الجمعة 25 تموز 2025

المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري

د. محمود عباس

المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، يحاول أن يسخّر جميع القوى لهدف واحد، ويضحي بكل مكونات سوريا وحقوقها، لإقناع حكومة الجولاني على التطبيع على مستوى السفارات مع إسرائيل، وما أقدمت عليه إسرائيل من قصف وزارة الدفاع، كانت إما رسالة مباشرة لفرض التطبيع، أو أنها أبعد من ذلك، وهي أن مهمة الجولاني وهيئة تحرير الشام تكاد أن تنتهي، فالتجاوزات بحق الدروز الموحدين تؤثر على مصالح وأمن إسرائيل، وبها أُخرج الجولاني وحكومته من قوقعتهم السياسية، وكُشفوا على حقيقتهم.

وهذا ما أثر على توماس براك رغم اعتراض أمريكا على الهجوم، فبينما أوقفت إسرائيل، تحرّك هو نحو القوة الكوردية المتحالفة مع الأمريكيين، لإعادة الحوارات مع الجولاني، في محاولة لإعادة مكانته التي خسرها بعد جرائم السويداء والقصف الإسرائيلي، ومن خلال هذا، يحاول أن يوثّق العلاقة بين مكونات سوريا، وعلى الأرجح سيعيد النظر في طروحاته حول “حكومة واحدة، وشعب واحد، وجيش واحد”، وهو تكتيك يتعارض مع الإستراتيجية الأمريكية في سوريا والمنطقة وتحالفها مع القوى الكوردية، ولعله بات مقتنعًا أنه يتعامل مع فكر متطرف لا يقبل إلا ذاته، وأنه لا يمكن لهذه الحكومة أن تبني سوريا عصرية، وما قاله بأن الجولاني هو “واشنطن أمريكا” بالنسبة لسوريا، لم يكن فقط مبالغة كارثية، بل جهالة ثقافية وضحالة فكرية في فهم التاريخ ومنهجية المنظمات الدينية.

الإشكالية ليست فقط فيما يقوم به توماس براك، بل في ضحالة معرفته الثقافية بأسس وخلفيات الصراع الجاري في المنطقة، ومدى عمقه التاريخي والمذهبي والقومي، إنه رجل أعمال بارع، وصاحب خبرة سياسية، لكنه يفتقر للوعي الضروري لفهم طبيعة الشرق الأوسط وشعوبه، من حيث البعدين الديني والقومي، لا يعلم أن العداء الحقيقي الذي يدمّر شعوب المنطقة ليس موجَّهًا ضد إسرائيل كما يُروَّج، بل هو نتاج ثقافة مشوَّهة، متغلغلة في عمق الوعي الجمعي، تُكرّس الكراهية ضد كل مكوّن غير عربي أو غير مسلم، بل وحتى داخل الإسلام ذاته، حيث نجدها مستفحلة بين السنّة والشيعة، بل وأحيانًا بين طوائف السنّة أنفسهم، أكثر من العداء المزعوم لليهود أو لإسرائيل.

ولو كانت القضية فعلًا تتعلق بالعداء لإسرائيل، لكنا اليوم أمام دولتين متجاورتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان وفق مبدأ “دولتين لشعبين”. ولكان الطريق نحو السلام قد رُصف منذ عقود، لكن واقع الحال يقول إن هذه الثقافة العدمية هي التي تُعادي كل شكل من أشكال التنوع، وهي ذاتها التي تُعارض بشراسة فكرة النظام الفيدرالي اللامركزي في سوريا، رغم أن معظم النظم الإسلامية التاريخية، رغم طغيانها، قامت في جوهرها على شكل من أشكال الفيدرالية، والتعددية الإدارية، والعرقية، والدينية.

والأدهى أن تركيا نفسها، التي ترفض أي مشروع ديمقراطي في سوريا، فرضت على ما تسمى بالحكومة السورية الانتقالية نموذجًا مشوهًا من الفيدرالية الطائفية التبعية، بينما تحارب بعنف المشروع الفيدرالي الديمقراطي الذي يتبناه الحراك الكوردي، ومن بينهم الإدارة الذاتية، في غربي كوردستان، أو ما يُعرف بشمال شرق سوريا، إنها ثقافة التناقض، والعداء الأعمى، لا لمنطق الدولة، بل لفكرة الشراكة والكرامة.

الولايات المتحدة الأمريكية

19/7/2025