بير رستم
قوات سوريا الديمقراطية “قسد” باتت إحدى أهم القوى في بناء سوريا الجديدة وذلك بعد زيارة السيد أحمد الشرع لواشنطن، ليس على الصعيد العسكري وحده، بل كذلك على الصعد الأخرى؛ الاقتصادية والمدنية، وذلك بحسب ما صرحت بها دمشق وواشنطن وأيضاً بعض القيادات في الإدارة الذاتية، وهو ما قلناه حتى قبل أن يتم الإعلان عنه من قبل تلك المراكز و عودة الوفد السوري من أمريكا، وقد تلقينا الكثير من المسبات نتيجة قراءتنا تلك وما يمكن أن يتمخض عنه من نتائج سيجعل الكرد وباقي المكونات السورية الأخرى شركاء في إدارة البلاد حيث اتهمنا قصيري النظر؛ بأننا نريد أن “نكوع ونطبل” لهذه الحكومة الغير شرعية ورئيسها مع العلم إننا حاولنا تقديم قراءة سياسية للمشهد السوري من خلال عدد من المتغيرات وأهمها؛ تغيير موقف وموقع سوريا من ما كان يسمى ب”محور المانعة والمقاومة” إلى الدخول في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
وهكذا فإن التغيير لن يكون محصوراً في القشور وبعض القضايا، بل سيشمل تغييراً في بنية الدولة والحكومة ودستور البلاد وسيكون بدايةً لبنية جماعة عقائدية كانت وما زال قائماً على فكر جهادي سلفي تكفيري، وذاك سيعني أحد أمرين؛ إما أن تكون مناورة من طرف هؤلاء لترسيخ حكومتهم، لكن ذلك لن يدوم وسيكشف الآخرين حقيقة تلك المناورة مع الأيام وبالتالي سيتم رفع الغطاء عنهم ودعم أكثر لقوات سوريا الديمقراطية لإسقاطهم والاتيان بالبديل الوطني الديمقراطي، أو أن السيد الشرع وفريقه السياسي سيمضون فعلاً في المشروع الوطني الجديد، وبالتالي الدخول في مواجهات وعلى عدد من الجبهات مع بعض الفصائل المتشددة الداخلة في تركيبة هذه الحكومة وهنا أيضاً سيكونون بحاجة لقوات سوريا الديمقراطية.
أي وفي الحالتين هم سيعتمدون على قسد لبناء وإرساء قواعد الدولة الحديثة والتي لا يمكن إلا أن تكون تشاركية لا مركزية، كون واقع سوريا يفرض مثل ذاك الحل وخاصةً بعد فشل تجارب الدولة المركزية الصلبة.. وها هي الأخبار تؤكد ذلك حيث خلال فترة قريبة سيكون هناك اجتماع ثلاثي، أو بالأحرى بين الإدارة الذاتية والحكومة الانتقالية برعاية أمريكية، ليس فقط لاندماج قسد في مؤسسات الجيش والأمن، بل وكذلك في الجوانب المدنية والاقتصادية، أي بمعنى بناء مؤسسات الدولة في كل المناحي، وهنا فقط نود أن نطلب من الطرفين؛ مناقشة الجانب الدستوري وادخال التعديلات الضرورية ليصبح الإعلان الدستوري معبراً وضامناً حقوق كل مكونات البلد وفي المقدمة حقوق شعبنا الكردي.
طبعاً قد يتساءل البعض؛ وهل سترضى تركيا بأن تصبح قسد والإدارة الذاتية والكرد عموماً جزء من الحكومة وبالتالي يكون لهم دور فاعل كشريك سياسي في البلاد وهي التي كانت وما زالت ترفض أي دور كردي فاعل في المنطقة؟! سؤال جيد وضروري البحث عن الإجابات. إننا وبإيجاز يمكننا القول: بأن تركيا وبعد أن أدركت وباتت على يقين كامل بأن مشروع الشرق الأوسط الجديد لن تقف عن حدود تركيا الجنوبية، بل القادم سيشملها أيضاً، وبالتالي كانت أمامها أحد خيارين؛ إما المكابرة والمعاندة وبالتالي الدخول في حرب أهلية على غرار دول المنطقة وإنهيارها وتقسيمها، أو التقاط حبل النجاة بالمبادرة للتفاوض مع الكرد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو ما فعلته الدولة التركية العميقة ولذلك على السيد اوجلان والمنظومة العمالية أن لا يقدموا كل شيء مجاناً لتركيا حيث هي من بحاجة للكرد أكثر ما نكون بحاجة لهم ولعقد اتفاقيات معها!
وأعتقد ذاك قد وضعت تركيا في موقع اللاعب الأضعف حالياً ليس في الداخل فقط، بل أيضاً على مستوى الدور الإقليمي لها، وبالأخص في سوريا وخاصةً بعد أن تكشفت كل أوراقها وسقطت العديد منها، إن كانت على الصعيد العسكري وما أرتكبت الميليشيات التابعة لها من جرائم وانتهاكات بحق الكرد ومناطقنا أو حتى على المستوى الأمني وبأن تكون هي الوصي على الحكومة الانتقالية بدمشق، لكن ذاك تم التصدي له إسرائيلياً وحتى أوروبياً وبذلك خسرت ذاك الملف أيضاً ولذلك لم تبقى أمامها إلا الرضوخ للعبة الدولية وبأن تصبح طرف مهمش في الملف السوري، وكلنا نلاحظ إبعادها تماماً من أي دور في اندماج قسد والإدارة الذاتية داخل الجيش والحكومة وأن دعوة وزير خارجيتها لواشنطن كان بدواعي إفهامها عدم تخريب هذا المسار السياسي وهو ما شجع الشرع والحكومة الانتقالية بتغيير مواقفها تجاه قسد والقبول بالشراكة في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية أيضاً!
باختصار؛ قسد والإدارة الذاتية والكرد عموماً وباقي مكونات سوريا سيصبحوا شركاء في بناء سوريا القادمة.. وربنا يسامح كل من شتمنا خلال الأيام الماضية لأننا دافعنا عن هويتنا الوطنية السورية والتي لا يمكن أن تتشكل إلا من خلال الاعتراف الدستوري؛ بأن الكرد وكل مكونات البلد الأخرى العرقية والدينية والسياسية هي مجتمعةً تشكل تلك الهوية السورية وبالتالي تضمن حقوق كل تلك المكونات الوطنية.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=79710





