الدراما والسينما الكردية في سوريا

مصطفى عبد الوهاب العيسى
يعلم الباحث في الشأن الكردي، والمهتم بالمواضيع الكردية بشكل عام، أن وصفي لتأخر الكرد السوريين عن أقرانهم في العراق وتركيا وإيران في الكثير من المجالات كان وصفاً دقيقاً وموضوعياً، وليس قاسياً، ولهم العذر في هذا التأخر الذي يعود بشكل أساسي -مع وجود أسباب ذاتية -لأسباب كثيرة خارجة عن إرادتهم من جهة، وبسبب الاستبداد الذي مُورس عليهم، والحرمان من أبسط الحقوق لعقود طويلة من جهة أخرى.
في وجود عنصرية تُحارب اللغة والحروف، وقبضة أمنية تُلاحق الكلمة والرأي، كان إنجازاً كبيراً للكرد في سوريا ما استطاعوا تقديمه في الشعر والأدب مثلاً، أو في الكثير من حقول الفن المختلفة كالرسم والموسيقا والغناء.. الخ، وهو ما يشفع برأيي -إن صح القول – إضافة للأسباب الموضوعية لتأخرهم في ميادين أخرى كالسينما والدراما، التي سأقول كلمتي المتواضعة عنها.
بالعودة للعقود الماضية في سوريا نجد أن ما يربط الكرد بالدراما في سوريا كان المشاركة في الدراما العربية -والتي كانت الدراما الوحيدة في سوريا -حتى أعوام قريبة، وهنا لا يجوز أن نغفل عن أن هذه المشاركة لم تكن بسيطة، وأن عدداً من كبار القامات الفنية الكردية في سوريا قد أسهمت بشكل ملحوظ في نجاح وتفوق الدراما العربية في سوريا على مستوى المنطقة، وليست مبالغة أبداً بأن بعض هذه القامات قد شاركت في تأسيس الدراما العربية في سوريا، والحديث طبعاً ينطبق على السينما العربية في سوريا.
كان ما يتبادر إلى الذهن قبل عام 2011 عند ذكر كلمة السينما الكردية في سوريا أو فن التمثيل لدى كرد سوريا هو مشاركة بعض النجوم من الفنانين الكرد في الأعمال السينمائية فقط، أو ربما بعض التمثيليات القديمة والبسيطة التي يقوم بها الهواة في بعض القرى، وتأخذ غالباً أشكال يوميات من التراجيديا والكوميديا، التي لم يتم توثيقها، أو غالباً الحادثة المشهورة لحريق سينما عامودا.
قبل عدة سنوات، كان من الصعب أن نتصور قدرة الكرد في سوريا -رغم الإرادة القوية -على صناعة دراما وسينما مستقلة وجيدة بهذا الشكل، وتعبر عن هويتهم، بل إن أشد المتفائلين لم يكن يتخيل أن تكون ولادة وانطلاقة الكرد في حقول الفن هذه خلال الفترة الصعبة التي كانت تعيشها سوريا، والمليئة بالنزاعات السياسية والصراعات المسلحة في معظم المناطق.
لست مطلعاً على التفاصيل التي رافقت بداية هذه الأعمال الفنية، التي زادت مشاهدتنا لها في الآونة الأخيرة، ولكنني أتابع -بطبيعة الحال – الوضع العام في سوريا، والذي لم يكن بأي شكل من الأشكال مساعداً على نجاح مثل هذه التجربة.
ما يمكن أن نقوله باختصار في ظل الأزمات المتراكبة، وفي ظل ظروف استثنائية وأوضاع اقتصادية متردية، ومع تزايد الأحداث الساخنة طيلة هذه السنوات، واستمرار القصف والمعارك والصراعات فإن هذه الانطلاقة مثَّلت تفوقاً هاماً لرحلة بدأت من الصفر، ونجحت بوجود الكثير من المعوقات، وعليه كان حقاً علينا أن نقدم لها كل التقدير والاحترام والإعجاب، ونأمل أن تصل إلى أعلى درجات الإبداع مستقبلاً.
لا يحتاج المرء أن يكون ناقداً فنياً، ويكفي أن يكون على دراية مقبولة بالوسط الفني وما يحيط به من أمور مختلفة حتى يدلو بدلوه بعد الاطلاع والمتابعة، ومن وجهة نظري -وفق ما شاهدته من أعمال -ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الميدانية التي عاشها الكرد، والتحديات التي واجهتهم، وبإمكانياتهم المحدودة، فإنهم استطاعوا ببساطة جذب الجمهور لمتابعتهم بعد ما تركته من أثر عميق بعض هذه الأعمال.
كانت الأفكار والقصص مشوقة، والنصوص إيجابية وواقعية في طرحها، ولعبت دوراً رئيسياً السيناريوهات والحوارات المميزة، والأهم برأيي الأداء التمثيلي المبهر كبداية إذا ما علمنا بأن الكثير من المواهب التي رأيناها لم تحصل يوماً على فرصتها في التمثيل، أو حتى في الدراسة الأكاديمية التي تصقل المواهب، وطبعاً الإخراج والأمور التقنية الأخرى من إضاءة وتصوير وهندسة صوتية.
برأيي المتواضع ما يمكن أن أقدمه كمتابع هو مخالفتي لآراء الخبراء، التي تتحدث عن الجودة العالية والنوعيَّة، وطبعاً لا أنكر أهمية العنصرين، ولكن بواقعية الحال الآن أعتقد بأن الكم لا يزال مطلوباً في هذه المرحلة حتى نشهد تنوعاً أكثر في الأعمال القادمة، وحتى تتكشف للنقاد والمهتمين الكثير من التفاصيل التي ما زالت خفية.
قبل الختام أقول: إن كبرى الأعمال الدرامية والسينمائية حول العالم لم تكن خالية من الأخطاء، ولم تسلم من الهجوم أو النقد السلبي الذي يكون حاداً في بعض الأحيان من المختصين، وعليه سوف تكون مسؤولية العمل والمثابرة أكبر على رواد ومؤسسي الدراما والسينما الكردية في سوريا في قادم الأيام.
قد نشهد تطوراً ملحوظاً في السنوات القادمة مع الانفراج الذي نأمله في سوريا، وخاصة أن الجغرافية السورية غنية وقادرة على توفير بيئات جديدة لتصوير الأعمال الفنية الكردية، ولم لا تزداد مشاركة السوريين في هذه الأعمال كالمشاركة الأخيرة للفنان مازن الناطور والفنان جهاد عبدو.
ختاماً نتشوق لأعمال أجمل وإبداع مستمر، وتألقاً كالذي رأيناه من المواهب التي تعرفنا عليها، وتداولت وسائل التواصل الافتراضي بكثرة اللقطات والمشاهد المؤثرة لهم في أعمالهم الفنية، وأن نتجه في المقالات القادمة نحو الكتابة بعمق عن أدق التفاصيل والجزئيات كالحديث عن عمل بعينه مثل فيلم جيران، أو مخرجة تفوقت على نفسها مثل أوزلم ياشار، أو موسيقي قدم موسيقا تصويرية رائعة مثل باجار، أو نجمة خطفت الأضواء وأبدعت لتكون سندريلا الشاشة الكردية مثل نجبير غانم.​الثقافة – صحيفة روناهي

 

Scroll to Top