الخميس 14 آب 2025

المدخل إلى البحث في تاريخ الوجود الكردي في الجزيرة السورية ـ1ـ

برادوست ميتاني

أهم المدن في الرقعة الجغرافية للجزيرة

الجزيرة في روج آفا وسوريا هي الأرض الواقعة بين نهري دجلة شرقاً والفرات غرباً وتشمل المدن ديرك، كركى لكي، تل كوجر، تربة سبيه، قامشلو، الحسكة، عامودا، الدرباسية، كرى سبي، سرى كانيه، كوبانى، الطبقة، الرقة وجزء من دير الزور والبلدات والقرى التابعة لكل منها. سنتناول في الأبحاث القادمة تباعاً تاريخ الكرد في كل من المدن السابقة وقد تحدثنا سابقاً عن دير الزور التي لا تحسب إدارياً من الجزيرة.

مدلول اسمها وتاريخها

إن اسم الجزيرة ليس جديد العهد إنما يعود إلى ما قبل الميلاد إذ يذكر المؤرخ اليوناني “زينفون” اسمها في أخبار الرحلة الملحمية لعشرة آلاف إغريقي فروا من سجون الإمبراطورية الفارسية عام /410/ ق.م اثر هزيمة “كورش” في الحروب المعروفة في التاريخ باسم الحروب الميدية عندما دخل زينفون أراضي كان يطلق عيها  اسم “كازرتاي كاردو” (1) أي “جزيرة كرد” التي مركزها  جزيرة  بوتان الكردية وهي التسمية – أي الجزيرةـ التي حتى الآن تطلق على الأراضي بين الدجلة والفرات وتعرف في التاريخ لدى الأمم باسم “ميزوبوتاميا” وسكنتها البشرية منذ عشرة آلاف سنة وشهدت صراعات سياسية ودولية عديدة، فتذكر كتب التاريخ  بأن الكوتيين والسوبارتين من أسلاف الكرد أول من ظهروا فيها وخاصة السوبارتيون في “تل حلف” وتلاهم السومريون والأكاديون والبابليون وأيضاً أسلاف الكرد الحيثيون ومثلهم الهوريون والميتانيون الذين أقاموا دولة واحدة أصبحت إمبراطورية تحمل اسم الإمبراطورية الميتانية الهورية أي الخورية1550 ق.م  فكانت عاصمتهم في “واشو كاني” حالياً سري كانيه كما إن أجدادهم الكرد الهوريين سبقوهم إلى الجزيرة فكانت عاصمتهم “نسيبين” ومن ثم أوركيش في كرى موزا على مقربة من عامودا2500 في ق.م (2).

دامت الإمبراطورية الميتانية الخورية حتى الربع الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد، وانتهت على يد الأشوريين وكان للآراميين أيضاً نصيب في الاستقرار في الجزيرة عند الفرات، وإن الإمبراطورية الميدية التي قامت في الألف الأول قبل الميلاد في شمال غربي إيران في “اكباتان” همذان حالياً، قد مدت نفوذها إلى الجزيرة السورية، وظلت حتى مجيء الفرس الذين دحروا على يد “الإسكندر المقدوني” هذا الذي احتل إيران والعراق وسوريا وكردستان في /331/ قبل الميلاد. وقد عادت الجزيرة إلى الحكم الكردي في عهد الساسانيين الذين دخلوا في صراع مهلك مع  الرومان، الذين امتدوا إلى الجزيرة، وأسسوا تحصيناً في “سري كانيه” على يد الإمبراطور “تيودوسيوس”، ثم جاء المسلمون في عهد عمر بن الخطاب وعلى يد قائده عياض بن غنم /18/هجري639م ، ثم انتقلت السيادة على الجزيرة إلى يد الأمويين فالعباسيين فالزنكيين فالأيوبيين الكرد الذين كان لهم مركز ولاية في “آمد” ثم الدولة المروانية الكردية في آمد والدولة الدوستكية الكردية في ميافارقين ثم المماليك، ولكن الوضوح الكردي الجلي في الجزيرة فيما بعد كان في عهد الإمارة الكردية “الكالتية الخالتية البوهتية البختية البوتية” لآل آزيزان  طوال أكثر من سبعة قرون التي عرفت في مراحلها الأخيرة بالبدرخانية  الكبيرة  كان في عهد الإمبراطورية العثمانية /1516ـ1918/ لمدة تزيد على أربعة قرون، وانتهت على يد التحالف الانكليزي الفرنسي وتمزيقهما الجزيرة في اتفاقية “سايكس ـ بيكو” بين الدول الثلاث تركيا، سوريا، والعراق ممزقين المنطقة جغرافياً حسب مصالحهم السياسية.

إن إقليم الجزيرة في قاموس التعريب قسم إلى ثلاث مناطق وهي ديار ربيعة، وديار مضر، وآمد (3)، وذلك نسبة إلى القبائل العربية الثلاثة التي نزلت الجزيرة وعلى الرغم من ذلك، فإن ابن حوقل يرى عدم جواز ضم الجزيرة إلى ديار العرب، لأنهم نزلوا إليها متخذين منها مراعي لأغنامهم، لأنهم لم يعمروها لأنها كانت معمورة قبلهم ولها أعمال عريضة.

“المقدسي” يذكر أهمية الجزيرة عندما يقول عنه: إقليم نفيس له فضل لأن به مشاهد الأنبياء ومنازل الأولياء. به استقرت سفينة النبي نوح عليه السلام، على الجودي وبها سكن أهلها وبنوا مدينة ثمانين (هشتى) وبه تاب الله على قوم يونس، وأخرج مع العين، ومنه دخل الظلمات ذو القرنين وبه عجائب جرجيس… ومنه خرج نهر الملة المبارك المذكور دجلة، وبه مسد يونس. لذلك؛ يذكر العديد من الباحثين صلة أولئك الثلاث بالكرد أي النبي يونس (عليه السلام) وذو القرنين، والنبي نوح (عليه السلام).

الجزيرة في نهاية الحكم العثماني

لم تشهد الجزيرة كثافة سكانية كبيرة خلال الحكم العثماني، وحتى نهايته إذ كانت أراضي ذات كثافة سكانية قليلة، تشهد إلى جانب المراكز السكنية ذات الغالبية الكردية مع قلة سريانية، ومؤخراً قلة عربية وبعض التنقلات البدوية من العشائر الكردية والعربية، كان فيها بعض المراكز البشرية الموجودة الصغيرة مثل “عامودا (التي أُسِّست في النصف الثاني من القرن التاسع العشر الميلادي)، قرمانية، بياندور، درباسية، تربة سبيه، جل آغا، ديرك، سري كانيه” وتلعب هذه المراكز البشرية دوراً استراتيجياً مع خط إسفلت رئيسي يربط القسم الشمالي من الجزيرة من الشرق إلى الغرب، وكان أكثر السكان كرداً إلى جانب العرب والسريان والأرمن والأشوريين وكان في أوائل القرن العشرين كان سكان الجزيرة حوالي 40000 نسمة غالبيتهم الكرد ومعهم العرب وقليل من اليعاقبة. نصف الكرد حضر، وإلى جنوبهم العرب (4).

لواء الجزيرة

يذكر أ. لوند كاردوخي في كتابه عن تاريخ منطقة ديرك وكركى لكي وتل كوجر وجل آغا أنه أصدر الرئيس تاج الدين الحسني (5) في الأول من أيلول 1930م قرار بإحداث لواء الجزيرة مؤلف من قضاء قامشلو ونواحيه قرمانية وعامودا وبوير. كما أن قضاء الحسكة له ناحيتان سرى كانيه والشدادي، وقضاء دجلة مركزه عين ديوار وتتبعه قرى مصطفاوية وديرونا آغا.

تم إلغاء قضاء الدجلة في محافظة الجزيرة قبل أن يعاد تشكيله في 21 أيلول 1939م ليصبح مركزه هذه المرة قرية ديرك بدلاً من عين ديوار (كانيا ديوا) التي حملت اسم ناحية دجلة تتبع للقضاء الجديد هي وناحية ديرونا آغا.

كتب ج.س. بينغهام في كتابه رحلتي إلى العراق المترجم إلى العربية من قبل أ. سليم التكريتي خلال رحلته من ماردين إلى الموصل عام 1816م يقول: على طول تلك الطريق ومن نصيبين كنا نشاهد على اليمين واليسار وعلى مدى البصر قرى عديدة لم أعرف أسماءها أكبرها تدعى أزناور وبينما كنا نسير وإذ بجماعة هاجمتنا وكانوا من فرسان خلف آغا الكردي وقد تبين بأن هذا الرجل كان يستطيع أن يجهز قوة مقاتلة من عشرين ألف فارس كردي.

كتب أ. غمكين يوسف في مقالة له: إن منطقة السنجق واشيتيا كانتا خلال الحكم العثماني تتمتعان بإدارة ذاتية في المنطقة الممتدة بين جبال باكوك وشنكال الواقعة شرقي قامشلو المؤلفة من مناطق جراحى وآليان مع قرى جل آغا، ودمر قابو ورميلان، وقد عرفت بسنجق خلف آغا الكردي، أو بريا خلف آغا نسبة إلى ذلك الحاكم الكردي.

كانت تلك المنطقة تشكل لواء شبه مستقل عاصمته بلدة أزناور في الجزء الشمالي لها أي شمال بلدة تربة سبيه وتشكل طريق الحرير الدولي المار منها والوثيق بمدينة آمد.

يقول كلوديوس جيمس ريج (6) هناك قسمان من الكرد ضمن حكومة الجزيرة هما البوتانيون والإشيتيون يسكنون بشكل عام بجوار نصيبين وجل آغا.

من سكان وعشائر الكرد في الجزيرة

يرد أ. لوند كاردوخي في كتابه آنف الذكر كمرجع تاريخي في “ص 108 ” بعض عشائر الجزيرة 1924م ميرانـأرسينان –آشيتيـبينار –أباساـآليان – ملي –طي – ميرسيني ـقوري –كيكي –ملي –مللي – حرب –جاجان .

كذلك يوجد دوركاـدومانا – شيخ بزني –رما – أزيزان – عربيا –عليكا – باسقلا – أومركا – كرةسايا –سيدا – علوا – دلممكا – مما – هسنان – هفيركا – هارونا منهم  حاجي سليمانا – مسلميني – مهاجرا –بيدارا – باولي…إلخ…

صحيفة روناهي