الجمعة, نوفمبر 22, 2024

القراءة باللغة الأم.. إحياءٌ للشعوب وإغناءٌ لثقافتها

روناهي/ الدرباسية –
رأى عدد من هُواة القراءة، أن القراءة تعدُّ الغذاء الأساسي لدماغ الإنسان، كما أشاروا إلى أن القراءة باللغة الأم، لها وقع خاص على الإنسان، فهي تُرسخ ثقافة الشعوب، وتُشعره بانتمائه إلى أمتهِ.
تعدُّ نسبة القراءة في المجتمعات معيارا دقيقاً لدرجة تطور المجتمع، لأن الكتب هي المصدر للمعلومات، والأقل عرضة للتشويه والتزوير.
وعلى الرغم من أن القراءة باللغات المختلفة تعدُّ ذات أهمية كبيرة، وذلك للتعرف على ثقافات، وحضارات الشعوب المختلفة، إلا إن القراءة باللغة الأم، تبقى هي الأساس في تمتين ثقافة الشعوب، ومن خلال ثقافتها، المحافظة على وجود هذه الشعوب.
اللغة الكردية أساس وجود الكرد
وحول هذا الموضوع، التقت صحيفة روناهي الكاتب والشاعر دليار أوسي الذي حدثنا قائلاً: “إن القراءة، بالنسبة لمن يوليها أهمية في حياته، تعدُّ كالأكسجين، وكالطعام والشراب، حيث لا يستطيع العيش مستغنيا عنها. القراءة: هي الأساس في التطور بشكل عام، لا سيما في عصرنا هذا، حيث تتعدد العلوم وتتطور المعارف، لذلك، يتحتم على الإنسان أن يكون مُلما بكافة المواضيع والعلوم، والأساس الصحي لإلمام الإنسان بما حوله هو القراءة”.
وتابع: “بالرغم من كل ما تحدثنا عنه آنفا، إلا إن الأهمية القصوى، وكذلك المتعة القصوى، تكمن في القراءة باللغة الأم، حيث يستطيع المرء تحليل وتفسير وشرح كافة الظواهر المحيطة به، الأمر، الذي يجعل عملية نقل المعلومات وشرحها للمجتمع، عملية سلسة وأقل تعقيدا، وانطلاقا من هذا الأساس، نرى افتتاح العديد من المدارس والمعاهد والجامعات، التي تُولي اهتماما كبيرا بضرورة التعلم والقراءة والكتابة باللغة الأم، ضف إلى ذلك، اهتمام علماء وفلاسفة العالم بهذا الجانب، الأمر الذي سهل عليهم الوصول إلى اكتشافاتهم واختراعاتهم”.
أوسي أضاف: “نلحظ ازدياد غير مسبوق في نسبة القُراء، ونلتمس ذلك من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر، حيث ظهرت العديد من المراكز والحركات الثقافية في المجتمع، وتعدُّ هذه الحركات قنديلا يضيء عتمة الشعوب، أي إننا أحرزنا تقدماً ملحوظاً في هذا الاتجاه، لا سيما وقد كنا، نحن الشعب الكردي، نفتقر إلى وجود مطابع ودور نشر، تنشر باللغة الكردية، لأن الحركات الثقافية التي كانت موجودة كانت بلغات أجنبية، ولا سيما اللغة العربية، ما شكل عائقا كبيرا أمام الأدب والثقافة والتراث الكردي. ولكن اليوم بتنا نلتمس تغييرا جذريا من خلال ارتفاع نسبة القُراء، وخاصة الشباب، الأمر الذي كان نادراً ما يُرى في السابق، حيث بتنا نرى اجتماعات واسعة، تُناقش المواضيع الأدبية، وخاصة القراءة، من خلال البحث عن الأعمال الجديدة للكُتاب، وكذلك مناقشة مضامين الكتب التي تتم قراءتها”.
مُضاهاة الأدب العالمي
دليار أوسي زاد: “لم يعد بإمكان أحد النظر باستخفاف للأدب الكردي، حيث إن الأدب الكردي، بات يُضاهي الأدب العالمي الشهير، كالأدب الروسي، والألماني، والأدب العربي، والأدب في أمريكا اللاتينية، وقد استطاع الأدب الفرنسي أن يحجز له مقعدا في صفوف الأدب العالمي، من خلال إيلاء القراءة باللغة الأم، أهمية بالغة، حتى استطاع الفرنسيون، تحقيق ما حققوه في مجال الأدب، ونحن اليوم ككرد، استطعنا أن نخطو خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، حتى على مستوى التكنلوجيا، ولم نعد نواجه تلك المصاعب التي كنا نواجهها في السابق، فكُبريات المنصات العالمية، مثل غوغل وغيره، قاموا بإضافة اللغة الكردية، وبمختلف لهجاتها، أضافوها إلى قائمة لغاتهم، وهذا دليل واضح على التقدم الملحوظ، الذي أحرزه الشعب الكردي في هذا الاتجاه، والسبب في ذلك، يعود إلى استمرارية القراءة والكتابة باللغة الكردية، أي أن تقدم اللغة الكردية، يعتمد على إصرار الشعب الكردي على الحفاظ على لغته الأم”.
الكاتب والشاعر دليار أوسي اختتم حديثه عن اللغة: “العديد من الأدباء والشعراء، الذين ينحدرون من أصول كردية، كأحمد شوقي، وسليم بركات، وغيرهم، تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ الأدب والشعر، ولكن، ومع كل الأسف، لم يستطع هؤلاء الشعراء والأدباء، ان يُنتجوا إبداعاتهم بلغتهم الأم، الإتيان على ذكر هذه النقطة لا يُعدُّ نقداً أو تجريحاً، بل أنه أسف وحسرة، فلو سُنحت لهم الفرصة، لأوصلوا الأدب الكردي، إلى العالمية بجدارة. ولكن، وبالرغم من تلك النكسات، إلا إننا نعيش اليوم فرصة جديدة وحقيقية لإعادة إحياء الأدب الكردي، والعمل على المحافظة عليه، والسبيل إلى ذلك يكمن في الاهتمام بأدب الطفل، حيث إن أدب الطفل يعني تأسيس الطفل على أساس التمسك بالأدب الكردي، والسعي الدائم لتطويره”.
تأثير القارئ في المجتمعات
في سياق متصل، قالت الإعلامية الشابة، برفين متيني، لصحيفتنا: “إن تأثير الإنسان القارئ ملحوظ في مجتمعاته، فالإنسان، ومن خلال القراءة، يستطيع التأثير في الاتجاه العام لسير المجتمعات، فمن خلال القراءة، ومن خلال المعلومات، التي يستقيها من القراءة، يكون الإنسان فعالا في مجتمعه، ويتمكن من معالجة كل القضايا التي تواجه المجتمع من خلال طريقة تعامله الحكيمة معها. ولا ترتبط القراءة بعمر معين أو بفئة محددة، لذلك، الإسراع في البدء بالقراءة منذ الصغر يعدُّ ذات تأثير إيجابي مضاعف، لأن عقل الإنسان ورقة بيضاء، ومن خلال علومه وأفكاره يقوم بملء هذه الورقة، وكلما بدأ الإنسان بالقراءة بعمر أصغر، يكون بإمكانه تدوين معلومات صحيحة ونقية في تلك الورقة البيضاء (دماغه)، ولكن هذا لا ينفي أهمية البدء بالقراءة في مراحل متقدمة من العمر، لأن فوائد القراءة متجددة دوما، ولا يمكن أن تتوقف عند أي زمن”.
وأكملت برفين: “من جهة أخرى، يلعب المحيط دوراً هاما في اهتمام الإنسان، لا سيما الطفل، بالقراءة، حيث يتوجب على الأهل، وكذلك المدرسون والمدرسات، يتوجب عليهم تشجيع الأطفال على الاهتمام بالكتب، من خلال إظهار أهمية القراءة للطفل، حيث إن القراءة هي بمثابة الرياضة بالنسبة للمخ، تعيد تنشيط وتجديد خلايا دماغ الإنسان، وتجعله في حالة نشاط دائم”.
وأردفت: “لا يمكن إنكار إيجابيات القراءة بشكل عام على الإنسان، ولكن، القراءة باللغة الأم هي ذات خصوصية عالية لدى الإنسان، فهي تفتح الطريق أمام الفكر الإبداعي للإنسان، والذي يفتح الطريق أمامه لتطوير مجتمعه والعمل على عكس صورة المجتمع أمام الشعوب الأخرى، من خلال أعماله الأدبية، التي تكتسب أهمية خاصة، لأنها جاءت بلغته الأم، وهنا تكمن أهمية التركيز على القراءة باللغة الكردية، والتي ستسمح لنا بالحفاظ على وجودنا على إرثنا وعلى مستقبل أطفالنا”.
الإعلامية برفين متيني أنهت حديثها بالقول: “من خلال القراء، نستطيع تقيم كافة أعمالنا التي نقوم بها خلال يومنا، فهي التي تُحدد ما إذا كانت هذه الأعمال مفيدة بالنسبة لنا كأشخاص، وأيضا كشعوب، أم إن ما نقوم به ينعكس سلبا علينا، لذلك يجب إيلاء أهمية قصوى للقراءة، لا سيما القراءة باللغة الكردية، من خلال تأمين أكبر عدد ممكن من الكتب، وكذلك افتتاح المكتبات العامة، التي تستقطب الشباب للقراءة”.

​الثقافة – صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية