الجمعة, يناير 10, 2025

الكورد في سوريا: تاريخ عريق ومستقبل ثابت رغم كل محاولات الإقصاء

أزاد خليل

على هذه الأرض التي عرفت الحضارات الأولى، عاش الكورد منذ آلاف السنين، حيث كانوا جزءًا أصيلًا من نسيج سوريا، مشاركين في بنائها وحمايتها، ومساهمين في تاريخها وحاضرها. اليوم، وبينما تتصاعد الخطابات العنصرية التي تحاول تشويه هذا المكون الوطني الأصيل، نقف لنعيد التأكيد على حقيقة واضحة: الكورد ليسوا ضيوفًا أو غرباء، بل أبناء هذه الأرض وشركاء في الوطن.

تاريخ الكورد في سوريا: وجود قديم وأدوار محورية

يعود وجود الكورد في سوريا إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث استقرت القبائل الكوردية في المناطق الشمالية من سوريا، ولا سيما في مناطق مثل عفرين، كوباني (عين العرب)، وقامشلو. في العصر الإسلامي، لعب الكورد أدوارًا بارزة في حماية المنطقة ونشر قيم العدالة، ولعل أبرز الشواهد على ذلك هو القائد صلاح الدين الأيوبي، الكوردي الذي حرر القدس ودافع عن المنطقة ضد الغزوات الصليبية.

كما ساهم الكورد بشكل مباشر في بناء الدولة السورية الحديثة. في ثلاثينيات القرن العشرين، كان القادة الكورد مثل إبراهيم هنانو، الذي قاد الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، رمزًا للنضال السوري المشترك ضد المستعمر. كذلك لعب الكورد دورًا بارزًا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في سوريا، مشكلين جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية.

الاستهداف الحالي ومحاولات الطمس

رغم هذا التاريخ المشترك، يعاني الكورد في سوريا من سياسات الإقصاء والتهميش منذ عقود. هذه السياسات لم تقتصر على إنكار الهوية الكوردية، بل وصلت إلى طمس الأسماء التاريخية لمدنهم. مدينة كوباني، التي يشكل الكورد أكثر من 99% من سكانها، يُزعم أنها “عين العرب”، في محاولة لطمس هويتها. لكن كوباني ليست مجرد اسم؛ هي رمز للصمود والنضال. كانت خط الدفاع الأول ضد الإرهاب، عندما وقف أهلها في وجه تنظيم “داعش”، مقدّمين التضحيات ليس فقط للدفاع عن مدينتهم، بل عن كرامة كل السوريين.

وفي عفرين، حيث يشكل الكورد الغالبية العظمى من السكان، تعرضت المدينة لعملية تهجير قسري طالت أكثر من 70% من أهلها. تم تدمير القرى، سرقة المحاصيل، وقطع أشجار الزيتون التي تشتهر بها عفرين، لبيعها تحت مسميات أخرى. كيف يمكن لمن يدعي الوطنية أن يغض الطرف عن هذه الجرائم التي تستهدف هوية وثقافة شعب بأكمله؟

أما في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، يواجه الكورد اتهامات ظالمة وصلت حد وصفهم بـ”الكفار” و”الشياطين”، فقط لأنهم يتمسكون بهويتهم وكرامتهم. هذه الاتهامات ليست إلا انعكاسًا لخطاب الحقد والكراهية الذي يسعى لتدمير ما تبقى من روابط الوحدة الوطنية.

دور الكورد في بناء المستقبل

رغم كل هذه التحديات، يظل الكورد في سوريا متمسكين بوطنهم، مؤمنين بضرورة بناء سوريا التي تتسع للجميع. سوريا التي تقوم على المواطنة المتساوية واحترام جميع مكوناتها، بعيدًا عن الإقصاء والتفرقة.

إلى كل من يحاول شيطنة الكورد أو تحريض الشعب ضدهم:
لن تنجحوا في فصل الكورد عن وطنهم. نحن هنا منذ آلاف السنين وسنبقى هنا. نحن لا نطالب إلا بالعيش بكرامة في أرضنا، مع احترام متبادل بين كل المكونات. خطابكم العنصري والتحريضي لن يزيدنا إلا إصرارًا على المطالبة بحقوقنا والدفاع عن هويتنا.

الكورد في سوريا لم يكونوا يومًا ضد الوطن، بل كانوا دائمًا مع الوطن الذي يحترم الجميع. نحن شركاء في هذا الوطن وسنبقى كذلك، رغم كل محاولات الطمس والإقصاء.

“كفى تحريضًا وكراهية. دعونا نبني وطنًا يسوده العدل والمساواة بدلًا من أن نهدم ما تبقى من جسور الثقة بيننا.”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية