المدارس المسيحية ومنهاج السلطة… بين الواقع والحساسيات

نورالدين عمر

اعتراض بعض الناس على السماح بفتح المدارس المسيحية التي تعتمد منهاج السلطة في شمال وشرق سوريا قد يكون مبررًا في بعض الجوانب، لكن من غير المقبول أن يتحول هذا الاعتراض إلى إساءة أو استهداف لأي مكون.
لقد لاحظت في الآونة الأخيرة بعض المنشورات التي تشبه خطابات المصفقين لسلطة دمشق، إذ يُتهم المسيحيون بأنهم مؤيدون للنظام ولم يدافعوا عن المنطقة، بينما الكرد قدّموا التضحيات. مثل هذه التعميمات لا تخدم أحدًا، بل تزيد الشرخ بين مكونات المنطقة وتعمق الانقسام المجتمعي.

قضية التعليم تحتاج إلى مقاربة واقعية وحلول توافقية تراعي الجميع، لا إلى مزيد من الاتهامات والانقسامات.
ولا يمكن إنكار وجود تقصير واضح من جانب الإدارة الذاتية في هذا الملف تحديدًا، ما أدى إلى تسرب كبير من مدارسها، حتى من بين فئات كانت تُعد من مؤيديها.
الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو إصلاح حقيقي.

ولأن البعض قد يتساءل: ما هي الحلول؟
فإن معالجة هذا الملف يمكن أن تتم على عدة مستويات، من أبرزها:

1. احترام حرية الاختيار:
ترك حرية القرار للأهالي لاختيار المنهاج الذي يرونه مناسبًا لأبنائهم، دون فرض أو إكراه من أي جهة.

2. ضمان حرية التعليم:
السماح لكل المدارس بالعمل في مناطق الإدارة الذاتية بحرية تامة، وتقديم التسهيلات الإدارية والقانونية لها.

3. تطوير مدارس الإدارة الذاتية:
رفع رواتب المعلمين وجعلها الأعلى في سوريا، وترميم المدارس وتحسين بيئتها التعليمية، مع تقديم حوافز للطلبة وتفضيل خريجي هذه المدارس في فرص التوظيف.

4. الانفتاح على الجامعات الدولية:
التواصل مع الجامعات الكردية والعالمية للحصول على اعتراف رسمي بشهادات هذه المدارس، وإطلاق برامج منح دراسية للطلاب المتفوقين على حساب الإدارة الذاتية.

5. إصلاح المناهج:
إجراء تغييرات جذرية في المناهج لتقريبها من النماذج التعليمية الغربية المتقدمة، والابتعاد عن أي شكل من أشكال الأدلجة أو الدعاية الحزبية.

باختصار، التعليم ليس ميدانًا للصراع السياسي أو الأيديولوجي، بل هو حق أساسي لكل طفل، ورافعة حقيقية لبناء مجتمع متماسك ومتنور.
إذا أرادت الإدارة الذاتية أن تكسب ثقة الناس، فعليها أن تثبت أن مشروعها التعليمي منفتح، عصري، ومتعدد، لا يقصي أحدًا ولا يفرض فكرا بعينه.
فبالعلم وحده يمكن بناء المستقبل، لا بالشعارات ولا بالمزايدات.

Scroll to Top