الثلاثاء 26 آب 2025

الشاعرة هيفي بروارى ورحلة ماني

إن الانتقال الفكري المتطور يعطي لكل شيء معنى
رحلة ماني أم رحلة هيفي ؟
  ج / 24   عصمت شاهين الدوسكي 
* القصيدة ترجمة الشاعر بدل رفو
أي نص أدبي یوضح بجلاء تداعیات ذلك النص بإیحاء أو رموز أو نموذج خاص تمد النص بالحركة ، فلا بد من فعل مؤثر فكریاً وعاطفیاً كي تنطلق في دوران التخیل والتأویل ، ولكي یدوم ھذا النص المدة التي یحیى مؤثراً ، وھذا یعتبر خلق كیان نصي كامل ، وإن كان بناء وعي تدریجي ، یوحي للقراءة ویعتمد على فترة زمنیة یكشف من خلالھا قراءة متجددة ، وكأن النص یكتب نفسھ ، وإن كان الكاتب واسطة فترة النص الزمنیة ، وأحیاناً یتحرر من كاتبھ ویحقق كیان خاص بت ، ومتمیز في المجال الأدبي الذي یخلق عن رؤى مختلفة عن الواقع ، الأدیبة الشاعرة ھیفي بروارى من الأدیبات اللواتي بدأن في كتابة الشعر في الثمانینات وشاركت في عدة مهرجانات شعریة وكتبت في عدة مجلات وصحف كردیة ، وزادت خبرتھا أثناء عملھا سنوات عدیدة في تقدیم برامج أدبیة وقصائد في إذاعة بغداد القسم الكردي وشاركت في نشاطات عالمیة كممثلة لكتاب الكورد وعملت كمراسلة صوت أمریكا القسم الكردي وفي رادیو برلین القسم الكردي ولھا عدة دواوین وكتب في الآداب المختلفة ، هذه  التجارب والآداب الزاخرة في مختلف الآداب السمعیة والمرئیة والأدبیة عززت استقلاليتها  الفكریة والشخصیة ، الذي ساعدھا في أي عمل فعال ومثمر ، قصيدتها ” رحلة ماني ” التي ترجمھا الأدیب المبدع ” بدل رفو المزوري ” أضافت نموذجاً لما ھو غیر موجود ” العدل – الحق – الحریة ” فالحریة الموجودة لیست الحریة التي تخلق مبادئ قیمة بل الحریة التي توافق كلمة نعم ، ومن خلال الصور الإیحائیة خلال ” رحلة ماني ” وكأنھا وظیفة اجتماعیة یجب تداركھا لأنھا تستند إلى مبادئ راقیة وقیم إنسانیة باختلاف عن القضیة العلمیة التي أحیانا تبتعد عن العالم الواقعي ، وإن كان الإیحاء من عالم غیر محسوس ولا ملموس ، ولھذا السبب لا یأتي إلا عن طریق فعل نص أدبي یسمح لھ بالوجود ، الشاعرة ” ھیفي برواري ” بشكل ، مضمون المتمیز في ” رحلة ماني ” صورھا الشعریة الإیحائیة ، تخبر بشفافیة عبر ” لیلة لیلاء – أقبلت – أتیت أمشي الخیلاء ” صور تعود بالقارئ إلى واقع الرحلة ، فتربط الحاضر والمستقبل بالمعرفة والوعي والإدراك ، . وتقرب النموذج الضمني المعني للذهن لتؤكد الحقیقة الموضوعیة المستقلة للعدل والحق والحب والحریة في لیلة لیلاء )) وبفؤاد من دون حدود أقبلت على أبوابك وأمام قامتك الشامخة الحقیقة تراتیل صلاة واتیت أمشي الخیلاء على دروبك بعلو أبراجك الشامخة (( مرفوع الھامة إن الانتقال الفكري المتطور یعطي ، لكل شيء معنى ، یتمكن من خلالھ ، یثبت رغم التناقضات والمعاناة والمكابدات عالم كل شيء فیھ لھ معنى ، وكأن الجذور تمتد إلى أصلھا ، مما یدل أن الوظیفة الشعریة لیست ظھور صور شعریة تمد الآخر بالجمال والحب بل تتخذ موقف عام للوعي ، مضافاً إلیھ بھجر العالم لینسحب إلى مكان خارج العالم ، ویسحب معھ لیكشف لنا وجود الحضور الزمني المعتدل حتى لو كانت الرؤیة تجاهها سلبیة أم ایجابیة ، الشاعرة ھیفي بروارى تكشف الأطر الزمنیة بأحداث فكریة وعاطفیة ، وتحلل الخطوب التي كانت متراكمة ، وھي النبع الذي یمد الصورة الشعریة بالبطولة وفي نفس الوقت الوھن الفكري ” أحیاء خمد نورھا – أعمالھم الغراب – أیامك الملقاة في الزنزانة – جسورك المتكسرة – أنهارك الغارقة  بالهموم ” تنجز من خلال هذه الصور الشعریة فعل التراكمات المنكسرة وتفسر الصلة بین أن یكون أو لا یكون ، وھي حالة من الدراما النصیة ، وكأنھا تجلي ” رحلة مانى ” على أرض الواقع ، وتلھم الفكر وتثیر التصور وتحي الخیال ، إن . تجدید وتجسید هذه الصور تكریس للزمن ، وبیان المعاصرة الزمنیة بأسلوب شعري لا یضمن الجدل بل المأساة وفي كل زوایا أزقتك )) التي كستھا الثلوج والأحیاء التي خمد تنورھا وأطفالك ینعق في أعمالھم الغراب وانطلقت تحت سماء لیالیك التي فیھا ألق نجومھا وأیامك الملقاة في الزنزانة حتى النهاية  (( وأنهارك الغارقة بالهموم إن المأساة كتبت والبحث المستمر بین ثنایا الرموز عن خیط یثیر الحركة والفكر في الحیاة ، توحي إن العقل الواهن لا یقدر ما موجود ، ولا مؤثر في إقامة العدل وتجسید الحق وبسط الحریة والازدهار والفرح والسرور عبر رموز مختلفة المعاني  والمفاهيم ومنھا ” عبدال زیني ” وھو مغني كردي كلاسیكي یغني في دواوین العشائر والأغوات ، وماذا عن الفقراء والبؤساء والبسطاء ؟ إن الجلیة الاجتماعیة بالذات تبرز كرمز زمني وطاقة فنیة في الرحلة إلى الوصول لنھر ” مونزر ” وھو نھر معروف في مدینة دیرسم الكردیة في شمال كردستان تركیا ، ومن القھر والظلم رموا فتیات أنفسھم في ھذا النھر ، انتحرن الفتیات لیحافظن على شرفھن ، ھذا الشاهد الشعري یدعم عمق الإلهام المؤثر عند الشاعرة ھیفي بروارى ، والقدرة على فھم جوھر البشریة ، هذه التقنیة الدرامیة العاطفیة في الشعر نقدیة ، من خلالھا تبرز  مفاهيم المنطقة الزمنیة التي تتجسد على مر الزمن المعاصر بأشكال عدة ، وعندما نصل في الرحلة إلى ” بدلیس ” وھي مدینة عریقة كردیة في تركیا ، عاصمة أمراء الكورد مسقط رأس أول مؤرخ كردي ” شرف خان البدلیسي ” أول من كتب تاریخ كرد وكردستان ، وھي صورة تاریخیة لمظاهر التطور الفكري ، الزمني في مرحلة تاریخیة ، تحول ضمني من الانكسار إلى الارتقاء الواعي ، ھذا التحول یواجھ العالم ، یشد أزر المستقبل . بعبور الأزمات والنكسات والجھل والفقر البشري بحثت عن فصولك )) المسروقة من التقاویم ” ومواقد سمر التي ھجرھا ” عبدال زینى ” وفي خضم أمواج نھر ” مونزر  ” وفي خضم أمواج نھر ” مونزر بحثت عن عذریة الفاتنات اللواتي لم تسعدن بلیلة الدخلة على إیقاع الأغنیة الجریحة ” بحثت في حجرات ” بدلیس (( واحدة تلو الأخرى ھذا البحث المستمر مھم بین الشاعرة والإنسانیة ، بین الشاعرة والتاریخ ، بین الشاعرة والرمز العدلي ، إن  هذه الموهبة الشعریة الفنیة قادرة على تحقیق التفسیر الإلهام والضمني للفعل الزمني المؤثر ، بغض النظر عن الآراء المختلفة عند البشر في الرؤیة والتحلیل والتأویل ، فالشاعرة ” ھیفي بروارى ” لا تصدر من موقعھا الفكري والعاطفي والحسي حكماً على الفهم لا واعي بل تحاول أن تحدد  الفهم لا واعي إلى مدرك واعي ، من خلال الجمالیة الفكریة الزمنیة الشعریة والرموز المختلفة بما یتضمنھا من انكسارات ومأساة وارتقاء ، یجذب الوعي الإنساني ، حتى وإن كانت الشاعرة تماثل نفسھا في الرحلة المانیة ” أصبحت مانیاً ” فالفكر والروح والقلب یمیل للسلام والعدل والحب . والحریة أینما كان ، وھي رؤیة زمنیة مضت مع الرحلة لكنھا تتجدد كل زمن عصري متطور على إیقاع ذلك اللحن الحزین )) تجولت ، لكون كلماتي من نار لم یعثر لھا على جواب فأصبحت حلاجاً لأن جغرافیة رحلتي كانت بلا حدود (( فأصبحت مانیاً ، أصبحت مانیاً وھنا یجد القول إن كانت العاطفة ، الفكر ، المحرك البشري لدى الشاعرة ” ھیفي بروارى ” یكتفي في تطویر الوعي فانھ لا یخیب القارئ حینما یصور ما یفھم ، وطریقة التصور والتخیل ھي التي تشیر إلى عمق الفهم والوعي المدرك للأشیاء ، كما تشیر إلى القدرة على صیاغة العدل والحب والحق والحریة في عملیة تحویل رمزیة وفكریة من خلال الرحلة المانیة ، الهيفية ، وتعد بناء فكر لا تشویھ شائبة ، بتجلي ” ماني ” مؤسس للدیانة المانیشیة ، ظھر في القرن الثالث ، وھذه الدیانة خلیط من الدیانات البوذیة والمسیحیة والزرادشتیة ، منتشر في الشرق الأوسط ، قتل ” مانى ” بید كهنة الزرادشتیة ، تكشف الرحلة براعة الشاعرة ” ھیفي بروارى ” من الاستهلال الشعري الذي بدأت فیھا ” في لیلة لیلاء ” وكأنھا رحلة حلم زمنیة ،إلى الانكسارات والمعاناة والارتقاء بشواھد ورموز داعمة للرحلة شكلیاً ، وللمضمون النصي جوھریاً ، حیث تترك تساؤلات وإعجاب مشدود للصورة الشعریة الخلاقة والمبدعة فكریاً ، نفسیاً ، عاطفیاً ، لتشمل قدریة رحلة الإنسان العامة .