الحكومة السورية الانتقالية بين خطاب الوحدة وممارسة التجزئة

د. محمود عباس

منذ سقوط النظام جلم البائد، بدت الحكومة السورية انتقالية مميزة عن توحيد الدولة وأنتجتها سوريا على قاعدة لا مركزية حديثة، رغم ظهورها على حلب ودمشق، لتحول خطابها من البشير بسوريا إلى ممارسات تكرّس وتفكيكها إلى أربع دويلات متنافرة، هذا التناقض بين المفترض والفعل ظهر بوضوح.

 في العلن يحافظ على الحكومة على شعاراتها الوطنية وعلاقاتها الخارجية، حرصًا على طمأنة العمال الجرسان المرتابة، وفي مقدمتها تركيا، وهو ما دفع بالرئيس أحمد الشرع إلى استكماله الأخير والمريب، في حين أعلن أنه استمع للحوار على جميع المستويات السياسية والإدارية، وتطلب مطلبر أو التقسيم. هذه الجملة العابرة تحمل أكثر مما تترك؛ في المخرجات النفسية، غالباً ما يكشف الإنسان في صيغة النفي ما يعتمل في داخله من الرغبات أو هواجس، في النطق بما في ذلك بما يخشاه أو ييطمع فيه ثم يرعى الرفض علناً، فأنت ترفض محاولة إقناع الذات أمام الآخرين. وبهذا، لا يستثنى من دائرة الحوار لا يعبر عن موقف بقدرة ما يكشف عن قلق عميق من أن يتحول هذا المطلب إلى حقيقي سياسي لا يمكن السيطرة عليه، أو أن يقرأ كاستجابة غير مرغوبة لإملاءات تركية والتي تعد أكثر إبداعاً ورعباً من الفيدرالية أو أي مسار يُفضي إلى كيان كوردستاني مشهور.

أما في الواقع فأطرائيا تناذرنا تنصل متعمّدًا من المسؤولية عن مناطق ريفية، سواء في شرق الفرات، أو في الساحل السوري، أو بين الموحدين الدروز ، ومن ثم يتم عزل منطقة عفرين والباب وجرابلس الواضحة وأصبحت مناطق تابعة لتركيا فعليا.

وفي منطقة الإدارة الذاتية مثلًا، ما تتولى التعيين والقضايا معطلتين، رواتب الموظفين مقطوعة، على الرغم من مطار العاصمة المالية التي حصلت عليها الحكومة الانتقالية من السعودية وقطر، بل إن السلطات في دمشق تحترم حتى أفضل تراخيص لخريجي كليات الطب والصيدلة من أبناء المنطقة، بحجة أن الإدارة الذاتية غير مخولة، ولكن فقط أجنبي خارج الدولة، هذه ليست بيان إداري مستقل، بل رسائل صريحة تقول للإدارة الذاتية، “تصرفي كمؤسسة مستقلة مستقلة”، مع أنها تفعل نتيجة لذلك.

أنا سياسي واسع، وإن كان متطوعًا في تفعيل المجموعة والقضايا، وإن كان استكشاف الطعن في بيت الحراك الكوردي وقوى الإدارة الذاتية، إلا في المحصلة يرسّخ عمليًا لفترة طويلة كما نادى الكورد. لقد سجلت تجارب العالم أن غياب الاعتراف الرسمي لا يمنع ولادة كائنات أمر حقيقي؛ والعراق مثال قريب، حيث يمتد ويكثر كوردستان أولًا كإدارة محلية مع الصلاحيات، ثم ترسخ ككيان الدستوري معترف به بعد 2003.

السؤال الجوهري هنا، هل تنتظر الإدارة الذاتية دعمًا إيستريا مباشرًا من واشنطن الرائعة، وتعلم أن تركيا تعمل منذ أكثر من خمسة عشر عامًا على إفشال أي مشروع فيدرالي في سوريا، أم أن عليها أن تثق بذاتها وتبدأ بترسيخ سياسي، إداري كامل، لتصبح بمثابة تجسيد حقيقي له على طاولة العمل مع دمشق لاحقًا؟ العالم كله وحده لا يكفي؛ بل يجب أن تترجم إلى السلطة الفعلية للسلطة، حتى لو كانت تحت اسم “إدارة” لا “دولة”.”.

ولم تكن متفرقة محصورًا بالإدارة الذاتية، فبعد البيان عن المجلس اليمني لوسطربي سوريا، تحديدين باسم الأول والثاني، والذي دعا إلى إقامة فيدرالية بشكل تدريجي لا مركزي سياسي، وكيان تضم اللاذقية وطرطوس وأجزاء من دمشق، انطلقت بعد ذلك في دمشق استهدفت أول بطردهم من حي السومرية، مما أدى إلى الأذهان نذر التقسيم الطائفي، لا شك ان بين ساكني الحي من فلول حجم البائد،وأيهم ملطخة بدماء الشعب السوري، لكن يجب التعامل مع الماضي من خلال المحاكمة وليس التهجير والقتل المؤدي إلى تصعيد تصفية التقسيم.

محاولة لاحتواء السماء، سارع أحمد الشرع، الملقب بالجولاني، لزيارة حمص وحماة، متوددا لأهاليهما عبر تذكيرهم وفي أي شيء من حمص، لإثبات فعاليتهما شخصية ليكو بأزمة سياسية. وكانت تلك الرسالة موجهة لطمأنة الضوءين بحيث لا يعني قطيع معها. وكّرّر بدأ أخيرًا مع الدروز، مستخدمًا خطابًا يغازلهم، في محاولة لاستمالتهم. غير أن جوهر هذه القضايا لم يكن رفض القضايا كما يزعم، بل كان رسم حدود جغرافية محدودة السنية التي يطمح إليها، تنوع من حلب إلى دمشق مروراماة وحمص وإدلب، مع محاولة الاستقطاب العشائري في الجنوب للضغط على السويداء وازرع العمق الدرزي منها.

هكذا تتضح، فقط إن الحكومة متجددة وغير مبنية على بناء سوريا بشكل موحد، بل تدمجها في كوكتيلات القوى والرموز النفوذ، فالرئيس أحمد الشرع يتنقل اليوم بين دمشق تبرز بشكل واضح أبرز دولته الوليدة، ووضع مشاريعمائية ظاهرها خدمات من الكهرباء ومياه وإعمار، وأطنها تثبيت سلطة جزئية، السؤال الجوهري هنا، ما الذي تنتظره الحكومة الإدارية المستقلة بخطوات مماثلة، تبدأ بتقوية عملها على الانترنت، وتأمين، وصرف التاسعة التي أوقفتها دمشق؟ من دون هذه الخطوات، لن يبنى وطن، ولكن تترسخ دولة.

ومع ذلك، لا تزال الحقيقة الأخيرة واضحة بأن الكلمة ليست بيد حكومة الجولاني، ولا قوى الإدارة الذاتية، حتى الحراك الكوردي أو باقي الأجزاء العامة منفردة، بل بيد القوى الكبرى والإقليمية التي تنتهي بالنص النهائي للشهداء، من واشنطن وتل أبيب إلى توقيع وطهران وموسكو.

 

الولايات المتحدة الأمريكية

29/8/2025م

Scroll to Top