السياجمانة .. تراث فني كردستاني مهدد بالزوال

عندما يُذكر أسلوب الغناء المسمى السياجمانة، يخطر في البال فورًا الجبال والطبيعة الخلابة لمنطقة هورامان، فهذا اللون الغنائي الخاص بأهالي هورامان موجود منذ القدم ، وما يزال حاضرًا ومتداولًا، ويؤكد فنانو المنطقة أن هذا النوع من الغناء هو تراث فني عظيم لكردستان ويجب الحفاظ عليه، معربين عن قلقهم لعدم وجود أي جهود جادة من قبل الجهات المعنية لحماية هذا الفن الكبير، مما يثير مخاوف من اندثاره وزواله.

هورامان تُعَدُّ واحدة من أبرز المناطق، وتمتد بين شرق و إقليم كردستان، وتتميز بخصوصيتها الثقافية والفنية من حيث اللغة واللباس والعمارة، وهو ما جعل منظمة اليونسكو تُدرج هورامان ضمن قائمة التراث العالمي في اجتماعها الرابع والأربعين للجنة التراث العالمي.

وكما تُعرَف بعض المناطق الأخرى من خلال “المقام” أو “الأنماط الغنائية” الخاصة بها، فإن هورامان تُعرف بـ السياجمانة.

الفنان بكر أحمد آوايي، وهو من الفنانين المعروفين في هورامان، يقول ” أمارس الفن منذ أكثر من 30 عاما، أملك 20 أغنية هورامية، ومن بينها أغنيتان من نوع السياجمانة، وقد احتفظت بها كأرشيف خاص بي”.

السياجمانة فن خاص بمنطقة هورامان

وحول طبيعة هذا النمط الغنائي، يقول الفنان بكر أحمد آوايي ل”روج نیوز، “السياجمانة فن خاص بمنطقة هورامان، لكننا إذا تحدثنا عنه بعمق فهو في الحقيقة فن كردي أصيل، لأنه يتقاطع مع أنماط أخرى من الغناء، يمكن القول إن السياجمانة واحد من أرقى الفنون الغنائية في العالم، كما أن السياجمانة نشأت مع هورامان، ومازالت مستمرة حتى اليوم”.

السياچمانة تعني نبع السواد

ويستعرض الفنان تاريخ هذا الفن، موضحًا، “في الماضي كانت السياجمانة تغنى مع الطقوس الزرادشتية، ثم ارتبط بأشخاص كانوا يرتدون ملابس سوداء كاملة أو يضعون غطاءً أسود حول خصورهم، وكان يطلق عليهم اسم سياجامانة، ومع مرور الزمن تطور الاسم إلى صيغته الحالية، في بعض المصادر التاريخية يُقال إن السياجمانة ارتبط بفصل الخريف، إذ يرمز (سيا) إلى السواد، و(جم) إلى مجرى المياه، أي (نهر السواد) في إشارة إلى موسم الخريف عندما تتساقط أوراق الأشجار وتجف الطبيعة”.

السياجمانة لا تغنّى في الاستوديو… مكانه المجلس

ويضيف الفنان متحدثًا عن تطور هذا النمط ومن أدّوه عبر الزمن، “في زمن الفنانين مثل مامه علي، هير، حمه جافر ورش غلام، غنّوا السياجمانة بشكل جميل، لكنه لم يكن منتشرًا كما هو الآن، ثم جاء فنانون مثل مامه حمه حسين، عثمان هورامي، صباح هورامي وقورباني خالدي، ووضعوا له إطارًا وقواعد مميزة، حتى صار كل الناس يعرفون أي من الأغاني تُصنّف ضمن السياجمانة، وصار بإمكانهم التمييز بينها، ولهذا السبب أصبح الناس يطلبون من الفنانين نوعًا محددًا من السياجمانة، لكن من المعروف أن السياجمانة لا يُغنى في الاستوديوهات، بل في (المجالس)، فإذا دُعي فنان لأداء السياجمانة في استوديو فلن يستطيع تقديمها بشكل مباشر، بل يحتاج إلى أكثر من نصف ساعة من الغناء والاندماج قبل أن يؤديها بأصالتها”.

السياجمانة نوعان: المرتفع القوي والجبلي

ويتابع الفنان شارحًا أنماط السياجمانة، “للسياجمانة قسمان: الأول (السياجمانة المرتفع القوي)، ويُغنّى بصوت عالٍ عندما يذهب الناس في الربيع إلى المراعي والجبال للنزهة، حيث كانوا ينادون بعضهم البعض من بعيد بأغاني، أما النمط الثاني فهو (السياجمانة الجبلي)، حيث يُغنى داخل المجموعات الفنية ويحتوي على نغمات ثقيلة وإيقاع أعمق”.

السياجمانة لا يستخدم الموسيقى

ويشير الفنان إلى خصوصية هذا اللون الغنائي “عندما تغنى السياجمانة في المجالس، قليلون فقط يمكنهم غناؤه لأكثر من ساعة متواصلة، حتى كبار المغنين يجدون صعوبة في ذلك، وقد حاول بعض الموسيقيين دمج الآلات الموسيقية معه، لكنهم لم ينجحوا لأن اللحن بعيد جدًا عن طبيعته الأصلية، فالسياجمانة فن يعتمد على الصوت البشري فقط دون موسيقى، وهو في الأصل كان يُغنّى في فصل الخريف عندما ينتهي الناس من أعمال الزراعة ويعودون إلى بيوتهم، فيغنون السياجمانة في مجالسهم”.

هناك خطر على هذا الفن ويتجه نحو الزوال

وبنبرة يشوبها القلق، يقول الفنان بكر أحمد آوايي “هذا الفن بدأ يختفي، بسبب بعض الفنانين الذين بات جل اهتمامهم هي الأموال، فشوّهوا أصالته،  للأسف بعض الفنانين الهوراميين لا يعرفون حتى معنى الأغنية الهورامية أو خصوصيتها، وهذا خطر كبير، هناك فنانون كبار في السن أدوا السياجمانة، لكن بسبب كبر سنهم بدأت أصواتهم تخبو، لم يبقَ سوى عدد قليل من الفنانين يؤدون هذا الفن بالشكل الصحيح، أخشى من اختفاء السياجمانه  بعد رحيل هؤلاء، إلا إذا قام أحدهم بجمعه وأرشفته”.

شخصيًا جمعت 118 أغنية من نوع السياجمانة في أرشيفي الخاص، وربما تبقى محفوظة في منزلي حتى بعد رحيلي، لكنني لا أعلم إن كان أبنائي سيدركون قيمتها أم لا، خاصة أن الدولة لم تقدم أي دعم لحماية هذا الفن العظيم”.

السياجمانة تراث كردستاني عظيم يجب أن يبقى للتاريخ

ويختتم الفنان حديثه قائلاً، “من الضروري أن تتدخل الجهات المعنية ليس في هورامان فقط، بل في كل كردستان، لجمع وأرشفة هذا التراث الفني العظيم، لدينا مديرية ثقافة في هورامان، وكان يفترض أن تعمل على هذا الموضوع لكنها لم تقم بأي شيء، نحن بحاجة إلى مركز فني في هورامان يُعنى بالمسرح أو الغناء أو الفنون الأخرى، وعندها نستطيع النجاح ونملك أرشيفًا حقيقيًا، لدينا مثلًا أغنية غناها عثمان هورامي ما زالت ممنوعة من النشر حتى اليوم، لذلك لا بد من حفظ فن السياچمانة وأرشفته، لأنه تراث عظيم لكردستان ويجب أن يبقى للتاريخ”.

المصدر: روج نيوز

Scroll to Top