السبت 07 حزيران 2025

الكرد في سوريا.. منطقة جرابلس ـ3ـ  التاريخ الحديث

برادوست ميتاني

كما أشرنا في الحلقتين السابقتين؛ يعيش الكرد في جرابلس ومناطقها منذ فجر التاريخ عندما كانت تحمل اسم كركميش في الألف الثالث قبل الميلاد حيث حضارات أسلاف الكرد ومنذئذ بالرغم من السياسات اللاإنسانية من قبل بعض الأنظمة ظلوا على أرضهم ومازالوا بعشرات الآلاف متوزعين في قرى عديدة تمتد من جرابلس إلى مدينة كليس وكوباني وغيرهما ويشتركون مع بني قوميتهم الكردية في العادات والخصال وخاصة العشائر كالرشوان والكيتكان والبرازية وغيرها، وبالرغم من سياسات الحرب والإبادة والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي التي لعبت دوراً سلبياً خطيراً على شخصيتهم الكردية في جعل العديد من أحفادهم يجبرون على التخلي عن لغتهم ونسيانها وخاصة من قبل الأنظمة التركية المستبدة التي جعلت العديد منهم يتكلمون باللغة التركية أومن قبل الأنظمة العربية يتكلمون باللغة العربية مع عدم نسيان الآلاف منهم على أنهم كرد.

جرابلس ناحية تابعة إدارياً لحلب مساحتها 316.52كم2 وقد تحملت كغيرها من المدن السورية منذ عام 2011م أعباء حرب جائرة تحت يافطة الثورة السورية وأصبحت ككرة ترمى بين أقدام الدخلاء من المتطرفين وتركيا والمرتزقة السوريين التابعين لهم فرأت الويلات بولوجها في أحداث دموية.

تم طرد القوات النظام السوري من جرابلس من قبل مجموعة أحرار جرابلس في تموز 2012م وفي أيلول 2013م سيطر عليها داعش بالكامل (1)

وجد النظام التركي في تدهور الوضع السياسي في جرابلس فرصة له بالقضاء على الوجود الكردي فيها. لذا؛ حشدت قواتها ودعمت المجموعات المرتزقة التي ساهمت في تشكيلها لتتريك المدينة برمتها.

هاجمت الدولة التركية جرابلس برفقة مرتزقتها في 24 آب عام 2016م وصف مسؤولون كرد سوريون التدخل العسكري في الأراضي السورية بأنه اعتداء سافر (2).

لعبت تركيا دوراً كبيراً في سياسة المقايضات بين ما يسمى الجيش الحر والنظام السوري وروسيا في مدن عديدة منها ما حصل في جرابلس وحلب. جاء احتلال جرابلس على حساب مدينة حلب التي كانت تخضع لسيطرة المجموعات المسلحة آنذاك، فحلب كانت ضحية صفقة مقايضة عراباها أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث اتفق الطرفان على سحب المجموعات المسلحة من حلب مقابل السماح له بشن هجمات عسكرية لاحتلال جرابلس.

على بعد نحو مائة وخمسة وعشرين كيلومتراً من مدينة حلب شمالي سوريا، تقع مدينة جرابلس أو كما كانت تعرف بـ كركميش، على الضفة اليمنى لنهر الفرات (3).

ليعيد النظام التركي أمجاد الدولة العثمانية في احتلال سوريا معركة مرج دابق24 آب 1516م، فجعل احتلال جرابلس السورية قصدا في التاريخ نفسه أي 24 آب 2016م وبالرغم من أن هدف النظام التركي في احتلال جرابلس هو القضاء على الوجود الكردي في المدينة والمنطقة ومنع تحريرها من الثوار الكرد السوريين إلا أنه كان يتذرع بالقضاء على الإرهاب وأحيانا كان يذكر بهذا الصدد اسم داعش.

بالطبع أن بعض المواقف العربية النابعة من المصلحة السياسية السلطوية والأيديولوجية المذهبية كانت تتناغم مع السياسات التركية دون مراعاة الأهمية الوطنية السورية لذا نجد منها إعلام دولة قطر من خلال فضائية الجزيرة تسمي تلك المجموعات المدعومة من تركيا الاحتلالية لسوريا بأنها هي المعارضة السورية:

تستعد المجموعات المرتزقة لشنّ هجمات واسعة بهدف السيطرة على مدينة جرابلس -المتاخمة للحدود التركية بريف حلب الشمالي-من قبضة داعش، في خطوة من شأنها أن تبدد آمال الكرد في إدارة المنطقة. وعندما تسيطر المجموعات المرتزقة على جرابلس؛ فإنها ستحول دون الهجوم على البلدة من جانب قوات سوريا الديمقراطية، وهو تحالف تغلب عليه الوحدات الكردية نجح في استعادة مدينة منبج من أيدي داعش (4).

خلفت سياسة الدولة التركية والمرتزقة المئات من الضحايا المدنيين مع تهجير الآلاف الآخرين مستمرين في ذلك حتى احتلال مناطق جرابلس بالكامل في آذار 2017.

تذكر العديد من المصادر أن القوات التي احتلت جرابلس مع الجيش التركي كانت قادمة من الأراضي التركية وأن هدفها كان منع قسد من تحرير البلدة من سيطرة المجموعات المرتزقة وداعش.

سيطر الجيش الحر المنطلق من تركيا والمدعوم منها هدفه منع دخول قوات سوريا الديمقراطية اليها، مدفوع بتفاهماته مع روسيا، ولخشيتها من توسع قوات سوريا الديمقراطية، وبحجة إنشاء منطقة عازلة على حدودها. علماً أن سعي تركيا لهذا لاقى رفض أمريكا وحلف ناتو ولكنها استمرت بذلك بالتفاهم مع روسيا وإيران (5).

لم يقف النظام التركي عند احتلال جرابلس وحدها ولم يكتف بذلك. بعد ذلك سيطر الحر بتعاون تركي على خمس قرى أخرى ما وراء جرابلس ضد داعش ووحدات حماية الشعب والمرأة (6).

كما نوهنا ويعلم العديد أن هدف الجيش التركي ومرتزقته في احتلال جرابلس ومناطقها هو منع ظهور الوعي القومي السياسي للكرد في تلك المنطقة والقضاء عليه بكل الوسائل وكثيرا ما كان يدفع بمجموعاته في استخدام العنف مع الكرد من حيث القتل والاعتقال (7).

في 22-5-2016م تم تأسيس مجلس جرابلس العسكري من قبل قوات سوريا الديمقراطية تحت قيادة القيادي الكردي عبد الستار القادري (الجادر) والذي اغتيل في اليوم التالي (8).

يبلغ عدد سكان جرابلس قرابة 56000 نسمة وفي مصادر أخرى تجاوز ذلك، وقد أُسِّست المدينة في 1927م بالقرب من مدينة كركاميش القديمة حيث بنيت على أنقاضها مساكن منذ العشرينات من القرن الماضي وقد تعرضت للتعريب منذ الثلاثينات من القرن الفائت ومن العجب نذكر ما يقوله المثل الكردي ما معناه باللغة العربية: اتفق اللص وصاحب البيت على سرقة الثور فأخرجاه من الطاقة. ذلك ما ينطبق على وزير المعارف الكردي الأصل محمد كرد علي صاحب التعريب ضد بني جلدته الذي أرسل رسالة مطولة إلى رئيس الجمهورية يطالب فيها بإزالة خطر الوجود الكردي على الشريط الحدودي السوري التركي المصطنع ورسالته كانت في 18 تشرين الثاني 1931م (9).

أهم القرى الكردية

تنتشر القرى الكردية وبغزارة في تلك المنطقة التي تتبع لإعزاز والباب وكذلك لجرابلس وقد سعى المحتلون إلى طمس هويتها الكردية بجميع الوسائل الظالمة منها عدم الكتابة عنها ككرد وإخفاء وطمس ما كتب عنها وكم الأفواه التي تريد التحدث عن ذلك.

لكل ما مر ولأسباب أخرى عندما نبحث عنها كأننا نبحث عن إبرة في كومة قش لذا الحصول على المصادر صعب جداً لهذا أشكر شخصيا المحامي أ.علي عبد الله كولو الذي يبذل جهودا جبارة في التواصل مع البعض من أهلنا الكرد في تلك المناطق المستعربة والمستتركة ليبينوا مشكورين الوجود الكردي فيها، ومعتزين بكرديتهم وكذلك شكري الجزيل للباحث الكردي أ. بيار روباري الذي يسعفنا نحن الكرد بأبحاث عميقة وقيمة عن كردية تلك المدن بداية بالتاريخ القديم وحتى اليوم.

حي الكرد: هذا حي يحمل ذلك الاسم ضمن مدينة جرابلس وأغلبيته كردية.

قرية الحجلية: معظمها من عشيرة كيتكان. لهم صلة قرابة مع أكثر من عشرين قرية في كوباني. فيها معالم أثرية وبيوت تعود إلى أكثر من 200 عام وكهوف قديمة ونقوش على صخور تدل على الثقافة الزردشتية وفخاريات تعود إلى العهد الخوري الذين هم أحد أسلاف الكرد القدماء.

قرية يعقوبية أو قرية حما: أيضاُ من عشيرة كيتكان وهم من أقرباء كرد قرية حجلية وشاوا وبيلس يبلغ عدد سكانها 2300 نسمة ومساحتها 1700 هكتار.

عمل داعش بدعم من النظام التركي على هلاك أهلها الكرد وتهجيرهم من القرية وإحلال قوميات أخرى فيها من أجل افراغ القرية من أهلها الكرد. قرية قرى قوي (بئر فوقاني): من عشيرة كيتكان ولهم صلة قرابة مع سكان قرية حجيلة كما أسلفنا ويبلغ عدد سكانها 2500 نسمة ومساحتها 1300 هكتار.

تقع على طريق أخترين وجرابلس. شوهت ثقافتها العريقة سياسات التعريب والتتريك ولكنهم حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم الكردية.

قرية قراج هيوك (مرتفع كبير): معظمهم من عشيرة رشوان وعدد سكانها 1800 نسمة ومساحنها 1400 هكتار. تعرضت للتعريب أثناء الاحتلال العثماني والبعثي. فيها كهوف ومعالم أثرية ونقوش زردشتية، سيطر عليها ما يسمى بالجيش الحر وصاروا فيما بعد داعش فتعرضت للقمع وبناء مستوطنات، وإجبار الكرد على حضور دورات داعش. ولا يخفى على أحد المعاناة مستمرة والتعامل بالليرة التركية والاستيلاء على أملاك الأهالي والتجنيد الإجباري والضرائب (10).

الأعزاء:

لقد لاحظنا من الوهلة الأولى التعريب والتتريك على أسماء قرانا الكردية لأنها تذكر باسمين تركي وعربي مع غياب الاسم الكردي. كما أننا ذكرنا هذا العدد اليسير من القرى الكردية في جرابلس كوننا لسنا متأكدين من تبعية العديد منها لجرابلس أو إعزاز أو الباب وكلها تشترك مع بعضها عشائريا، وخاصة مع كوباني أكثر من غيرها، كونها قريبة منها ضمن الأراضي في روج آفا وسوريا.

المراجع

1- الجزيرة 24-8-2016

2-موقع الخليج 25-8-2016 أكراد سوريا: العملية التركية في جرابلس إعلان حرب

3- جرابلس.. مدينة سورية بين الماضي البعيد والتاريخ المعاصر أغسطس 25, 2023 موقع فضائية اليوم).

4-المعارضة السورية تستعد لدخول جرابلس بريف حلب الشمالي-يمن شباب نت -الجزيرة نت-الإثنين 22 أغسطس 2016 -11:40 صباحاً.

5-الشرق الأوسط -الحر يسابق الأكراد إلى جرابلس انطلاقاً من تركيا 21-8-2016.

6- موقع الشرق الأوسط29 أغسطس 2016م-

ـ جرابلس .. معركة التوازنات والخرائط الجديدة- الجزيرة نت 24-8-2016.

7- فصيل موال لتركيا يعتقل تسعة لأشخاص من الكرد في جرابلس -نورث برس 6-9-2023م.

8-مجلس جرابلس العسكري يتهم المخابرات التركية باغتيال قائده-موقع فضائية كردستان 24 -23-8-2016م.

9– صوت كردستان -مدينة كركاميش (جرابلس) حثية كردية أصيلة -دراسة تاريخية -الحلقة الثانية للمؤرخ بيار روباري -25أكتوبر 2021م.

10- يوتيوب المحامي أ.علي كولو بتاريخ 28-5-2025و 30تاريخ -6-2024و وصفحة ثقافة عامة وتوثيقات-24-5-2025م.

 

​المصدر | صحيفة روناهي