
إذن يمكن للباحث بعد استقراء الأحداث وغور ماهيتها من إيجاد علاقة طردية بين قوة الأسرة البارزانية واتباعها المخلصين المنضوين جميعاً تحت سقف الطريقة النقشبندية وبين ازدهار الحركة الكردية ومقارعتها للطغاة والمستكبرين والعملاء. لو طبقنا المعادلة المذكورة التي مرّ ذكرها أعلاه على أية مشيخة أو أمارة أو جمعية أو حزب كردي لما كانت نتيجة المعادلة مثلما ظهرت آنفاً، وقد يتساءل بعض لماذا تغمط حق أُسر ومشيخات وجمعيات وأحزاب كردية أخرى جاهدت وناضلت ودفعت الغالي والنفيس من أجل رفع المظلومية عن الكرد، واحقاق حقوقهم المهدورة سلفاً؟ ولكان الجواب: نعم لقد ظهرت أُسر وإمارات وأحزاب كردية استطاع بعض منها إيصال المسألة الكردية الى بر الأمان ولكن إلى حين! ولكن بمجرد ضعفها او سقوطها تلاشى الأمل في إعادة مجرى الحياة اليها من جديد، والأمثلة في هذا الصدد عديدة مثل: الاسرة النهرية الشمدينانية التي قامت بالثورة الكردية الكبرى عام1880م ضد الامبراطوريتين القاجارية الايرانية والعثمانية بقيادة الشيخ عُبَيدالله بن الشيخ طه النَّهري الذي نفته السلطات العثمانية إلى الحِجاز وفارق الحياة فيها عام1883م مع نجله الصغير ولا يعرف له ضريح، ومن بعده قاد نجلاه الحركة وهما: محمد صديق (ت1911م) وعبدالقادر الذي أعدم مع كوكبة من مناضلي الكرد في ما يسمى بمحاكم الاستقلال في دياربكر عام1925م، وعلى رأسهم الشيخ الشهيد سعيد بيران(ت1925م)، ولا يمكن نسيان الجهود النضالية للسيد طه النهري الحفيد (ت1958م).
أما بشأن الامارة البدرخانية فإنها علامة مضيئة في المسيرة النضالية والتاريخية للشعب الكردي، خاصة في عهد كبيرها بدرخان باشا، ولكن بسقوط الامارة عام1847م ونفي بدرخان باشا الى جزيرة قبرص التي فارق فيها الحياة عام 1869م، أصبحت أثراً بعد عين؛ ولكن لا يمكن الاستهانة بالجهود الثقافية والسياسية والصحفية والإعلامية لهذه الأسرة الكريمة، التي قام بها أبناء بدرخان باشا وأحفاده على التوالي وهم: مقداد مدحت بدرخان، وعبد الرزاق بدرخان، وأمين عالي بدرخان وأبناؤه: ثريا بدرخان، وجلادت بدرخان، وكاميران بدرخان، الذي كان آخر العظام وفاةً عام 1978م.
وفي السياق نفسه لا يمكن للباحث والأكاديمي الكردي نسيان جهود الأسرة البرزنجية طيلة تبوئها الصدارة في جنوب شرق كردستان في نهاية العقد الثاني وطيلة العقد الثالث من القرن العشرين وخاصة في عهد عظيمها الشيخ محمود الحفيد(1878 – 1956م) ملك كوردستان.
ومن الواجب احترام ذكرى مناضلي الكرد في شرق كردستان وعلى رأسهم سُمكُو آغا شكاك زعيم كرد ايران الذي اغتاله شاه ايران(رضا بهلوي) سنة1930م، ومن قبله اغتال والي تبريز القاجاري حسين قولي خان الملقب ب(نظام السلطنة) شقيقه “جعفر آغا “عام1905م بعملية أقل ما يقال عنها قذرة وخيانة الامانة، وبعد أن تمكن اتباعه المخلصين من أخذ ثأره فـي رحلة طويلة مفعمة بالبطولة من تبريز إلى كردستان. ولايمكن المرور دون الإشادة بالتضحيات التي قدمها الشهيد القاضي محمد(ت1947م) رئيس جمهورية كردستان الذي ضحى بنفسه وبأفراد أسرته من أجل تجنب تدمير مدن وقصبات شرق كردستان؛ لذلك فإن ذكراه العطرة لن تنمحي من سطور التاريخ، ولن ينساه الكرد والناس المتطلعة الى حرية وتقرير المصير. وهذا لا يقلل من سيرة الكثير من المناضلين الكرد الذين دفعوا أرواحهم الغالية في سبيل إسعاد شعبهم ونيل مكانته تحت الشمس، لهؤلاء الجنود المجهولين في جميع بقاع كردستان وخارجها الرحمة والرضوان والمجد والخلود.
وغني عن القول فإن كلا من قصبة بارزان مع قرية صندور، تعتبر في التقاليد الدينية اليهودية المركزين الرئيسيين لتعليم رجال الدين اليهود من الحاخامات والشوحيط (المذكّين)، فكان الناس يقولون في كردستان “التشريع من صندور وكلمة الرب من بارزان”.
1- الحاخام ناثانيل هاليفي بارزاني Barzani, Nethanel Halivi رابي وقبالي يهودي (= غنوصي) عاش في القرن السادس عشر في بارزان، كان له دور في تربية ابنه شموئيل على التعاليم اليهودية في التوراة والتلمود، وفي الاسرار الالهية (معسيه مركافاه)، لايعرف بالتحديد سنة وفاته، ولكن من المعلوم أنه توفي في بارزان. ولاقت عائلة هاليفي بارزاني اعتبارات هامة نظرا لدور الحاخامات من أبناء هذه العائلة في بناء وتطوير مؤسسات التعليم والتدريب اليهودية، التي وصلت لدرجة أن الطلاب اليهود كانوا يأتون من مصر وباقي الدول للتعلم في هذه المدارس، حتى أن الحاخام (ناثنيل بارزاني) كان يمتلك مكتبة غنية نادرا ما يتواجد مثلها عند شخص آنذاك، وكانت الكتب عبارة عن مخطوطات كتبت بخط اليد. ومن الجدير بالاشارة أن (علوان أفيداني) حاخام العمادية من اهالي قرية نيروة التابعة لمنطقة نيروة وريكان الكائنة شمال شرق العمادية، يذكر لمحاوره الانثروبولوجي (إريك براور) في القدس سنة 1937م حول قصة شجرة الرمان التي جرت أحداثها في قرية بارزان قبل 150 عاماً تقريباً اعتبارا من سنة 1937م أثناء تدوينها، أي أن وقائعها إن صدقت ترجع الى الغقود الاخيرة من القرن الثامن عشر، وتتعلق بحوار جرى بين الحبر اليهودي الحاخام (ناثانيل هاليفى بارزاني) وابنه الحبر (شموئيل) من جهة وبين شيخ بارزان من جهة اخرى.
2- في سنة 1560م؟، أو منتصف القرن السادس عشر ولد “شموئيل بن ناثينال هاليفي بارزاني” Samuel Ben Nethanel Halevi Barzani وهو رابي وعالم مختص بالقبالة اليهودية (قبالي- غنوصي)، وتوفي في الثلث الاول من القرن السابع عشر، ينتسب الى مدينة(= قصبة) بارزان، ساهم في الحفاظ على التقاليد اليهودية القبالية في بارزان و الموصل وعقرة والعمادية. ورغم الظروف الصعبة التي كان اليهود يمرون بها آنذاك والضعف الديني، الا ان الرابي شموئيل استطاع بجهوده ان يحافظ على البقية الباقية من العقائد والسمات اليهودية ليهود كردستان. وبالتالي فقد استطاع زرع افكاره التي تخص القبالة اليهودية من عقيدة الخلاص والتنجيم، والتي هي ضرب من الثيوصوفية اليهودية في منطقة بارزان والاطراف المحيطة بها كالعمادية وعقرة، وكانت لها نتائجها على المجتمعات الاخرى غير اليهودية في المنطقة لعقود تالية.
3- في سنة 1590م ولدت الرُبية والعالمة اليهودية ” آسيناز شموئيل بارزاني” Barzani, Asenath Samuel في قرية بارزان، وقد رباها والدها على تعاليم التوراة والتعاليم المتعلقة بالقَبالة والثيوصوفية اليهودية “الغنوصية”. وكانت ذكية وبدت علامات النبوغ عليها منذ بداية دراستها على يد والدها، بعدها تزوجت من الرابي اليهودي الحاخام يعقوب مزراحي Jacob Mizrahi، الذي الذي كان رئيساً لمدرسة دينية يهودية في العمادية وكان أستاذاً فيها، كون هو الآخر قبالياً وكان لجهود الزوجين دور كبير في نشر تعاليم القبالة بين الشباب اليهودي في منطقة الموصل وأطرافها. وبعد وفاة زوجها في وقت مبكر اصبحت هي استاذة التوراة والتلمود والمدراش والقبالة واللغة والابجدية العبرية(= غنوصية) في مدينتي العمادية والموصل، لأنها كانت من أكبر العلماء العارفين بشرائع التوراة في كردستان، وقد الفت كتاباً عن الامثال الكردية، وقامت بكتابة رسائل إلى أغنياء اليهود في بغداد لغرض دعم المدارس الدينية اليهودية الكلاسيكية في الموصل والعمادية وعقرة وبارزان نظراً لسوء الاوضاع المالية للمجتمع اليهودي في كردستان آنذاك. وقد وصل بها الأمر إلى أن أصبحت أول ربية وعالمة عند اليهود الشرقيين (= السفارديم). والأغرب من كل هذا أن تكون آسيناز بارزاني هي المرأة الحاخام الأولى(اول أمراة تصبح حاخام) التي رد لها المصلحون اليهود الامريكان الاعتبار والتقدير والتبجيل بعد قرن كامل على وفاتها.
4- في سنة1660م ( سنة 5420 يهودية) ألف ” الحاخام شمعون يونا بارزاني ” كتابا تحت عنوان (شيحيطات بارزاني) أي تذكّية بارزان، وقد نقل هذه المخطوطة اليهودي الألماني (وولتر فيشل) الى المانيا أثناء زيارته لكردستان، ولا زالت هذه النسخة من المخطوطة متواجدة في المانيا ولها نسخة مصورة في دار المخطوطات في اسرائيل.
5- ومن جانب آخر فان أقدم ذكر لقرية بارزان في المخطوطات السريانية، جاء في مخطوطة (العهد الجديد- قراءات طقسية) كاتبها القس يوسف بن القس كوركيس بن القس هرمزد الالقوشي، فرغ منه يوم الاثنين 19 ايلول سنة 2017يو-1706م، وكتب هذه المخطوطة في القوش أيام ((مارإيليا الجاثليق]=البطريرك])) ولعله إيليا الثامن(1700-1722م)، وقد إشترت هذه المخطوطة السيدة (شونى بنت أوشعنى) وأمها لكنيسة (مريم العذراء في قرية برزان.
6- أما بخصوص موضوع بحثنا (قرية بارزان) فثمة مجموعة خطية بقلم القس يعقوب بن القس كانون البارزاني، سطر قسماً منها أيام كان يدرس في دير الربان هرمزد في القوش، وخطَ البقية بعد رسامته كاهنا (قسا) على يد (البطريرك يوسف أودو) سنة 1849م، ثم تعينيه كاهنا لخدمة قرى (أبرشية عقرة(، أما أهم مخطوطات أبرشية عقرة فهي:
– الكتاب المقدس: كتاب الانبياء
– الورقة 193: سنة 2169 يونانية – 1858م اشترى هذا الكتاب القس يعقوب بن القس كانون برزاني من بيت النجارين (نجار).
العهد الجديد
– في نهاية الاناجيل نقرأ التملك التالي: اشترى هذا العهد الجديد القس يعقوب بن القس كانون البرزاني من القس حنا التلسقفي لكنيسة مريم العذراء في برزان في 8 تشرين الاول سنة 2163 يونانية – 1851م.
– العهد الجديد: قراآت طقسية من الانجيل
– كاتبها القس يوسف بن القس كوركيس بن القس اسرائيل بن القس هرمزد الالقوشي، فرغ منها في 19 ايلول سنة 2017 يو-1706م.
– اشترت هذا الكتاب شوني بنت اوشعني، وامها نسرت، لكنيسة مريم العذراء في قرية برزان
– العهد الجديد: قراآت طقسية من الانجيل
– كاتبها القس داود بن الشماس يوحنان من برزان، فرغ من كتابتها يوم الثلاثاء 4 تشرين الاول سنة 2170 يو -1859م.
– العهد الجديد: قراآت طقسية من الرسائل
– كتبت في القوش يوم السبت ليلة الاحد الخامس من ايليا 30 ايلول سنة 2021يو-1710م. كتبت بهمة القس كوو والصحيح كوركو المتوفي 16 تشرين الاول 1700م لكنيسة مريم العذراء في قرية برزان.
– العهد الجديد: قراآت طقسية من الرسائل
– كاتبها الشماس كانون بن نيسان بن كوركو فرغ منها يوم الجمعة 17 كانون الثاني سنة 2124يو-1813م، وكتبها في برزان التي فيها كنيسة مريم العذراء، في ايام مار ايليا الجاثليق البطريك.
تفسير سفر الرؤيا:
– كاتبها يعقوب بن شماس كانون ابن اخ مزو (هرمز) بن ابراهيم من قرية برزان التي فيها كنيسة مريم العذراء، وقد فرغ من الكتابة في 17 تشرين الاول سنة 2144يو-1832م في قرية برزان.
– على الاوراق الامامية: ديباجة رسالة توجه الى المطران، ثم ديون لهرمز على عدة اشخاص. ويستشف من كتابة ابن اخ هرمز ان هرمز المذكور عم كانون كان غنيا، وانه كان يقرض الناس.
كتاب المغناطيس:
– كاتبها داود بن يوحنا، كتبها في 18 آب سنة 2143يو-1832م.
– كتبت في برزان في ايام البابا لاون الثاني عشر (يبدو ان الناسخ كان يجهل وفاة البابا لاون الثاني عشر سنة 1829، وخلافة البابا بيوس الثامن مدة عشرين شهرا، ثم توليّ الرئاسة بعده البابا غريغوريوس السادس عشر منذ سنة 1831، ومار يوخنان هرمزد الجاثليق بطريرك المشرق، ومار يوسف (اودو) مطران العمادية.
– مجموع في التوبة وفي اسرار الكنيسة وفي الخدمة الكهنوتية:
– يضم هذا المحتوى 26 موضوعا مختلفا في مواضيع نصرانية مختلفة، ولكن ما يهم موضوع بحثنا في الموضوع الاخير رقم 26: فصل من انجيل متى باللغة الكردية ومكتوب بالكرشوني( )، وهو انجيل مار اسطيفانوسي الطقسي، الورقة 147ب كاتبها القس يعقوب بن القس كانون البرزاني آل نجار (النجارين). فرع من كتابها في 30 تشرين الاول سنة 2166يو-1844م (هكذا والصحيح 1854م).
– كتبت في برزان في ايام مار يوسف اودو الجاثليق بطريرك بابل. على الورق 55 نقرأ ما تعريبه (تمت في 2 نيسان سنة 2166يو-1844م في برزان، على يد القس يعقوب بن القس كانون البرزاني من آل نجار وعلى الورقة 58: ملاحظات بالكردية.
– وعلى هامش الورقة 59 ب نقرأ: سنة 1850 القس يعقوب برزاني كان يقرأ في الدير (دير الربان هرمزد قرب القوش) لدى الرهبان. وعلى الورقة 121ب: تمت كتابة اسرار الكنيسة السبعة مع شفاء الاعتراف، بيد الشماس يعقوب بن القس كانون البرزاني من آل نجار – كتبها لنفسه في قرية بارزان التي فيها كنيسة مريم العذراء سنة 2158يو-1847م.
– ولملاحظة الفرق في الكتابة بين سنة 1850م وسنة 1847م، يرى مفهرس المخطوطة ان الكاتب يعقوب كان شماساً سنة 1847م، وبعد ان درس في دير الربان هرمزد، رسم كاهناً (قسا) سنة 1850م.
الصلوات الطقسية:
– كاتبها الشماس يلدا القس عبد يشوع بن القس خذبشبا بن القس اسرائيل الالقوشي، كتبت في 11 تشرين الاول سنة 2047يو-1705م( ).
– كتبت بهمة الكاهنين حنا ونيسان والمؤمن اوراها، لكنيسة مار كوركيس التي في قرية برزان القريبة من الزاب الكبير.
– طقس القداس وصلوات
– كتبها القس يعقوب بن القس كانون بن ابراهيم من آل نجار من قرية برزان. فرغ منها يوم السبت 18 حزيران سنة 2616يو-1855م. كتبت في قرية برزان التي فيها كنيسة مريم العذراء.
المصدر: كردستان 24
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=54570