الطريق نحو التسوية السياسية.. فرص السلام ومزالق الصراع

محمد شيخموس

مع انسداد الآفاق أمام الدولة التركية وعدم تمكنها من كسر إرادة حزب العمال الكردستاني عسكرياً وفشلها في الخيار العسكري، ودخول المنطقة في مرحلة التغيرات الجيوسياسية، وخشية تركيا من أن تطالها هذا التغيير الذي بات حتمياً، بالإضافة إلي تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وملف القضية الكردية الذي بات عصياً على الحل العسكري، وما يستتبع ذلك من مخاطر تهدد بنية الدولة التركية ظهرت بعض البوادر من قبل زعيم الحركة القومية التركية المتطرفة دولت باخجلي وبصفته أحد أعضاء الدولة العميقة في تركيا، حيث دعا لإيجاد حل للقضية الكردية في تركيا وتوافق أردوغان مع هذا الطرح، وعلى إثر ذلك فتحت الدولة التركية باب التفاوض مع السيد عبدالله أوجلان وقد تمخض عن هذا التفاوض الماراثوني مبادرة السلام التي طرحها السيد أوجلان، مما حدا بحزب العمال الكردستاني إلى عقد مؤتمره الثاني عشر الذي أقر فيه بحل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح، وفي حقيقة الأمر إن pkk ومنذ نشأته لم يكن الكفاح المسلح مدرجاً في برنامجه، بل كان النضال السياسي الديمقراطي، ولكنه لجأ مضطراً إلى إعلان الكفاح المسلح تحت الإبادات والقتل الممنهج الذي مارسته الدولة التركية منذ مطلع الثمانينيات، والانقلاب العسكري الذي حصل بقيادة الجنرال كنعان ايفرن ومورس بحق كردستان سياسة الأرض المحروقة، حيث تحولت كردستان إلى أرض منكوبة ودمرت أكثر من أربعة آلاف قرية على رؤوس ساكنيها.

لقد لاقى قرار إنهاء الكفاح المسلح من قبل حزب العمال الكردستاني تأييداً دولياً وإقليمياً وكردستانياً واسعاً، وبهذا يكون هذه المنظومة قد دخلت مرحلة جديدة من الكفاح السياسي الديمقراطي السلمي المتعدد الأشكال، وحقيقة الأمر أن هذه المنظومة قد أوصلت القضية الكردية إلى مرحلة متقدمة وأخرجتها من الدائرة المحلية الضيقة (كمسألة داخلية) – كما كان يرددها غاصبو كردستان – إلى قضية عالمية، والسؤال المطروح هل ستترجم الحكومة التركية أقوالها إلى أفعال، وهل تفي بوعودها بالاعتراف بالقومية الكردية وإجراء تغييرات دستورية من شأنها أن تزيل المفاهيم العنصرية البغيضة والأحلام الإمبراطورية بعد أن حوصرت بمجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية من سياسية واقتصادية وملف ليرتها المنهكة وسجلها الأسود لحقوق الإنسان ورعايتها للإرهاب الداعشي وأخواتها من الفصائل السوركية المرتزقة؟

الدولة التركية مازالت تعتبر التنوع القومي تهديداً لأمنها القومي، والقومية الكردية بحد ذاتها تعتبر تهمة للمواطن الكردي، لذلك ستبقى إشكالية نزع السلاح من قبل pkk مقابل إصلاحات دستورية في دولة قمعية استبدادية مثل تركيا، ستبقى هاجساً في ظل غياب الضامن الدولي وتكريس ثقافة الثقة المتبادلة، والمادة ٦٦ من الدستور التركي من الفصل الرابع يكشف بجلاء العقلية الطورانية العنصرية والتي تتضمن: “كل من يرتبط بالدولة التركية برابط المواطنة يعتبر تركياً”، وهذا البند لوحده كاف لطمس معالم الهوية القومية الكردية وكل الهويات القومية غير التركية.

السيد أوجلان أشار، بل وأكد في رسالته أن الجزء الأكبر من القضايا المتعلقة بالقضية الكردية تحل في أروقة البرلمان التركي، فليس من السهل قراءة تفكيك حزب العمال الكردستاني لنفسه كتحول استراتيجي نهائي بقدر ما يمكن اعتباره كتحول تكتيكي جاء في لحظة أصبح من الضروري تغيير سياسته كجزء من تفاهم أوسع على ملامح الحل السياسي وفق مبدأ التشاركية في إدارة الدولة التركية ويصون الهوية القومية للشعب الكردي، ويبدو أن منظومة حركة حرية كردستان تقرأ المشهد السياسي في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وتجيد بل وتستوعب قانون نفي النفي بشكل دقيق تطبيقاً وممارسة.

أما إيران فكيف ستواجه كل هذه المتغيرات في حين ترى أن الكرد في باشور وروج آفا وشمال كردستان قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة أي في الأجزاء الثلاثة من الدول الغاصبة لكردستان، وبقيت وحيدة في الساحة، فكيف ستواجه رياح التغيير وكيف ستتعامل مع ملف القوميات الساكنة بين ظهرانيها من الآذريين والكرد والبلوش والعرب؟ فإذا لم تبادر من تلقاء نفسها إلى إيجاد حل جذري كالحل الفيدرالي مثلاً فستتحول إلى أحجار دومينو وينقلب أعاليها إلى سافلها، وقد أشار القائد الكردي أوجلان في رسالته إلى أهمية تمتين أواصر الصداقة مع الشعب الآذري، وهذه رسالة بالغة الأهمية.

Scroll to Top