الكورد: شعب الجبال وروح الحرية

الكورد: شعب الجبال وروح الحرية

هدى زوين

حين نتأمل تاريخ هذه المنطقة، نجد أن الشعب الكوردي يشبه جباله الشامخة؛ راسخًا في الأرض، صامدًا في وجه الرياح، ومتطلعًا دومًا إلى السماء. الكورد ليسوا مجرد مكوّن اجتماعي أو قومي، بل هم حضارة متجذرة في عمق التاريخ، وهوية حيّة نسجت خيوطها عبر قرونٍ من النضال والعطاء.

منذ فجر التاريخ، عاش الكورد بين السهول والجبال، يصنعون من قسوة الطبيعة مدرسة للصلابة، ومن جمالها مصدرًا للشعر والموسيقى. هم أبناء الأرض التي لا تخون، وأبناء التراب الذي يثمر حريةً كلما سقوه بعرقهم ودمائهم. الكوردي حين ينظر إلى الجبل لا يراه صخرة صمّاء، بل مرآة لروحه؛ علوّ وشموخ وإصرار على البقاء.

لقد حمل الشعب الكوردي جراحه على كتفيه، لكنه لم يسمح للجراح أن تطفئ شعلة الأمل في قلبه. في كل منعطف تاريخي، كان الكورد حاضرين، ينادون بالعدالة والكرامة، رافضين أن يكونوا هامشًا في كتاب الوطن. لم تكن معاناتهم يومًا دعوة للانقسام أو العزلة، بل صرخة إنسانية تقول: “نحن شركاء في الأرض، في الحلم، وفي المستقبل”.

الثقافة الكوردية لم تكن أبدًا جدارًا للفصل، بل جسرًا للتواصل. فالشعر الكوردي غنّى للحرية وللحب وللأرض، والموسيقى الكوردية حملت في أنغامها حزنًا عميقًا وأملاً لا ينكسر، والأدب الكوردي خطّ ملاحم تحاكي تضحيات الشعوب كلّها. بهذا الغنى الثقافي، أضاف الكورد إلى المشهد العراقي والعربي بُعدًا إنسانيًا عميقًا، وجعلوا من تنوّعهم إضافة لا تهديدًا.

ولأن المرأة هي قلب المجتمع، فقد برزت المرأة الكوردية رمزًا للنضال والعطاء. لم تكن مجرّد أمّ أو زوجة، بل مقاتلة في سبيل الحرية، ومربّية للأجيال، ووجهًا مشعًا للكرامة الإنسانية. إنها صورة حية عن أن الكرامة لا تُجزّأ، وأن التضحية ليست حكرًا على الرجال.

اليوم، ومع التحولات الكبيرة التي يعيشها العالم والمنطقة، يثبت الشعب الكوردي أن الصمود ليس خيارًا مؤقتًا، بل قدرٌ وُلد معه. فالكورد وهم ينادون بالسلام والعدالة، لا ينادون لأنفسهم فقط، بل يرفعون صوتهم باسم الإنسانية جمعاء. إنهم يؤكدون أن التآخي الحقيقي بين الشعوب هو السبيل الوحيد لبناء أوطان متماسكة، وأن العدالة هي الباب الوحيد لسلام دائم.

إنّ الحديث عن الشعب الكوردي هو حديث عن قيم لا تموت: الكرامة، الحرية، الشجاعة، والوفاء للأرض. هو حديث عن شعب علّمنا أن الألم يمكن أن يتحوّل إلى أغنية، وأن النضال يمكن أن يصبح هوية، وأن التنوّع يمكن أن يكون نعمة لا نقمة.

الكورد، شعب الجبال، لم يتخلّوا عن رسالتهم، ولم ينحنوا للعواصف. سيبقون، كما كانوا دائمًا، روحًا صامدة تبحث عن العدل، وتغنّي للحرية، وتكتب اسمها في صفحات التاريخ بمدادٍ من التضحية والأمل.

Scroll to Top