تنوع ثقافي وتبادل معرفي
أحمد عبد الرؤوف
في الحقب التاريخية السابقة كان الأدب والثقافة مرآة الحضارة والتقدم والثبات، فتقاس عافية هذا البلد أو ذاك بقدر ثقافته ومساحة الحرية فيه، إلى ذلك عاشت سوريا أكثر من خمسين عاماً في عهد النظام البائد حالة مما يعرف بأدب السلطة، وثقافة اللون الواحد التي لا تمثل شيئاً حتى من ثقافة هذا اللون إلا من مرتدي عباءة السلطة والمتملقين والمتسلقين على عتبات أبوابها.
التغيير الثقافي في شمال وشرق سوريا
حين انطلقت ثورة 19 تموز عام 2012، في شمال وشرق سوريا تصحيحاً لمسار الثورة السورية التي انطلقت في الخامس عشر من آذار عام 2011، اتضحت معالمها بألوان ثقافة شعوبها التي لم تعتد أن ترفع صوتها وتعبر عن وجودها وتستحضر تاريخها ولغاتها وأزياءها، فرافق حملات الدفاع عن الأرض – عبر الحملات الأمنية والعسكرية ضد التشكيلات الإرهابية ولاسيما مرتزقة داعش- تشكيل اتحادات ثقافية وأدبية في شمال وشرق سوريا مثل اتحاد المثقفين، واتحاد الكتّاب الكرد في سوريا، واتحاد مثقفي روج آفايي كردستان، كما ضجت المراكز الثقافية بالعروض التراثية والفنية من شعوب شمال وشرق سوريا، بظهور غير مسبوق مجسدة بذلك حالة التنوع الثقافي الأصيلة في شمال وشرق سوريا.
اتحاد المثقفين في مقاطعة الجزيرة
انطلق اتحاد المثقفين في مقاطعة الجزيرة عام 2014، وذلك تحقيقا لمطالب العديد من المثقفين ومن خلال المؤتمر الأول التأسيسي في حزيران 2014 ومن خلال جهود عدد من مثقفي وشعراء وفناني الجزيرة السورية، وفي هذا السياق أفاد مسؤول لجنة العلاقات العامة في اتحاد المثقفين “عبد الوهاب بيراني” أن “الاتحاد يضم أعضاء من جميع الشعوب، ويتخذ مدينة قامشلو مقراً رئيسياً له، وتتبع له مكاتب في مدن رئيسية مثل الحسكة، وديرك، وعامودا، وتل تمر، وكركي لكي وغيرها، ومنذ تأسيسه إلى اليوم يعمل على تجسيد شعار “المثقف صوت المجتمع الحر الديمقراطي” والذي كان شعار الكونفرانس السادس للاتحاد الذي عقد مؤخراً”.
بيراني أضاف: “عمل الاتحاد على إنشاء مكتبات عامة وحدائق للقراءة في قامشلو والحسكة، وأسهم في تنظيم معارض الكتب وإصدارها، وإحياء المناسبات التاريخية مثل “يوم الصحافة الكردية”، واستذكار قامات ثقافية مهمة، إضافة إلى اهتمامه بقضايا البيئة والسياسة والمجتمع”.
ويسعى الاتحاد ـ وهو من واجبه التنظيمي ـ إلى حماية حقوق المثقفين ونتاجاتهم الفكرية، ومقاومة التهميش والاضطهاد، كما يقوم بأنشطة أسبوعية دورية في أيام محددة في مكاتبه نذكر منها الأيام الثقافية التي أقيمت في قامشلو والحسكة وكركي لكي، حيث تضمنت ندوات ثقافية وتوقيع كتب وفعاليات أدبية وفكرية وتوعوية للمثقفين، بهدف تعزيز حالة التنوع الفكري والثقافي والارتقاء بالذوق العام، وتحفيز الكتّاب والمبدعين على العطاء.
وفي حديث خاص لصحيفتنا أشارت الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين في مقاطعة الجزيرة “فيروز رشك” إلى الدور الذي تقوم به المرأة بشكل خاص، وإن الاتحاد يضم عدداً كبيراً من النساء المثقفات والمبدعات بمختلف الأجناس الأدبية والفنون المتنوعة من الشعوب كافة، مؤكدة أن المرأة استطاعت أن تثبت نفسها في صدارة المشهد الثقافي لشمال وشرق سوريا، لتكون بذلك علامة فارقة ولأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود، وصوتاً حراً للمرأة المبدعة، التي تستطيع تصوير المعاناة التي مرت بها خلال الفترة الماضية، ولكي تؤسس مستقبلاً مشرقاً تكون حاضرة فيه بجدارة.
أما عن نشاط الاتحاد؛ كشف الرئيس المشترك لمكتب اتحاد المثقفين في مدينة الحسكة “محمد طه عبد الله”، عن أن الاتحاد بصدد إنشاء حديقة قراءة في عامودا وفي ديرك لاحقاً بعد أن تشكلت الحديقة الأولى في قامشلو ثم الثانية في مدينة الحسكة، منوهاً إلى المكتبات التي تم إنشاؤها داخل هذه الحدائق والتي تضم أعداداً كبيرة من الكتب التي تمت طباعة الكثير منها هنا في شمال وشرق سوريا خلال أكثر من عشر سنوات، وكتب الأسلاف من الشعراء والمفكرين بحسب روّادها.
وفي خضم الأزمة المجتمعية التي رافقت اندلاع الأزمة السورية التي حدثت بطبيعة الحال مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011، وما سبقها من تهميش ثقافي وعدم قبول للآخر، بيّن عضو اتحاد المثقفين “محمد بشير”، أن تشكيل الاتحاد جاء ضرورة ملحة للحفاظ على النسيج المجتمعي لشعوب شمال وشرق سوريا، مع ارتفاع خطاب الكراهية، وهيمنة الذهنية السلطوية على الثقافة التي تقصي ولا تجمع أبناء الشعب السوري منذ عقود: “إن وجود المثقف بشكل فاعل يجنب المجتمع السقوط في هوّة الجهل وإقصاء الآخر حين يختلف معه فكرياً، فكان لا بد أن يكون المثقف على أسس الحوار قيادياً حقيقياً في المجتمع”.
اتحاد الكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا
واتحاد الكتاب والصحفيين الكرد هو من المؤسسات الثقافية الهامة، ومن هذا المنطلق أشار “بهرين محمد أوسو” مسؤول مكتب اتحاد الكتّاب الكرد في قامشلو، إلى أنه تم الإعلان عن تأسيس “رابطة الكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا رسمياً في 22 نيسان 2004، كردّ عملي على الانتهاكات المتكررة بحق الكتّاب والصحفيين الكرد، ومن أجل رصد وتوثيق تلك الانتهاكات في ظل حرمان الكرد التعبير عن هويتهم الثقافية، ورغم أن الرابطة ركزت اهتمامها على الحالات الكردية، إلا أنها لم تميز بين مكونات المجتمع السوري، وكان خطابها موجهاً للدفاع عن حرية الكلمة والكرامة الإنسانية”، وتابع: “الرابطة مرت بثلاث مراحل تنظيمية متمايزة، تضمنت المبادرة الأولى حلقات كتب، وأمسيات أدبية، وندوات بيتية باسم الرابطة، في مناخ أمني خانق، دون الإعلان عن الأسماء الكاملة للمشاركين، ومع انطلاق الثورة السورية، انحازت الرابطة صراحةً للحراك الشعبي، وارتفع عدد أعضائها إلى المئات، وقد شاركت في حملة “مائة صحفي سوري” التي أُطلقت في 22 نيسان 2011، كما تحوّلت الرابطة إلى الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، وعُززت بنيته التنظيمية داخلياً وخارجياً”.
أُقيم المؤتمر الأول للرابطة في مدينة إيسن الألمانية عام 2004، وهو ما اعتُبر نقطة تحول في ترسيخ العمل الثقافي الكردي المستقل في المنفى، وفي عام 2021، افتتح الاتحاد مكتبه الرسمي في مدينة قامشلو، ينظم الاتحاد أنشطة دورية في أوروبا، من أمسيات وندوات وملتقيات ثقافية، كما يواصل جهوده في الداخل السوري.
اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان
أُسِّس اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان كمؤسسة ثقافية تضم نخباً من المثقفين الكرد في سوريا والخارج، ويعمل على تنظيم مهرجانات وجوائز سنوية تدفع بالحراك الثقافي للأمام وتحفز على الإبداع،، وفي التفاصيل كشف عضو اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان “مصطفى عبدو” لصحيفتنا “روناهي”، أن المهرجانات السنوية تتيح فرصة للتلاقح الثقافي واللقاءات الهامة بين المهتمين بالشأن الثقافي عامة، كما أنها تتضمن جوائز مادية قيّمة، وذلك وفق برامج تنظيمية مركزة، وجائزة الشعر السنوية للشباب، وجائزة الاتحاد للإبداع ومهرجان الأدب الذي يستمر لمدة خمسة عشر يوماً سنوياً، بهدف الارتقاء بالواقع الثقافي للكتّاب الكرد، مشيراً إلى برنامج “قناديل روج آفا” الثقافي السنوي على مدار أيام شهر رمضان المبارك، وبرنامج “ظلال الحبر” الدوري، وبرنامج “رؤى تحت المجهر” وعدد من البرامج الثقافية الدورية الأخرى التي تجسد حجم النشاط الثقافي والفني والأدبي المستمر للاتحاد منذ تأسيسه على مدار العام، كما كشف مصطفى عبدو عن افتتاح مكتب للاتحاد في أوروبا لمتابعة أنشطة الاتحاد على أوسع نطاق.
يذكر أن الاتحادات الأدبية والثقافية في شمال وشرق سوريا، تهتم وتتابع طباعة النتاجات الإبداعية لأعضائها، وذلك خلال حفلات توقيع تضم النخب الثقافية من الشعوب كافة؛ بهدف الارتقاء بالواقع الثقافي المتنوع، وبالتالي تجسيد دور المثقف في مجتمعه.
الكثير من المؤسسات الثقافية باتت اليوم تعمل منابر نور ووعي فكري ثقافي، وتعمل على تمكين الروابط الثقافية المشتركة ونبذ خطاب الكراهية لتسير بمجتمعاتنا نحو نور الفكر الواعي والتطور العلمي للوصول لمجتمع راق متحضر، وآفاق مفتوحة نحو فكر إنساني شامل.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72931