الحوار الوطني السوري.. بين شمولية التمثيل ومعايير الإقصاء
أحمد محمد
عقدت اللجنة التحضيرية لـ “مؤتمر الحوار الوطني” في سوريا، أول مؤتمر صحفي لها يوم الخميس، 13 شباط 2025، حيث تم إلقاء البيان الافتتاحي بلسان هدى الأتاسي، عضو اللجنة. وقد تلا ذلك جولة من الأسئلة من الصحفيين الذين تناولوا، بشكل خاص، آلية الحوار ومدى شموليته، ومن أبرز الأسئلة كانت حول الأطراف والقوى السياسية والعسكرية وكيفية تمثيلها في المؤتمر.
أجاب حسن الدغيم، عضو اللجنة، مظهراً موقفاً يتسم بالسلطوية في كلامه، حيث بدا وكأنه يسعى إلى وضع معايير صارمة للحوار الوطني تتماشى مع رؤيته وأهدافه، بدلاً من الاعتراف بالتنوع الموجود بين القوى السياسية والعسكرية في الأزمة.
وركّز على فكرة أن من لا يتقيد برؤيته و “يُلقِ السلاح” لا مكان له على طاولة الحوار. وهذا يعكس رغبته في فرض هيمنة معينة على العملية السياسية، مع تجاهل تام للهياكل والتنوع الذي يشكل واقع المشهد السوري.
وكأنما يحاول من خلال تصريحاته تغليب صوته وأجندته الخاصة، مما يثير تساؤلات حول مدى استعداده للتعاون مع الأطراف الأخرى أو الاعتراف بمشروعية مواقفهم.
ويبدو أن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني قد اختارت طريقاً عجيباً، حيث تحولت من مجرد جهة تحضيرية إلى جهة تحدد الشروط وتقصي من تشاء، وكأنها نُصبت نفسها حكماً على الشعب السوري. وإذا كانت هذه اللجنة تفتقر إلى الفهم البسيط لمهامها الأساسية، فكيف يُعقل لها أن تنظم مؤتمرًا وطنيًا جامعًا؟ من المؤسف أن نرى أعضاء اللجنة يتصرفون وكأنهم ملوك هذا الحوار، بينما يجب عليهم أن يكونوا مجرد زمام للتحضير، مما يثير الكثير من التساؤلات حول مدى جدية مشكليها في تحقيق الحوار الوطني الفعلي.
الإقصاء يتناقض مع روح الحوار الوطني
يمثل هذا الموقف، وقبله تشكيل اللجنة بشكل مستفرد، تناقضاً واضحاً مع المفهوم الأساسي لـ “مؤتمر الحوار الوطني”. فمن المفترض أن يمثّل هذا المؤتمر جميع مكونات المجتمع السوري.
لكن الحقيقة في تشكيل اللجنة، غاب ممثلو المكونات والطوائف، وكذلك التكنوقراط، وغلب عليها الاكتفاء بطيف واحد. إن عدم تمثيل الشرائح الواسعة من السوريين يعني أننا أمام هيئة غير قادرة على تجسيد التنوع المجتمعي والسياسي في البلاد.
إن الحوار يجب أن يقوم على أساس الاعتراف المتبادل وتقديم تنازلات، بدلاً من قرارات وشروط تقصي فئات معينة، مما يعيق إمكانية الوصول إلى حلول دائمة. التجارب الناجحة في مناطق النزاع، مثل اليمن، توضح أن إشراك كافة الأطراف، حتى ذات العمل المسلح، يمكن أن يفتح أبواباً لحلول سياسية أكثر شمولاً، فكيف إذا كان ذلك الطرف العسكري قوى لنموذج إداري وسياسي قائم منذ أكثر من 12 عاماً من عمر الأزمة السورية متمثل في الإدارة الذاتية التي يدير عبرها أكثر من 5 ملايين نسمة أنفسهم.
فعلى سبيل المثال، شهد مؤتمر الحوار الوطني اليمني (2013-2014) مشاركة واسعة، تشمل الحوثيين وفرق الحراك الجنوبي، بالرغم من استمرار النزاع المسلح، وذلك سعياً لخلق بيئة تفتح الطريق نحو توافق سياسي.
وفي الحالة السورية، إذا ما تم استبعاد الأطراف السياسية والهياكل الإدارية والعسكرية، من بينها الفصائل العسكرية في السويداء، والإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وقسد، والعلويين في الساحل من المكونات السورية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها، كما حدث في اليمن. مما يجعل الحوار من دون استثناءات شرطاً أساسياً من أجل إيجاد تسوية سياسية مستدامة.
تجارب ذات دلالات
تجارب تاريخية مثل تلك التي شهدها جنوب أفريقيا تسلط الضوء على أهمية الشمولية في الحوار الوطني. فقد تم إشراك جميع الأطراف، بما في ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي والفصائل المسلحة، في عملية تفاوض أدت إلى إنهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) وتحقيق السلام.
إذا نظرنا إلى تجربة جنوب أفريقيا، نجد أنها تؤكد أن الحوار الوطني الناجح يجب أن يكون شاملاً، حتى لو ضمّ أطرافاً متنازعة أو تحمل السلاح. وبالتالي، فإن استبعاد قسد أو أي مكوّن سوري آخر قد يُضعف الحوار بدلاً من تعزيزه.
كما أن التجربة تُظهر أن عدم وضع شروط مسبقة، مثل التخلي عن السلاح قبل الحوار، قد يكون أكثر فعالية، لأن الهدف من الحوار هو إيجاد حل جذري يضمن اندماج الجميع في الدولة.
وعلى الرغم من استبعاد بعض الأطراف الحالية مثل الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، فإن الجهود مستمرة بين قسد وسلطة دمشق حول اندماج القوات في وزارة الدفاع السورية. التصريحات الصادرة عن الجانبين تشير إلى تقدم ملحوظ في هذا الاتجاه، مما يفتح المجال لإمكانية تحقيق تفاهمات مستقبلية.
مثال كولومبيا يُظهر كيف يمكن أن تؤدي الجهود لإدماج القوات المسلحة في النظام السياسي إلى نتائج إيجابية، حيث تم التوصل لسلام تاريخي عام 2016 بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، على الرغم من عقود من القتال، وكان إدماج الفصائل المسلحة في الحياة السياسية أحد الركائز الأساسية للنجاح.
وإذا نظرنا إلى المشهد السوري، يمكن أن نجد تشابهات كبيرة بين تجربة كولومبيا والأزمة السورية، لا سيما فيما يتعلق بإدماج القوات العسكرية الوطنية في النظام السياسي، بدلاً من إقصائها أو مواجهتها عسكرياً.
في كولومبيا، كانت هناك قناعة لدى الحكومة بأن إنهاء النزاع يستلزم إدماج المقاتلين في العملية السياسية، وهو ما يمكن أن يكون نموذجاً للحوار السوري، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق سياسي يضمن عدم إقصاء أي طرف، بما في ذلك القوات العسكرية الوطنية المنظمة التي ترغب في التحول إلى العمل السياسي.
كما أن العدالة الانتقالية كانت إحدى الركائز الأساسية في اتفاق كولومبيا، ويمكن أن تكون آلية مفيدة في سوريا لمعالجة الجرائم والانتهاكات، دون اللجوء إلى سياسات انتقامية تعيق المصالحة.
مصلحة الوطن فوق الأهداف الضيقة
في نهاية المطاف، يبقى الحوار الوطني بين السوريين هو الطريق الوحيد للخروج من حالة الانقسام السائدة. إن استبعاد أي طرف، يمثل شريحة واسعة من المجتمع السوري، لا يمكن أن يؤدي إلى توافق وطني حقيقي. السؤال المطروح الآن هو: هل ستتمكن اللجنة التحضيرية من مراجعة موقفها واستيعاب ما يتطلبه الواجب الوطني، أم ستستمر في الإقصاء الذي قد يفاقم الأزمات بدلاً من حلها؟
المصدر: ANHA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62884