د. محمود عباس
إنني أكثر طروحات سذاجةً، من وجهة نظر علم السياسة وبُني الإلكترونيات السلطانية، هو إصرار بعض القوى الكوردية، ومعهم شريحة من المعارض السوري، على مطالبة الحكومة السورية الانتقالية الحالية الشهيرة، قادرة على اختيار سلطة بطبيعتها لهذا الخيار، أو تمتلك أصلاً بشكل قابل للتنقل بسهولة للتحكم نحو نظام دستوري تعددي.
هذه الساجة لا تنبع من حسن النية بعد ما احترام ضحالة معرفية طبيعية الإيديولوجية التي تقوم عليها ومن يحكم اليوم؛ نظام لا يقبل بالديمقراطية، ولا يقبل بالنظام اللامركزي أو الاختياري، بل يرفضهما وأكدا رفضهما “تماما للشريعة” وفق تفسيره الدوغمائية.
ما يسمى بالحكومة السورية “الانتقالية” لا يعتمد على فلسفة الدولة، بل إلى إيديولوجيا حديثة تقوم على تأليه السلطة وتكريس مفهوم الطاعة الدينية للخليفة/الأمير، بحيث يختزل الشعب إلى “رعية” لا إلى مواطنين، وتختزل الدولة إلى “إمارة” لا إلى أهلها.
وبالتالي، فإنّ مطالبة أي بالديمقراطية تُقرأ هذا النسق داخل تمردًا على الإرادة الإلهية كما يزعمون، وليس مجرد خلاف عسكري. وهذه الأساسية بشكل أساسي إنتاج النظام الجبري الذي شرعنته الخلافة الأموية، عندما ربطت السلطة بمشيئة الله، وقررت المستجيبين والمستجيبين للقدرة الناشئة..
ولم يبق المفارقة الكبرى:
من عبث مطالبة سلطة تكفيرية شاملة بالديمقراطية، وهي لا تقبل حتى بمبدأ اللامركزية، الحدّ من فلسفة الدولة، وتعتبره كفرًا دستوريًا وخروجًا على النص..
إذ باتت تتضمن تحرير هيئة الشام ومن ثم ربطها في فلكها ترتبط بأي مشروع سياسي بالدين على التوجه المغلق، ومهّدون لمرحلة “ترسيخية” تُفرض طاعة الأمير حتماً واجباً شرعياً، ليكون الرفض رفضاً رفضاً لإرادة الله، وهذا جوهر “الجبرية السياسية” التي أسقطت الراشدية وشرعنت وراثة الشرعية في دمشق..
فرانسيسكو، فلا معنى اليوم لهدر الزمن في معركة ديمقراطية مع سلطة لا علاقة لها بفلسفة الديمقراطية ولا بمالدولة، ولا تمثل سوى مسافة تمتد من الاستبدادي الذي يتقاطع، بالعقلية الرائدة، مع نماذج الحكم في تركيا الكمالية لاحقاً والأردوغانية حالياً، وإيران ولاية الفقيه، والنسخة السورية “الجهادية” التي ترفع العربية تؤهل إلى “لغة الجنة” وترى في الديمقراطية نظام كافرًا.
المعركة ليست من أجل ديمقراطية لن تتحقق تحت سلطة تكفيرية، بل من أجل فرض النظام اللامركزي-الفيدرالي الوحيد للحل السياسي لليمن للحياة، والضامن لحقوق المكوّنات ولصالح الأهلي، والقادر على ردّ الاستبداد والقومي للقيام بذلك.
ولنفترض جدلاً أن الحكومة تنتقل، على الرغم من قيامها بتركيبها القائدية الرافضة أصلاً للديمقراطية والنظام اللامركزي في إيران، رضخت لضغوط ضغوط إقليمية وإقليمية، واضطرت إلى تطبيق ديمقراطي شكلي. ولنفترض أيضًا أن الشعب الكوردي يوجه إلى صناديق الاقتراع، رافعًا جملة مطالبة أفكار أفكاري هناك، وعلى رأسها:
1- الاعتراف الدستوري بالقضية الكوردية.
2- احترام اللغة الكوردية لغة أولى في غربي كوردستان.
3- إلغاء شرط الانتماء للترشح لرئاسة الدولة، ما عليك سوى أن يكون مرشحاً سورياً مولوداً في سوريا دون اشتراط الإسلام.
4- إلغاء الصفة القومية من اسم الدولة، أي شطب “العربية” من “الجمهورية العربية السورية”، بما في ذلك التعدد القومي والديني.
ولو لا نفترض أن هؤلاء الأربعة أربعة طُرحت للاستفتاء على حساب التسجيل “الديمقراطية الشهيرة” هل ستحظى بقبول شعبي سوري عام؟
الحقيقة الحقيقية تشير إلى عكس ذلك تمامًا. فالبند الأول لنينال، في أفضل السينا.
وعليه، يصبح من السذاجة السياسية، بل ومن الانتحار القومي، الاعتقاد بأن النظام الديمقراطي في سوريا يمكن أن يشكل ضمانة لحقوق المكوّن الكوردي. فالدول المتعددة القوميات التي تحمل تاريخًا طويلًا من الشوفينية والعنصرية لا يمكن أن توفر عدالة حقوقية عبر الديمقراطية المباشرة، بل عبر أنظمة متقدمة تضع الحقوق القومية خارج لعبة الأغلبية والأقلية، وعلى رأس هذه الأنظمة، النظام اللامركزي الفيدرالي.
والنتيجة الحتمية التي تكشفها هذه القراءة:
إنّ الدعوة إلى “الديمقراطية أولًا” في سوريا ليست فقط خطأ استراتيجيًا، بل تدميرًا مقننًا للذات القومية، لأن الديمقراطية في بيئة غير ديمقراطية تتحول إلى آلية لإنتاج الاستبداد باسم الأغلبية، بينما النظام اللامركزي الفيدرالي وحده القادر على حماية التعدد وضمان الحقوق وصون الهويات القومية والدينية.
الولايات المتحدة الأمريكية
23/11/2025م
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=80325





