حجي قادو
لم يكن ما تعرّض له الكورد في سوريا وليد الصدفة، بل كان نتيجة سياسات ممنهجة اتبعتها الأنظمة المتعاقبة منذ استيلاء حزب البعث على السلطة. فقد شكّل ما عُرف بمشروع “الحزام العربي” إحدى أخطر الجرائم الديموغرافية في تاريخ سوريا الحديث، إذ استهدف الوجود الكوردي في مناطقه التاريخية الممتدة على طول الشريط الحدودي مع تركيا، حيث يشكّل الكورد الغالبية السكانية.
الكورد في سوريا لم يكونوا غرباء على هذه الأرض، بل هم من سكانها الأصليين وأصحاب تاريخ ضارب في الجذور وحضارة عريقة سبقت استيطان القبائل العربية. غير أنّ صعود حزب البعث في كلٍّ من سوريا والعراق أطلق سياسات عدائية ممنهجة ضدهم، تجلّت في الإقصاء والتهميش والحرمان، وبلغت ذروتها بتجريد عشرات الآلاف منهم من الجنسية السورية عبر إحصاء عام 1962، في خطوة هدفت بوضوح إلى طمس الهوية القومية وسلب حقوق المواطنة.
وبعد نكسة حزيران 1967، كان المنتظر أن يقيم النظام السوري “حزاماً عربياً” على حدود الجولان المحتل، لكنه بدلاً من ذلك قرّر عام 1968 تنفيذ مشروعه في المناطق الكوردية. فانتُزعت الأراضي من أصحابها الكورد، ورُحّلوا قسراً عن قراهم، بينما جرى استقدام العرب “الغُمر” والبدو من الرقة لإسكانهم في تلك المناطق. وقد شمل المشروع استملاك شريط حدودي بعمق عشرة كيلومترات على طول الحدود مع تركيا، رافقته عملية تغيير ممنهج لأسماء القرى الكوردية وإحلال أسماء عربية بدلاً منها. وكان الهدف واضحاً: تفكيك النسيج الاجتماعي، وزرع الفتنة بين العرب والكورد، وترك المنطقة غارقة في الفقر والتوتر، كي ينشغل الكوردي بلقمة العيش بدل المطالبة بحقوقه القومية المكفولة بالعهود والمواثيق الدولية.
واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على هذه السياسات الإقصائية، يبرز سؤال جوهري أمام الإدارة الذاتية:
لماذا يخيّم الصمت على جريمة التغيير الديموغرافي التي مورست بحق الشعب الكوردي؟
لماذا لا يُفتح ملف “الحزام العربي” الذي صادر أراضي الكورد لصالح المستقدمين الجدد؟
ولماذا لا تُعاد الأملاك إلى أصحابها الأصليين، ما دام القرار أصبح اليوم بيد الإدارة الذاتية في ظل العقد الاجتماعي الحالي الذي ينصّ على ردّ الحقوق إلى أصحابها؟
لقد قدّم الكورد تضحيات جسيمة في سبيل الحرية والكرامة، ومن واجب الإدارة الذاتية أن تترجم شعارات العدالة والحرية إلى خطوات عملية تُعيد الحقوق إلى أهلها الشرعيين، وتردّ الأراضي المغتصبة إلى أصحابها. فهذا وحده ما يرسّخ الثقة بين الشعب الكوردي والإدارة، ويمنحها المصداقية التي تحتاجها.
إن بقاء هذا الملف عالقاً يثير تساؤلات عميقة حول موقف الإدارة الذاتية، وما إذا كان ثمة قبول ضمني باستمرار آثار جريمة الحزام العربي. فالمهجّرون من قراهم منذ ستين عاماً ما زالوا ينتظرون العودة إلى بيوتهم وأراضيهم وذكرياتهم.
ويبقى الأمل قائماً بأن لا يتحوّل حلم العودة إلى كابوس جديد أشدّ قسوة من مظالم البعث، وأن تتحقق العدالة التاريخية لشعب عانى طويلاً من الإقصاء والحرمان، كي يُطوى هذا الفصل المظلم من تاريخ سوريا وتُفتح صفحة جديدة عنوانها الإنصاف والمساواة.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=77013