الثلاثاء, يوليو 2, 2024

الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي.. نصير الحق وصوت الحرية

القسم الثقافيرئيسي 1

إعداد/ عبد الرحمن محمد

كان العاشر من أيار وما يزال شاهدا على الخطوة الأولى في جريمة إنسانية وأخلاقية، بل ووصمة عار في جبين الشوفونية البعثية، التي كانت وما تزال تحكم بالحديد والنار، ورغم أنها لم تجلب إلا الدمار للبلاد والعباد، إلا أنها ما زالت تتشدق بالحرية والمساواة والحقوق، في سياسة أصدق ما يمكن أن يقال عنها، إنها منفصلة عن الواقع.
تلك الخطوة كانت حادثة الاعتقال التي اعتقلت فيها سلطات دمشق الأمنية وقتها الدكتور “محمد معشوق الخزنوي” ضمن “مركز الدراسات الإسلامية بدمشق” الذي كان يشغل فيه محاضراً ونائباً للرئيس.
الاعتقال جاء بعد ستة أيام من إلقائه كلمة وصفت بالنارية كرر فيها انتقاده لتصرفات قوات الأمن وحكومة دمشق وتعاملهم مع الأحداث، التي جرت في ملعب مدينة قامشلو في الثاني عشر من آذار 2004، والتي تحولت لانتفاضة كردية، قابلها الأمن والجيش السوري بإطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتل العشرات منهم، إضافة إلى اعتقال الآلاف وقتل عدد منهم تحت التعذيب.


تكثيف الخزنوي نشاطه بعد أحداث 12 آذار عام 2004 عبر إلقاء الخطب في المساجد واللقاءات التلفزيونية، والندوات وزيارات لخارج سوريا، وإجرائه سلسلة لقاءات مع وسائل إعلامية، إضافة إلى انضمامه إلى منظمات تعني بحقوق الإنسان مركزا على الدعوة إلى الحقوق الكردية، والدفع لمناهضة سياسة الظلم والاضطهاد المفروضة على الكرد كل هذا كان يقلق السلطات الأمنية ويربكها. وأصبحت مقولاته الشهيرة (لن نسمح بعد اليوم بأن تنسونا شهداءنا)، (يجب أن نحول الموت إلى حياة)، (إن الحقوق لا توهب صدقة إنّما الحقوق تؤخذ بالقوة) اليوم تاريخاً.
كان الشيخ معشوق يدعو في خطبه، حكومة دمشق إلى الاعتراف بالهوية القومية الكردية كثاني قومية في سوريا دستورياً، وتعزيز المشاركة الإدارية للمجتمع الكردي في سائر ميادين الحياة، والاعتراف باللغة والثقافة الكردية وتطويرها وتعزيزها وإعادة الجنسية للمجردين منها: «العرب والكرد يشكلان معاً وحدة أخوية متكاملة ضمن النسيج السوري، ويتحملان معاً واجب الدفاع عن وحدة التراب السوري، وحضارته وإنجازاته عبر التاريخ، ولهما الحقوق نفسه في المواطنة، التي ينبغي أن تتغلب على أيّة صيغة أخرى».


كانت مجمل مواقف (الشيخ الخزنوي) وخاصة خطبته في الثامن من أيار 2005  سببا في اعتقاله، بل اختطافه في العاشر من أيار 2005 في دمشقَ من عناصر من جهاز (المخابرات السورية) قاموا بمداهمة مقر إقامة “معشوق الخزنوي” بدمشق الذي كان داخل مركز الدراسات الإسلامية بساحة الميسات بجانب وزارة الأوقاف، ومن ثم تسليمه إلى فرع المخابرات الجوية، الذين قاموا بنقله إلى سجن صيدنايا قرب دمشق وجرى كل ذلك بسرية تامة.
بعيد إعلان تسريب الاختطاف خرجت مظاهرات بمدينة قامشلو مسقط رأس الشيخ، وانتقلت لعدة مدن سورية وخارجها، وطالبت السلطات والجهات الأمنية بالخطف وطالبوا بالإفراج عنه، كما أدانت منظمات حقوقية عالمية وأحزاب سياسية ودولٌ الاختفاء القسري للشيخ وطالبوا بالإفراج الفوري عن الشيخ المختطف، بيد أنّ السلطات السورية لم تستجب للدعوات، لا بل شنت حملات اعتقال في صفوف المتظاهرين، كان منها مطاردة المحتجين من دوار المحافظة في دمشق المكان المقرر للتظاهر إلى ساحة باب توما وتفريق الجموع بالقوة في 30 أيار 2005.


لامتصاص غضب الشارع سربت السلطات الأمنية خبر الاعتقال إلى الجماهير، وبينت أنه بخير وسيفرج عنه قريبا، كما أصدر محمد حبش النائب في البرلمان والذي يدير مركز الدراسات مع الشيخ الخزنوي بياناً دعا فيه المحبين والأصدقاء والجماهير للدعاء للشيخ الخزنوي حيث يلاقي مصيرا مجهولاً في قبضة جماعة إرهابية. كان بيان محمد حبش وما تلاه من تقارير عن تولي الإدارة العامة للأمن الجنائي للقضبة كالصاعقة، بينما تم إغلاق مركز الدراسات الإسلامية بدمشق دون توضيح أسباب ذلك.
شهادة طبيب في مشفى تشرين العسكري، حصل عليها مركز توثيق الانتهاكات كشفت أنّ (السلطات الأمنية) نقلت إليهم (معتقلا برقم خاص) بتاريخ 28 أيار 2005، وأنّه تعرف عليه، أنّه (الدكتور معشوق الخزنوي)… الطبيب لم يؤكد أنّه عاينه، ولم يحدد سبب نقله إلى المشفى، والتعجل في إخراجه…. “غادر وهو على قيد الحياة رغم الحالة السيئة والمنهكة التي كان عليها….”.
في 31 أيار 2005، تم استدعاء نجلي الشيخ الخزنوي المختطف مراد ومرشد إلى مقر الإدارة العامة للأمن الجنائي، قبيل منتصف الليل بحجة أن الشيخ مختطف في مكان مجهول، لمساعدة الإدارة في الوصول لبعض الحقائق على حد زعمهم، وتوجهوا بعد ذلك برفقة عدة سيارات وعناصر من الإدارة إلى جهة مجهولة.
فيما بعد وفي السادسة صباحا تبين أن وجهتهم كانت مدخل الكراجات في مدينة دير الزور، ثم استمر الموكب في طريقه بضع أمتار خلف الكراجات حيث المقبرة، وحيث سيارة دفع الرباعي وقبر من الإسمنت المسلح مفتوح من جانبه من ناحية القدم وجثمان الشيخ الخزنوي مقتولا بجانب القبر.
وسلمت جثة الشيخ مرفقة بتقرير (سماعي) أنّه كان مدفوناً، وأنّ “إكرام الميت دفنه” وكانت شهادة نجليه “القبر كان مفتوحاً قبل وصولنا…. جثة والدنا لم تكن في القبر وإنّما كانت ممددة بجانبه، كانت بحالة جيدة وغير متسخة ولا متفسخة… كانت هنالك علامات تعذيب وتشويه واضحة على الجثة”.
بتاريخ الثاني من حزيران 2005 أجرى التلفزيون الرسمي السوري لقاءً مع ثلاثة ممن ادعى بتورطهم في عملية خطف وقتل الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي.  وكانت بمجملها مسرحية فاشلة وخارجة عن المألوف في مثل هذه اللقاءات، كان لقاءً أسقط القناع عن المجرمين الحقيقيين وفشل في تمثيلها المذيع والمجرمين المفترضين (محمد مطر عبد الله، ياسين مطر الهندي،…).


في الثاني من حزيران وبعد إذاعة التلفزيون السوري لتلك المسرحية وفي اليوم الأول لمجلس العزاء الذي احتشد فيه الآلاف قرأ الشيخ مرشد بيان العائلة التي حملت وبشكل وواضح وصريح مسؤولية اغتيال والدهم للسلطات السورية، معتبرين أنّ من أخرجتهم الحكومة على تلفزيونها ما هم إلا أدوات تريد السلطات الأمنية من خلالهم إبعاد المسؤولية عنها.
بعد عشرة أيام تم استدعاء نجلي الشيخ إلى دمشق أمام قاضي التحقيق الأول مع منع محاميهم من الحضور والاطلاع على ملف القضية، والاكتفاء بحضور المحامي رياض طاووس طالب الشيخ مرشد الخزنوي برفع القضية ضد شخصيات رئيسية في النظام، لكن لم يسمح لهم بذلك واكتفت المحكمة بقبول تنصيب نجلي الشيخ الشهيد أنفسهم مدعين على المجرمين الافتراضيين الثلاثة، فيما تكشفت دلائل جرمية عديدة بعد ذلك أثبتت مسؤولية السلطات الأمنية وعلى مستوى عال عن الجريمة، وانهم ضالعون فيها حتى النخاع.

المصدر: صحيفة روناهي

 

شارك هذا الموضوع على