الأربعاء 02 تموز 2025

المسار التحرري لانتفاضة الشيخ سعيد

صلاح بدرالدين

قيل وكتب الكثير ظلما تجاه العديد من المحاولات ، والهبات ، والحركات الكردية التي كانت في جوهرها تعبيرا عن إرادة الخلاص ، وانتزاع الحرية ، تارة باتهامها عشائرية ، محلية ، وأخرى دينية ، وكانت الانتفاضة التي قادها الشيخ سعيد بيران عام ١٩٢٥ في محيط دياربكر بكردستان تركيا احدى ضحايا الحملات الظالمة .
هناك مسلمات يجب التأكيد عليها قبل الخوض بالموضوع :
أولها : اندلعت الانتفاضة في مرحلة التحرر القومي في كردستان تركيا ، التي تتميز بسمات خاصة من أهمها وقوف معظم طبقات وفئات المجتمع في خندق واحد ضد الاحتلال ، والاضطهاد القومي ، وتتعدد الاطياف ، والتيارات الفكرية ، والثقافية من دون التوقف طويلا على نتائج ( اليوم التالي ) للتحرير .
وثانيها : من الطبيعي ان يكون الطرف الأكثر شعبية يتصدر المشهد ، بغض النظر من يكون شخصا ، او رمزا دينيا ، او وجيها اجتماعيا او قبليا ، او مجموعة منظمة .
وثالثها : اندلعت انتفاضة عام ١٩٢٥ في ظروف محلية – وطنية – انتصر فيها فصيلا عسكريا بقيادة – كمال اتاتورك – بانقلاب والبعض يقول ثورة على السلطنة العثمانية ، واعلن على انقاضها الجمهورية التركية العلمانية ، وبالرغم من ان الخطوة حظيت بتاييد منقطع النظير من الخندق السوفييتي الاشتراكي ، الا ان الإنجاز – الكمالي – كان يفتقر الى الحد الأدنى من الديموقراطية حيث حلت الدكتاتورية الفردية العسكريتارية محل الاستبداد الامبراطوري ، الى جانب الموقف الشوفيني الواضح من الكرد والاقوام الأخرى بتركيا المتعددة الشعوب ، والثقافات .
ورابعها : توفر سببين وجيهين لوقوف الكرد ضد العهد الكمالي وهما الموضوع القومي بمايتعلق بمبدا حق تقرير المصير ، والدفاع عن الوجود ، وكذلك إشكالية المفاضلة بين سلطة عثمانية مسلمة ولكن غير عادلة ، تستوعب العشرات من الشعوب والاقوام بالرغم من عدم الاعتراف الرسمي بحقوقها القومية من جهة وبين نظام سياسي دكتاتوري قومي متعصب يستخدم العنف سبيلا لتطويع الاخر المقابل.
وخامسها : في نفس الفترة الزمنية لانتفاضة الشيخ سعيد ، وماقبلها بعقود شهدت أجزاء كردستان الأخرى ، وكذلك دول الشرق الأوسط انتفاضات ، وثورات ، وتحركات جماهيرية في اطار التحرر القومي والوطني ، تصدرتها وجاهات ، وزعامات دينية وقبلية والامثلة كثيرة ( حركات الشيخ عبيد الله النهري ، والشيخ عبد السلام بارزاني ) و( الحركة المهدية بالسودان – عمر المختار بليبيا – المفتي امين الحسيني بفلسطين – وكذلك الحركة الصهيونية الدينية – ….) هذا بالإضافة الى المفكرين النهضويين من البيئات الدينية المسيحية المارونية في لبنان ومصر ، والمسلمة في دول المنطقة ، وجميع تلك الحركات والفعاليات لم تكن بمعزل عن التواصل مع العالم الخارجي والتاثير والتاثر المتبادلين .
.وسادسها : بعكس كل أساليب الطعن بمصداقية قادة انتفاضة ١٩٢٥ ، حيث كان بينهم متدينون ، وليبرالييون ، وعلمانييون ، ورجال القبائل ، والاتهامات الموجهة اليهم فانهم لم يهدفوا الى إقامة نظام إسلامي على غرار الخلافة او ماشابه ذلك او العمل على استرجاع السلطنة العثمانية بقدر سعيهم الى اسقاط سلطة اتاتورك الدكتاتورية الشوفينية ، وانتزاع حق تقرير المصير القومي ، كما ان اتهامهم – بعمالة الإنكليز – مجرد ادعاء باطل لسبب بسيط وهو ان الوثائق القديمة اثبتت بما لايدع مجالا للشك ان الاستعمار البريطاني كان العائق امام حرية الكرد منذ تولى ( مارك سايكس ) حاكمية الهند والشرق الأوسط نهاية القرن التاسع عشر ، كما لم يكن الزعيم البريطاني المعروف – تشرشل – صديقا للكرد في يوم من الأيام ، ليس في تركيا فحسب بل بالعراق وسوريا ، وايران أيضا .
لقد كتب العديد من المفكرين ، والكتاب المعروفين في الاتحاد السوفييتي سابقا مثل ( لازارييف – والارمني آبوفيان وغيرهما ) عن الانتفاضة بعكس الموقف الرسمي للدولة ، واعتبروها معبرة عن إرادة الكرد من اجل الحرية ، وجزء من حركة التحرر القومية المعادية للظلم ومن اجل تحقيق المساواة ، كما كتب عنها بنفس السياق وبشكل أوسع الدكتور الكردي العراقي – كمال مظهر احمد – ، وكان كتاب الأستاذ – حسن هوشيار – اكثر عمقا لان الكاتب كان ثائرا مشاركا بالانتفاضة وكتب كشاهد عيان ، وجميع هذه الكتب التي تناولت الانتفاضة تم طبعها ، ونشرها من جانب – رابطة كاوا للثقافة الكردية – والكتاب الأخير الذي الفها – حسن هوشيار – باللغة الكردية قام بترجمتها الى العربية – خليل كالو – .
صحيح ان الانتفاضة لم تحقق النصر لاسباب ذاتية وموضوعية ، واختلال كبير في موازين القوى العسكرية ، والامكانيات ، ولكنها وبالرغم من كل الآلام فقد تركت آثارا مشجعة لدى الراى العام ، والاوساط الوطنية ، والنخب الثقافية التي لم تهدأ ، بل واصلت الحركة نموها مستفيدة من دروس الانتفاضة بسلبياتها وايجابياتها ، من جانب آخر وبسبب الانتكاسة توجه العديد من المشاركين بالانتفاضة بين أعوام ( ١٩٢٥ – ١٩٢٦ – ١٩٢٧ ) الى ( بني ختي ) جنوب خط السكك الحديدية الفاصلة بين تركيا وسوريا ، وبشكل اخص نحو منطقة الجزيرة للسهولة الجغرافية ، وانضموا الى اشقائهم الكرد السوريين ، واذا كان البعض منهم عادوا ادراجهم الى مواطنهم الاصلية فان العدد الأكبر منهم استقروا ، وواصلوا نضالهم القومي بالاستفادة من الخبرات التي اكتسبوها من الانتفاضة ، ولعب البعض منهم أدوارا في تأسيس حركة – خويبون – وكذلك الحركات الأخرى وبشكل خاص في تأسيس اول تنظيم كردي سياسي سوري .
ومايتعلق بالجذور العائلية للشيخ سعيد ، فقد أوضح – حسن هوشيار – في كتابه انه ينتمي بالأساس الى قبيلة – علكان – فخذ – جندكا – والافخاذ الاخرى لهذه القبيلة هي ( ديبو – رمو – سينو – كاتخو – ) وهم من – الكوجر – وموطنهم يتوزع بين مناطق ولايات ( باتمان – سيرت – وان ) ، وقد سمعت نفس هذه الرواية من المرحوم حفيد الشيخ سعيد – ملك فرات – خلال لقائنا في بلدة صلاح الدين بكردستان العراق ، وسمعت احد احفاده وهو رجل دين يقيم بالعاصمة التركية في احد البرامج التلفزيونية السرد نفسه مع إضافة ان اجداد العائلة في زمن العثمانيين هاجروا الى ايران في العهد الصفوي ، وبسبب تعرضهم للاضطهاد لكونهم – سنة – غادروا ايران ، بوجهتين ، قسم من أبناء العمومة توجه الى السليمانية بكردستان العراق وكان من بينهم جد الشيخ محمود الحفيد ( ملك كردستان غير المتوج ) ، والقسم الآخر وبينهم جد الشيخ سعيد توجه الى الموطن الأصلي في كردستان تركيا – دشتا غرزان – ، هذا بحسب رواية الحفيد .