للربيع بهاء خاص ورونق أخاذ حيثما حل وارتحل، وفي حياة الكرد فإن الربيع يعني الحياة بتفاصيلها كلها، وقد ارتبطت أيامه على الدوام بالانبعاث والثورة والولادة الجديدة، ثورة الأرض والربيع على البرد والسبات، وثورة الإنسان على الظلم والطغيان، وثورة الجمال على الجماد.
أحد أبرز الأيام أهمية في حياة الكرد يوم عيد نوروز المصادف اليوم الحادي والعشرين من آذار، وعلى مدى عصور وقرون ارتبط عيد نوروز بالهوية الكردية، ولعل يوم العاشر من آذار لا يمسي بعيدا عن عيد نوروز، بعد أن تم تعريفه كيوم للزي القومي الكردي، فالزي القومي هو أحد أبرز دلالات الهوية، وهو من السمات الظاهرة الدالة على الهوية الكردية، وللزي الكردي حكاية ورواية وقصص منذ العصور الغابرة، ذلك أن تاريخ الكرد الموغل في القدم، هو تاريخ للزي الكردي في الوقت ذاته، ولا يمكننا أن نجزم منذ متى ظهر هذا الزي، الذي يتشابه في عمومياته في مختلف المناطق الكردية، ويحمل بعض التفاصيل الصغيرة التي تحمل خصوصية بعضها وتميزها.
وفي عصر التكنولوجيا والتقدم العلمي وطغيان التمدن والحياة العملية والانصراف إلى المشاغل اليومية، قل الاهتمام بالأزياء القومية بشكل عام، رغم إن الكرد بشكل عام يحبون الزي الكردي ويهتمون به، وخاصة في المناطق الريفية، التي ما زالت تحتفظ ببعض من خصوصيتها بعيدا عن صخب المدن وحداثتها التي تمحو كل يوم صفحة من صفحات التراث والفلكلور والعراقة والأصالة.
يمتاز الزي الكردي سواء كان زي المرأة، أو الرجل بالبساطة والدقة في الوقت ذاته، وبأنه عملي ومناسب للظروف المناخية ولكافة الفصول، وبشكل عام فإن تاريخ الزي الكردي كما أشرنا إلى أزمنة بعيدة، حيث تشكلت ملامحه الأساسية في زمن الإمبراطوريات القديمة والحضارات القائمة في المنطقة، ولا شك إنه شهد حيث شهد تطورات وتغييرات عديدة على مر العصور، وتأثر بالثقافات التي شهدتها المنطقة.
يتميز الزي الكردي في بعض تفاصيله من منطقة على أخرى، والقاسم المشترك في زي المرأة، أنه يحمل العديد من الرسوم، التي تعكس الطبيعة والربيع والتنوع في درجات اللون، التي تأتي في أغلبها محملة بألوان الربيع والطبيعة، والزخارف التي تحمل خلفيات دينية وإثنية، أو رسوم تجسد حكايا أسطورية وتاريخية.
الباحث في التاريخ الكردي صالح حيدو، قام برسم وتصوير الأزياء الكردية في أغلب مناطق كردستان، ووثقها في مئات بل آلاف من الصور واللوحات، وتحدث كثيرا عنها يقول في لقاءات عده عن زي المرأة في مناطق الجزيرة، خاصة مناطق الدرباسية وسري كانية، إن زي المرأة الكردية لدى العشائر والقبائل الكردية في سوريا، وخاصة الكيكان والملان في بلدات الدرباسية، وعامودا وقامشلو يشبه طائر الحمامة، (تكون ربطة الرأس عند عشائر “الكيكان” تشبه طائر القُمري، والقماش المفضل في الغالب من نوع الشال الصوفي المزهر بكل الألوان، و”الكول” المصري مع القديفة) والقديفة نوع من القماش كان يتداول بكثرة في المنطقة حتى بدايات القرن الحالي.
أما عن ملابس الرجل وأقسامها وخصوصيتها فيقول حيدو: «طراز النمر وطاقيته المخروطية البيضاء، تشبه ثلج قمم جبال كردستان، وعمامته المزركشة والملونة تدل بمعانيها على ربيع وورود وأشجار وجبال كردستان، والتوآته المتعرجة»، فالزي مستوحى من طبيعة المنطقة، التي يعيشون فيها.
وتكون أغطية الرأس عمامات لدى أهل مهاباد في روجهلات كردستان والسليمانية وهولير بباشور كردستان، وغالباً تضع النساء طاقية مطرزة ومزركشة بألوان زاهية ومزنرة بقطع نقدية من الفضة وحلي الذهب.
والتنوع في بعض الجزئيات من سمة الزي الكردي، يشير الباحث حيدو إلى جانب منها: “أزياء مناطق أبناء قبائل الكوجر شمال وشرق سوريا وباشور كردستان: تمتاز بالثوب، أو الفستان الهوليري وشدة الظهر الصفراء، وفي منطقة عفرين تكون الطاقية المرعشية، والباشناق الفضية، والفستان الكردي، وفي كوباني يكون الزي المذكور أعلاه، ذا طابع يدوي الصنع، يغزل خيوطه بالنول أو الدولاب، ومزركش بالألوان مع الحلي من ذهب وفضة”.
ويلعب غطاء الرأس لدى النساء والفتيات دوراً رئيسياً في مظهر اللباس حيث تربط مناطق الكيكان الرأس بهبرية زرقاء (غطاء رأس محلي)، ويشير صالح حيدو إلى ذلك: “أما مناطق الملان يربطون الرأس بهبرية ملونة، ومناطق عفرين يربطونه بكوفية فوق طاقية المرعشي، يتدلى فوقها باشناق فضية، وكوباني يربطونه بكوفية كبيرة وتاج فضي”.
تختلف التسميات والتصنيفات للزي الكردي حسب المناطق ومنها:
زي الرجال.. “بشم وبركيز” و”كورتك وشروال”
بصورة عامة يمكن تقسيم الزي الذي يلبسه الرجل الكردي إلى نوعين، الأول ويطلق عليه “بشم وبركيز” وهو منتشر بشكل واسع بين الكرد في كل روج آفا وباكور كردستان وأجزاء من باشور كردستان ويتألف من قطعتين من اللون ذاته، الجاكيت والسروال، ويكونان فضفاضين. ويستعمل معهما قماش يلف على الوسط ويطلق عليه “شوتك” وغطاء للرأس يسمى “جمداني”.
ويستعمل في صنع هذه الأزياء صوف الخراف والماعز بشكل حصري، وتشكل صعوبة صناعة قماشه وخياطة الزي سبباً بعدم إنتاجه في المصانع، وبقاء إنتاجه في محال خياطة الأزياء. ألوان هذا النوع من الزي محدودة وهي الأسود، والأبيض، والأزرق، والبني، والرمادي.
أما النوع الثاني والمنتشر بين الكرد في روجهلات وباشور كردستان فيطلق عليه “كورتك وشروال”. وهو أيضاً من قطعتين جاكيت وسروال وحزام للوسط مع غطاء للرأس، وهو يستعمل مختلف أنواع الأقمشة المستعملة في صناعة الملابس الغربية. ألوانه متعددة، أما تصميماته فهناك اختلاف طفيف في صناعة السروال.
زي النساء.. ألوان صارخة وبرّاقة!
تتميز ملابس نساء الكرد، لا سيما، الشائعة ببريقها ولمعانها وألوانها الصارخة، التي تسر الناظر، وتستقطب الانتباه حتى من مسافات بعيدة. فالأقمشة المستخدمة فيها مصنوعة وفق مواصفات معينة تجعل الزي الكردي النسوي فريداً من نوعه بين الأزياء الشعبية الأخرى المعروفة لدى شعوب العالم.
فأزياء المرأة الكردية تتألف في هيئتها الاعتيادية من “كراس وختان” طويلة تغطي في الغالب أخمص القدمين، وذات كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين طويلين أيضاً يسميان في اللغة الكردية بـ”فقيانة”.
وفي الغالب تخيط هذه “الدشداشة – خفتان” من قماش شفاف جداً ذي خيوط حريرية ناعمة الملمس ومطرزة بأنواع مختلفة من المنمنمات والحراشف المعدنية البراقة الشبيهة بحراشف السمك.
وترتدي المرأة الكردية تحت هذه الدشداشة العريضة ثوبا رقيقاً وحريرياً، لكنه ذو لون داكن وغير شفاف ليصبح بمثابة خلفية عاكسة للدشداشة الشفافة.
مع العلم أن الثوب التحتاني كان يخيط في السابق بشكل واسع وعريض، لكنه أصبح الآن ضيقاً طبقاً لتطورات الموضة. أما الجزء العلوي من هذا الزي فإنه مؤلف من سترة قصيرة جداً بلا أكمام لا يزيد طولها على 25 سنتيمتراً. وتخاط في الغالب من نوع خاص من الأقمشة المغطاة كاملة بالمنمنات والحراشف المعدنية البراقة بغية إضافة المزيد من اللمعان إلى الزي بأكمله.
في الشتاء تستبدل السترة بأخرى طويلة!
وفي موسم الشتاء تستبدل السترة القصيرة بأخرى طويلة تصل إلى أسفل الكعبين، وذات كمين طويلين وتحاك من الأقمشة نفسها.
وعادة ما يتم تنسيق الألوان بدقة متناهية بين لون قماش الدشداشة الرقيقة، والقميص الداخلي، والسترة القصيرة، والسروال الطويل الذي تمتد أكمامه الضيقة إلى أسفل الكعبين. والذي يُحاك في الغالب من الأقمشة الحريرية ذات البريق الساطع.
حتى تبدو لمن ينظر إلى المرأة التي ترتدي هذا الزي الشعبي بصورته الكاملة، وكأنه ينظر إلى لوحة فنية لرسام متذوق جمع فيها كل ألوان الطيف الجذابة وأبدع في التنسيق والمزج بينها. لتظهر على هيئة موزاييك يثير الإعجاب والدهشة، لا سيما إذا كانت التي ترتديه فتاة جميلة ذات قامة ممشوقة وفارعة.
أحزمة وسلاسل ذهبية لبنات العائلات الثرية!
تحرص المرأة الكردية غالباً على ارتداء زيّها الفسيفسائي الجميل في المناسبات السعيدة. وتعمد نساء الأسر الثرية إلى ارتداء الأحزمة الذهبية، التي يزيد عرضها عن عشرة سنتيمترات. والتي تصنع خصيصاً لهذا الغرض وبمبالغ باهظة، حيث تربط حول الخاصرة إمعاناً في المزيد من الجمال والرصانة.
وتمعن بعض السيدات أو الفتيات الثريات في التعبير عن ثرائهن بارتداء قبعات مطرزة بالجنيهات الذهبية “الليرة”. حيث تربط بسلسلة ذهبية غليظة تتدلى من أسفل الفك، إضافة إلى سلسلة ذهبية طويلة يتم ارتداؤها بطريقة الوشاح الذي يرتديه القضاة في المحاكم. وتحمل معها قطعاً أسطوانية مجوفة من الذهب تفصلها قطع من الجنيهات الذهبية من عيار 24 قيراطاً. أما ذوات الإمكانات المحدودة، فإنهن يستعضن عن الأحزمة الذهبية والقبعات المطرزة بالجنيهات، بأخرى تشبهها في التصميم. لكنها مصنوعة من المعادن العادية المطلية بلون الذهب أو بالإكسسوارات المشابهة.
في حين ترتدي النسوة في بعض المناطق أحزمة حريرية سميكة وذات ألوان جذابة عوضاً عن الأحزمة الذهبية.
تاريخ وأسماء الزي الكُردي
لا يوجد تاريخ محدد لتحديد الفترة الزمنية التي نشأ فيها الزي الكردي القومي، نظراً إلى أن تاريخ وحضارة الشعب الكردي قديمة جداً.
ورغم التمايز بين التصاميم من منطقة إلى أخرى، إلا أنه من ناحية المعمار يعتمد على نفس القطع، فالقطع الأساسية تتكون من الشروال (سروال). وما يميز النوع من الآخر هو طريقة الخياطة، ومن تسمياتها “مهابادي” نوع يتميز به الكرد في روجهلات كردستان، و”السوراني” الموجود في باشور، وبهديناني في منطقة بهدينان، وهناك نوعان منه نسبة إلى سكان منطقة الجزيرة ومنطقة بوطان في باكور كردستان.
فمثلا الكُرد في السليمانية يرتدون ملابس مهابادية أو بهدينانية وهكذا نفس الشيء بالنسبة إلى مدينة مهاباد، ويعد الزي الكردي رمزاً من رموز قوميتهم التي تمتلك تاريخاً عريقاً مليئاً بتراث ثري من العادات والتقاليد الجميلة، الأمر الذي جعلهم من أكثر الشعوب تميزاً عبر العصور.
إعداد/ عبد الرحمن محمد – روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=38223