الخميس, يناير 23, 2025

الخوف الذي يهدد وجود الأقليات في سوريا: الكورد ، الآشوريون، السريان، الأرمن والعلويون

أزاد فتحي خليل
كاتب وباحث سياسي

مقدمة المقال : تعتبر سوريا من الدول ذات التاريخ الطويل والمُعقد في ما يتعلق بتنوعها الثقافي والديني. على مر العصور، كانت سوريا مهدًا للحضارات العريقة وملتقى للعديد من القوميات العرقية وبعض من الأقليات الدينية، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية البلاد. لكن منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، تعيش هذه الأقليات تحت تهديد مستمر لوجودها. فبين الهجمات المتكررة من الجماعات المتطرفة، والتحديات الداخلية والإقليمية، أصبح مصيرهم مهددًا بشكل غير مسبوق. هذا المقال سيتناول تأثير هذا الخوف على الأقليات في سوريا، مع التركيز على الوضع الراهن.

الآشوريون والسريان: تحديات البقاء

الآشوريون والسريان يمثلون إحدى أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية في الشرق الأوسط، وهم جزء من التراث الديني والثقافي الغني لسوريا. قبل الحرب، كان الآشوريون والسريان يشكلون مجتمعًا قويًا في شمال شرق البلاد، خصوصًا في منطقة الجزيرة السورية. إلا أن اندلاع الحرب كان له تأثير مدمر على هذه المجتمعات. الهجمات التي شنتها جماعات متطرفة مثل تنظيم “داعش” كانت تهدد وجودهم بشكل مباشر، حيث تعرضت الكنائس والمعابد للتدمير، وتم اختطاف العديد من الأبرياء من رجال ونساء وأطفال. علاوة على ذلك، تسبب الصراع في تهجير الآلاف من الآشوريين والسريان، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة للبقاء في سوريا. العديد من هؤلاء اضطروا للانتقال إلى دول غربية بحثًا عن الأمان والحرية. هذا النزوح الجماعي أدى إلى تهديد مباشر لهويتهم الدينية والثقافية في بلادهم، حيث أصبحوا يعيشون في خوف دائم من أن يزول وجودهم تمامًا في المستقبل. في مواجهة هذا الواقع، تأسست مجموعات مثل “المجلس العسكري السرياني” لتوفير حماية للمجتمعات السريانية، لكن هذا لم يخفف من القلق الذي يشعر به الآشوريون والسريان حول مستقبلهم في سوريا.

الأرمن: مجتمع تاريخي تحت التهديد

يعد الأرمن من المجتمعات التاريخية التي مرت بتجارب قاسية عبر تاريخها، خاصةً في أعقاب المذابح الأرمنية في أوائل القرن العشرين. في سوريا، يتمركز الأرمن بشكل رئيسي في حلب ودمشق وكامشلي، حيث كان لهم دور كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ومع بداية الحرب، شهدت الكنائس والمدارس الأرمنية تدميرًا هائلًا، مما أثر بشكل كبير على هويتهم الثقافية والدينية. كما أن العديد من الأسر الأرمنية اضطرت للهجرة، خاصة إلى أوروبا وأرمينيا، في ظل تزايد التهديدات التي تواجهها من الجماعات المسلحة. بسبب الخوف من المستقبل المجهول، يعيش الأرمن في سوريا في حالة من التردد بين البقاء أو الرحيل. يمكن أن يؤدي فقدانهم لهذه الأراضي إلى خسارة جزء من التنوع الثقافي والديني الذي ساهموا في إثرائه على مر العصور. بينما يسعى الأرمن للحفاظ على هويتهم في الداخل السوري، يبقى الخوف من التهديدات المتزايدة يرافقهم بشكل دائم.

العلويون: بين السلطة والخوف

العلويون في سوريا هم جزء من الطائفة الشيعية، وقد شكلوا جزءًا أساسيًا من النظام السياسي في البلاد، خاصة منذ أن تولى حافظ الأسد السلطة في عام 1970. فقد تمكن العلويون من تحقيق مكانة قوية في الجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما مكنهم من التأثير في السياسة السورية على مر العقود. ومع تفاقم الصراع السوري، تحول هذا النفوذ إلى نقطة ضعف، حيث أصبح العلويون هدفًا للانتقام من قبل الجماعات المعارضة وبعض الفصائل الثورية. في ظل الحرب، نزح العديد من العلويين إلى مناطق الساحل الآمنة نسبيًا مثل اللاذقية وطرطوس. إلا أن هذا النزوح لم يخفف من القلق الذي يساورهم بشأن المستقبل، حيث يخشون أن تؤدي التغيرات السياسية المقبلة إلى موجات من الانتقام الطائفي قد تؤثر على وجودهم في سوريا. هذا الوضع خلق شعورًا بالعزلة والخوف من المجهول، خاصة مع تزايد الدعوات لإصلاح النظام السياسي بما يشمل تغييرات جذرية في هيكل السلطة.

الكورد بين الفدرالية والحكم الذاتي والتهديد الخارجي

تشكل القومية الكردية في سوريا ثاني أكبر مجموعة عرقية غير عربية في البلاد، وهم يسكنون في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا (كوباني، القامشلي، ديريك، عامودا، سري كانيه/ رأس العين، كري سبي/تل أبيض، عفرين ومناطق في الحسكة والرقة وريفي حلب الشرقي والغربي وحتى في حماة وجبل الكورد في اللاذقية، وحي ركن الدين الدمشقي ذات الغالبية الكوردية).

منذ بداية الثورة السورية التي تطورت إلى حرب ونزاع مسلح بين فصائل وقوى المعارضة والنظام السوري، حدث فراغ أمني نتيجة خروج النظام من المناطق ذات الغالبية الكوردية إلى المناطق العسكرية الساخنة. وبسبب ذلك الفراغ وانهيار السلطة المركزية في العديد من المناطق السورية، قام الكورد بتأسيس “إدارة ذاتية” في مناطق روجافا. هذه التسمية تسبب للبعض هذيان في العقل وانقباض في عضلة القلب لكن موضوعنا ليس بالتسمية الآن. ورغم أن هذه الإدارة تمكنت من مقاومة “داعش” وحماية سكانها، ودفع أبناء المنطقة (كورد، عرب، سريان، وآشوريين) لأكثر من 12,500 شهيد سقطوا دفاعًا عن أرضهم وعرضهم وممتلكاتهم، إلا أن الكورد لا يزالون يواجهون تهديدات مستمرة من عدة أطراف. حدثت بحقهم مجازر وانتهاكات في مدينة عفرين على سبيل المثال، تهجير الكورد، سرقة أشجار الزيتون، نهب محاصيل وزج بالشباب الكوردي في غياهب معتقلات ما يسمى بالجيش الوطني التابع لتركيا. تركيا، التي تعتبر حزب العمال الكردستاني (PKK) تهديدًا أمنياً، تشن بين الحين والآخر عمليات عسكرية في مناطق الأكراد في سوريا بتهمة ارتباطهم بالحزب ما يضعهم في موقف حرج بين الدفاع عن وجودهم وبين تجنب المواجهات العسكرية مع تركيا. في الوقت نفسه، يواجه الأكراد تحديات أخرى بعد سقوط النظام السوري و فصائل المعارضة المسلحة، مما يجعلهم يعيشون في حالة من القلق الدائم حول مستقبلهم السياسي والعسكري في سوريا.

ختاماً

إن الأقليات وهواجس القوميات في سوريا تجعلها تعيش في حالة من الخوف المستمر على وجودها، حيث تتعرض لمجموعة من التهديدات التي تتراوح بين الهجمات المسلحة والتهديدات الطائفية، من الآشوريين والسريان إلى الأرمن والعلويين والكورد، كل هذه المجموعات تعاني من صراعات تهدد هويتها ووجودها في سوريا. في ظل هذا الوضع المعقد، يبقى من الضروري أن يتم تحقيق حل سياسي شامل يأخذ بعين الاعتبار حقوق هذه الأقليات. وصياغة عقد اجتماعي ودستور جديد يؤمن مشاركة كل القوى والأطراف في العملية السياسية ويضمن لها الحماية والعيش بسلام وحرية وكرامة. دون إجراءات حاسمة، قد يؤدي الصراع المستمر إلى فقدان سوريا جزءًا مهمًا من تنوعها الثقافي والديني، ويدخل البلاد في نزاعٍ واتون وحرب أهلية قد لا تنتهي لسنوات، مما يشكل خسارة كبيرة لسوريا وشعبها ولتاريخها العريق.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية