الترجمة من التركية: أغيد شيخو

اتجه الفايكنج الدنماركيون والنرويجيون باتجاه الغرب نحو الدول الأوروبية، بينما قصد الفايكنج السويديون مناطق الشرق بعدة حملات استكشافية عرفت باسم (Vikingatåg)، لم تتعدَ كونها كانت حملات نهب وسطو.

وإنما بالرغم من أن بعض بعثات الفايكنج كانت هجومية وميالة للسطو، إلاّ أنها في الوقت ذاته كانت تبحث عن مصالحها التجارية أيضاً، مما دفع بالباحثين إلى المقارنة بين الفايكنج وذهاب بعضهم إلى الجدال في اعتبار الفايكنج السويديين أقل نهبًا وعدوانية من الفايكنج الدنماركيين والنرويجيين، وأن حملاتهم نحو الشرق حملت طابعاً تجارياً أكثر من أي شيء آخر، فكانت التوابل والحلي والأواني الزجاجية والعملات المعدنية المختلفة والنبيذ، من أبرز السلع التي اهتم الفايكنج بها في المناطق التي زاروها في الشرق، وخاصة بعد تطوير علاقاتهم التجارية مع تلك المدن، حيث امتدت رحلات الفايكنج السويدي بشكل واسع من روسيا نحو القسطنطينية والبحر الأسود وبحر قزوين والمناطق المحيطة، حتى وصلت قوافل جمالهم التجارية إلى بغداد، عاصمة الخلافة حينها.

خلال عصر الفايكنج، كانت الإمبراطورية الروسية بالنسبة لدول الشمال مثل السويد والدنمارك والنرويج، بمثابة “بوابة لمنطقة آسيا”، كما لعب فايكنج هذه الدول، وخاصة السويديون منهم، دوراً هاماً في الحركة التجارية على الأراضي الروسية، هذا إلى جانب أن قسم من السويديين، ممن امتلكوا بعض المستعمرات على هذه الأراضي، استطاعوا الانفتاح نحو الشرق بعدة رحلات استكشافية نظموها من حين لآخر عبر نهري ” الدنيبر” و”الفولغا”، وهو ما أحدث تطوراً بارزاً في علاقاتهم التجارية، وخاصة بعد استقرارهم في مدن مثل “نوفغورود” و”كييف”، فأخذ هذا الإستقرار مساحة لا بأس بها من اهتمام المؤرخين السويديين والروس على حد سواء، كما شكّل محور النقاش الأبرز الذي استحوذ على دراساتهم طوال 250 عاماً، إمكانية أن يكون للفايكنج دور في تأسيس وولادة روسيا، إذ يقول السجل الروسي المسماة “نيستور شروينكان”، إنه تم التماس المساعدة من دول الشمال بهدف وضع حدّ للنزاعات القبلية في روسيا، فقصد البلاد ثلاثة أشقاء من الدول الإسكندنافية، وهم “روريك، سينيوس وتروفور”، وساهموا في ولادة روسيا من خلال إرساء النظام والقانون فيها، وهو سجل هام كتبه بالروسية كاهن يُدعى “نيستور” عام 1100م.

وفقًا للباحثين، تم استخدام اسم Rus للإشارة إلى الفايكنج السويديين، وتتطورت التسمية فيما بعد إلى “السلاف”، هذا إلى جانب الجدال القائم بين بعض المؤرخين واللغويين حول أسماء السواحل في السويد مثل Roden و Roslagen، والآتية من الجذر نفسه.

كما تمت الإشارة إلى الفايكنج في المصادر البيزنطية القديمة باسم Rhôs، وهو ما لفت انتباه اللغويون والمؤرخون إلى التشابه المثيرا للاهتمام بين الكلمات Ras / Roslagen / Ruotsi / Rhos.

أما فيما يتعلق بالمناطق التي عاشت فيها المجتمعات المسلمة خلال فترة الفايكنج، وخاصة الأجزاء الغربية والجنوبية من بحر قزوين، فكانت تسمى “Särkland-سركلاند”، وهي تسمية تم استخدامها في بعض الأحيان للدلالة على مركز الخلافة الإسلامية، بالإضافة لورودها في مصادر أخرى للإشارة إلى “الشرق الأدنى”، هذا إلى جانب وجود آراء مختلفة أخرى حول أصل الكلمة ومعناها.

فذهب بعض العلماء إلى أن تكون الكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية sericum، والتي تعني “الحرير” وأن Särkland قد تشير إلى “أرض الحرير” أو “مدينة الحرير”، فيما يرى آخرون أن الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية “Saracrn”- “ساراسين” أو “ساراكينوس”، وهو‏ مصطلح استخدمه الرومان للإشارة إلى سكان الصحراء في “إقليم البتراء” الروماني ثم أصبح يطلق على العرب، وتوسع المصطلح في العصور الوسطى، وخلال الحروب الصليبية، ليشمل كل الذين يدينون بالإسلام، فيما ذهبت إحدى وجهات النظر، إلى أنّ “ساركلاند” مشتق من اسم مدينة “سركيل” في “أرض الخزر”، والتي احتلت مكانة بارزة لدى الفايكنج لوقوعها على مفترق طرق التجارة.

المواجهة الأولى بين الكرد والفايكنج

كانت المواجهة الأولى بين الفايكنج والكرد، على الأرجح، نحو عام 943م، أثناء الهجوم الذي شنّه الفايكنج على مدينة “بردا” أو “البرداء” الأذربيجانية، حيث وصل الفايكنج إلى بحر قزوين والمناطق المحيطة عبر “نهر الفولجا”، الطريق الهام الرابط بين دول الشمال ودول الشرق، خلال هذه الفترة، كانت مدينة “البرداء”، الواقعة بين نهري “أراس” و “كور”، تعتبر من المراكز التجارية المهمة، وهو ما زاد أطماع الفايكنج ولفت انتباههم إليها.

كانت مدينة “البرداء” المطلة على نهر “ترتر” الذي يصب بدوره في “نهر كور”، موطنا للعديد من الكرد الذين عاشوا ضمن هذه المناطق منذ العصور القديمة، وهو ما يمكن الاستدلال إليه مثلاً من تسميتهم الشائعة لـ “نهر ترتر” بـ”مياه كرد” ، كما يقول المؤرخ “شمس الدين المقدسي” إن إحدى بوابات “بلدة بردا” كانت تسمى بـ “البوابة الكردية” أو “باب الكرد”، هذا إلى جانب إنشاء “الإمارة الشدادية” الكردية في المنطقة الغربية لبحر قزوين، والتي اتخذت من مدينة “جينكا” عاصمة لها خلال فترة الفايكنج.

مؤسس هذه الإمارة شخص يدعى “محمد بن شداد بن قرطاق الغامدي”، حكم الشدادي في 952-1172، وهو من ذات “قبيلة الروادي” التي ينتمي إليها أسلاف “صلاح الدين الأيوبي” بحسب ما أشار المستشرق “فلاديمير مينورسكي” الذي قال إن أسلاف “صلاح الدين” كانوا مقيمين في إحدى القرى القريبة من “دفين”، وهو دليل إضافي على نشوء بعض المستعمرات الكردية في مدن “بيردا، جنجة ودفين”.

أما بالعودة إلى قضية اللقاء الأول، فقد قام الفايكنج بحصار مدينة “البرداء” عام 943 ، وبنهبوا كل ما فيها، كما احكموا سيطرتهم عليها لنحو عام كامل، ويقدم المؤرخ “ابن مسكويه” معلومات مفصلة عن هذا الهجوم بقوله إنه “عندما دخل الفايكنج مدينة “البرداء” كان الكرد من بين المدافعين عنها، حيث وصل عدد الفرسان الكرد حينها إلى نحو 1500 فارس” .

عالم الآثار السويدي “تورا جونسون آرني”، والمعروف بتعقبه لآثار الفايكنج في “القوقاز”، أشار في إحدى دراساته إلى ذلك اللقاء بين الكرد والفايكنج أثناء حصار “البرداء”، محدداً أولئك الفايكنج على أنهم “اسكندنافيون روس”.

بعد نحو عام من مكوثهم في “البرداء”، وعندما قرروا الرحيل إلى بلدانهم، ساقوا معهم الفتيات والشباب والنساء كعبيد، والذين احتلوا مساحة في كتابات بعض المؤرخين القادمين من الدول الإسلامية نحو دول أوروبا الشمالية، رغبة منهم في تتبع تاريخ وأصول عائلات هؤلاء العبيد.

“كارل إريك لاغرلوف”، أشار إلى أنه قرأ في أحد المصادر عن عملية النهب وجلب العبيد التي قام بها الفايكنج في “البرداء” عام 943م، فيقول: “ربما جاء شخص كردي إلى “هالوندا” كعبد، لم ير بلده مرة أخرى”، وإلى الآن تعرف “هالوندا”، إحدى مقاطعات “استوكهولم” السويدية، على أن ما يصل إلى نحو 79% من سكانها من أصول غير سويدية.

ولم تكن زيارة الفايكنج تلك، الزيارة الأخيرة إلى “البرداء”، بل قصدوا المدينة للمرة الثانية بعد نحو 100 عام من الحادثة الأولى، وتحديداً في عام 1040 م بقيادة شخص يدعى “إنغمار دن فيد فارن”، لكن القسم الأكبر منهم توفي نتيجة الإصابة بمرض معدٍ، ولم يتمكن سوى عدد قليل من العودة إلى بلاده، لتروي قصصهم بعض الحجارة التي تم أقيمت تخليدا لذكراهم.

الفايكنج والكرد المروانيون

بالإضافة إلى المواجهة التي حدثت في أذربيجان عام 943، تشير المصادر التاريخية إلى نشوء علاقات بين الفايكنج والكرد في “ديار بكر” و”ملاذ كرد”، حوالي عام 1000م، إذ أنّ فوج الحراسة الذي أنشأه الإمبراطور البيزنطي “باسيليوس الثاني”، كان يضم مرتزقة أجانب “فرسان مأجورون” من أصول اسكندنافية أطلق عليهم اسم Väring، وهم جماعة لم تقتصر وظيفتهم على حماية الملك، بل شاركوا أيضاً كجنود نظاميين مع الجيش الرسمي في قتال أعداء الإمبراطورية أيام الحروب.

كتب عالم الآثار “ت.ج.آرني” في مقال نشره عام 1908: “المحاربون السويديون الذين دخلوا خدمة الإمبراطور البيزنطي وقاتلوا في الأراضي الآسيوية مثل “هارالد هاردراد”، لم يختلفوا كثيرًا عن الكرد الذين يؤدون اليوم واجبهم العسكري في القسطنطينية”.

كما كان من بين الاسكندنافيين عدد من السويديين ممن أتى إلى “القسطنطينية” في عهد “باسيليوس الثاني” الذي حكم خلال الأعوام (976 -1025).

هذا وأتيح أيضاً للفايكنج التعرف أكثر على الكرد من خلال المرتزقة الذين شاركوا في الرحلات الاستكشافية إلى المناطق التي كان الكرد يقطنونها، وهو ما يفسّر العثور على نحو 90 قطعة نقدية، عائدة للإمارة المروانية الكردية، في مناطق مختلفة من السويد، والتي يمكن اعتبارها دليلاً على العلاقات التاريخية بين الدول الاسكندنافية والكرد.

عاش الكرد ضمن ظروف صعبة في “المنطقة العازلة” بين الخلافة من جهة، وبيزنطة التي وصلت حدودها الشرقية إلى “كردستان” من جهة أخرى، فحوصر الكرد بين عدوين، أو بين نارين، أجبرهم ذلك، من حين لآخر، على الوقوف في صف أحد الطرفين في مواجهة الآخر عندما كانت الظروف تشتد بهم نتيجة السياسة التوسعية التي انتهجتها بيزنطة، والتي سرعان ما أدركت قوة ومكانة الكرد، ما دفعها إلى توطيد العلاقات معهم باتباع نهج ودّي أكثر، وهو ما يبدو جليا أكثر خلال الفترة المروانية، بعد عودة “باسيليوس الثاني” من رحلته الإستكشافية في “سوريا” عام 1000 م، ولقائه في “ديار بكر” بالأمير المرواني “أبو منصور سعيد بن مروان” الذي استقبله بمراسم احتفالية ملكية، مقدماً له مختلف أنواع الهدايا والعطايا.

في تلك الأثناء، كان برفقة الإمبراطور حراسه “الاسكندنافيون المأجورون” أو الـ Värings، وهو ما أشار إليه “إلياس دايفيدسنون” الذي درس تفاصيل العلاقة بين هؤلاء الجنود والبيزنطينيين، مؤكداً على مرافقتهم الدائمة للملك طوال تلك الرحلة، مشيراً إلى توجههم عبر “ديار بكر” إلى “جورجيا”، ليعودوا برفقته مرة ثانية إلى إسطنبول بعد نحو عامين من زيارتهم الأولى تلك.

معركة ملاذكرد

من المرجح أن لقاء الكرد تجدد مع الفايكنج الاسكندنافيين الذين قاتلوا إلى جانب الإمبراطورية البيزنطية في موقعة “ملاذكرد”عام 1071، والتي شارك فيها ما يقرب من 10.000 كردي إلى جانب السلاجقة المسلمين في مواجهة الإمبراطور “رومانوس الرابع”، حيث وجدت نقوش على بعض الحجارة التي عثر عليها في السويد، تقول: “Han dog med grekerna”، أي، “لقد مات مع الإغريق”، أو عبارة “Han föll i Grekland”، أي، “لقد مات في اليونان”، حيث أشار بعض الباحثين إلى أن هذه الأحجار ربما تكون قد أقيمت لإحياء ذكرى المرتزقة الاسكندنافيين الذين ماتوا في معركة “ملاذكرد”، من منطلق أنهم كانوا يطلقون على البيزنطيين اسم “يونانيين” كما كانت بيزنطة معروفة باسم Grekland أي “أرض اليونان”، وهو ما يرجّح نظرية أن معركة “ملاذكرد” كانت الحدث التاريخي الذي تواجه فيه الكرد مع الفايكنغ للمرة الثالثة.

عملات الإمارة المروانية الكردية التي تم جلبها إلى السويد خلال فترة الفايكنج

تعد “جزيرة غوتلاند” السويدية، إحدى أبرز الأماكن التي تم العثور فيها على العملات الكردية المسكوكة خلال فترة الفايكنج، فوفقاً لعدد من الكتالوجات والأبحاث الخاصة بالمسكوكات والتي أجرتها جامعة ستوكهولم، فقد عثر على أولى هذه العملات عام 1815 في منطقة تدعى “بروبي” تابعة لبلدية “أوسترا غوينج” السويدية، ووصل عدد العملات التي عثر عليها، ما بين عامي 1815 و 1990، في جميع أنحاء السويد، إلى نحو 90 عملة من الفضة، جميعها عائدة إلى لإمارة المروانية الكردية، فنحو 83 منها عثر عليها في أجزاء مختلفة من جزيرة “جوتلاند”، فيما توزعت العملات الـ7 الأخرى في جميع أنحاء السويد..

والإمارة المروانية الكردية، كما هو معروف، حكمت منطقة “ديار بكر” ما بين الأعوام 983 – 1085، وكانت عاصمتها “ميافارقين”، ” Martyropolis، Farikin، Silvan”، كما ضمّت أراضيها العديد من المدن مثل ” ميافارقين، آمد، نصيبين وجزيرة بوطان”، ووصلت حدودها إلى “بيتليس وملاذكرد”..

ومعظم العملات الكردية التي عثر عليها، تم تثبيت سكّها ما بين أعوام 990-1010 تقريبًا في مدن “ميافارقين وجزيرة بوطان ونصيبين” خلال عهد “أبو علي الحسن بن مروان” و”منصور سعيد بن مروان”، اللذين كانا من أوائل أمراء الإمارة المروانية، أما فيما يتعلق بأماكن سكّها، فتوزعت كالآتي:

29 عملة في ميافارقين، 5 في جزيرة بوطان، 2 في نصيبين، 1 في آمد، بينما لم يتم تحديد مكان سك العملات الـ 55 الأخرى، نظراً لتعرض بعضها للكسر والتصدّع، أو لوجود ثقوب على البعض الآخر، مما يشير إلى أنها كانت خارجة عن التداول بعد جلبها إلى السويد، الأمر الذي دفع البعض إلى استخدامها كنوع من الزينة.

من خلال التدقيق بالعديد من المصادر، يمكن ملاحظة العلاقة الحيوية والنشطة التي كانت تربط “جزيرة غوتلاند” مع العالم الخارجي، لدرجة وصفت على أنها “لؤلؤة بحر البلطيق- Östersjöns pärla”، نظراً لدورها البارز في توطيد العلاقات التجارية بين الشرق والغرب، وهو ما تؤكده عشرات آلاف العملات المعدنية الإسلامية التي عثر عليها في الجزيرة والتي وصلت إلى نحو 60 ألف عملة معدنية شرقية، من أصل 80 ألفا عثر عليها في مختلف أراضي السويد، كما أن نسبة العملات العائدة للخلافة الإسلامية والتي عثر عليها في السويد، تعادل نحو 90% من جميع العملات التي وجدت في مختلف أنحاء أوروبا، مما يؤكد حيوية العلاقة بين السويد ومنطقة الشرق خلال عصر الفايكنج..

وعلى الرغم من قلتها، تم العثور كذلك على بعض العملات المروانية في عدد من بلدان الشمال الأوروبي، فكانت آخر هذه الإكتشافات في “النرويج” و”الدنمارك”، إذ عثر على عملتين في النرويج وواحدة في الدنمارك، وهو ما يدل على الاتصال الأقل لهذين البلدين بمدن الشرق مقارنة بالسويد.

كما أشارت بعض الدراسات إلى عدد من العملات المروانية التي عثر عليها في فنلندا، كالأطروحة الخاصة بالعملات المروانية التي قدمها المستشرق وعالم اللاهوت “غابرييل جاتلين” ونشرها عام 1863.

حفظ العملات المروانية

يعتبر المستشرق السويدي البروفيسور Carolus Johannes Tornberg، أول من كتب وفصّل الحديث عن العملات المروانية الكردية الموجودة في السويد في عدد من الدراسات، حيث قدم بحثاً هاماً باللاتينية عن 3 من هذه القطع المعدنية عام 1847، كما قدم، في وقت لاحق، معلومات مفصلة عن 12 قطعة نقدية، إلى جانب بحث آخر طرحه باللغة السويدية عام 1857 عن 13 قطعة نقدية مروانية، حيث تطرق في دراسته الأخيرة هذه، إلى حقيقة حكم المروانيين الكرد لمنطقة “ديار بكر”، مؤكدا أن القطع النقدية الـ 13، تم سكّها بين أعوام 993 / 994 و 1008/ 1009 باسم أول أميرين في الإمارة، كما تطرق في الوقت ذاته، إلى بعض المعلومات الهامة حول الجغرافية التي امتد إليها الحكم المرواني، كمنطقة “نصيبين”، التي نوّه إلى أنها كانت من أهم المراكز الحيوية في “جزيرة بوطان” من حيث إنتاج الكولونيا وعدد من السلع التجارية الأخرى، إلى جانب إشارته لوفرة الفاكهة المزروعة في العاصمة “ميافارقين”، التي عرفت أيضاً كمركز تجاري تقصده القوافل ويزوره التجار من مختلف المناطق، طمعاً في الأقمشة القطنية التي كانت تنتجها المدينة، مما سرّع في تطور وازدهار الحركة التجارية فيها.

لقد أمكننا التعرف أكثر على تفاصيل العملات المروانية التي عثر عليها نتيجة الحفريات المختلفة في السويد، من خلال بعض الأبحاث التي تناولتها بالدراسة لاحقاً، كالعملات المروانية الأربع التي عثر عليها عام 1910، والكنز الضخم الذي وجد في “جزيرة جوتلاند” عام 1967 والذي احتوى ايضاً على عدد من العملات المروانية المسننة الحواف، والتي تم تثبيت سكّها في “ميافارقين” في عام 999 م.

كما تجدد اهتمام الباحثين بالعملات المروانية خلال السنوات الأخيرة، كالمعلومات الهامة التي قدمها الباحث “ماركوس جوهانسون” حول عشرات الآلاف من العملات المعدنية التي تم إحضارها إلى السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية / الشمالية من الدول الإسلامية خلال فترة الفايكنج، فكان من ضمن ما قدمه من معلومات، تفاصيل موجزة عن الإمارة المروانية الكردية ومعلومات عن نحو مائة قطعة نقدية عائدة للإمارة، مضيفاً إلى بحثه رسمًا بيانيًا قارن فيه العملات المعدنية المروانية التي عثر عليها في كل من السويد ودول البلطيق وروسيا، إلى جانب خريطة بسيطة توضح موقع الإمارة.

كذلك قدّم الباحث في مجال المسكوكات “ماكس كوسارو”، في إحدى دراساته، تفسيراً وبحثاً مقارناً بين العملات الألمانية والعملات الإسلامية التي عثر عليها في جزيرة “جوتلاند”، مستنداً في بحثه على مناطق توزع العملات المروانية في الجزيرة، وحقيقة أن هذه القطع النقدية، عثر عليها جنبًا إلى جنب مع العملات الألمانية، أي في نفس المواقع المكتشفة أو “أماكن تخبئتها”، فيلفت الباحث الانتباه إلى احتمالية أن تكون بعض هذه العملات قد تم جلبها إلى الجزيرة عبر ألمانيا من خلال بعض الممثلين الجوالين أو مجموعات مماثلة.

عملات أخرى:

تؤكد المعلومات المدوّنة أيضاً نتائج بعض الحفريات الأثرية التي تمت في السويد، وتأتي في مقدمة هذه النتائج، بعض العملات الكردية التي تم التأكد من سكّها في مدينتي “البرداء” و “أردبيل” والتي لا يمكن إغفال أهميتها التاريخية، كالعملة التي عثر عليها في السويد عام 1929 والتي تم ضربها في مدينة “البرداء” باسم الأمير الكردي “ديسم بن إبراهيم الكردي”، كما عثر على عملة أخرى للأمير ذاته خلال إحدى الحفريات التي أجريت في السويد أيضاً عام 1915، فتؤكد لنا نتائج ما عثر عليه على أن الأمير كان قد فرض شكل من أشكال الحكم على الأراضي الأذربيجانية وخاصة في مدينتي “البرداء و”أردبيل”، وهو ما يؤكده الشرح الوارد للعملة التي عثر عليها عام 1915، والتي تم تعريفها في إحدى كتالوجات العملات السويدية بالعبارة التالية:

Kurdish,341(952/953),Daysam ibn İbrahim.

وقد ذهب الباحثون إلى أن هذه العملات الكردية تم جلبها إلى السويد من خلال الحملات الإستكشافية التي نظمها الفايكنج إلى المنطقة، مع التأكيد على أهمية عدم إغفال نشاط الحركة التجارية خلال تلك الفترة بين مدن الشرق ومدن الغرب.

…………..

كيف وصلت العملات الكردية إلى الدول الإسكندنافية؟

الطريقا الرئيسيان للاستيراد حينها كانا عبر نهري “دنيبر” و”الفولغا”.

أما فيما يتعلق بالطريق الأول: فقد امتد الطريق المرتبط بنهر “دنيبر” حتى البحر الأسود وبيزنطة، وهو ما دفع الباحثين إلى ترجيح نظرية أن تكون العملات قد احضرت عبر هذا الطريق إلى جزيرة “جوتلاند” من قبل “المرتزقة” الاسكندنافيين الذين خدموا في “القسطنطينية” خلال حقبة الفايكنج، مع احتمالية أن يكونوا قد حصلوا على هذه العملات من مصادر عدّة، فإلى جانب خدمتهم في فوج حرس الملك الخاص، شاركوا أيضاً كجنود نظاميين مع الجيش البيزنطي أثناء معاركهم ضد الأعداء، مع التنويه إلى أن بعض هذه المعارك كانت ضمن جغرافية “كردستان” أو على حدودها، مما رجّح نظرية أن الـ “فارينغس” ربما استولوا على القطع النقدية المروانية خلال هذه الحملات، فأخذوها معهم بدايةً إلى القسطنطينية، ومن ثم إلى الدول الاسكندنافية عندما عادوا إلى ديارهم، هذا مع عدم اغفال احتمال أن يكونوا قد استولوا عليها أيضاً في “القسطنطينية” نفسها، نظراً للشهرة التي كانت المدينة تتمتع بها في المجال التجاري، واعتبارها ملتقى للتجار القادمين من الشرق و الغرب، وما لهذه الأهمية من تأثير على حركة العملات باختلافها.

أما الطريق الآخر، فهو من خلال منطقة “بحر قزوين” عبر “نهر الفولغا”، وهي مناطق زارها الفايكنج عدة مرات خلال القرن العاشر.

الحملات التي قام بها الفايكنج باتجاه الشرق الإسلامي، أو ما كانت تعرف بـ “سركلاند”، باتجاه المناطق الغربية والجنوبية من بحر قزوين، لها قيمة كبيرة في تاريخ الفايكنج السويدي، فالعلاقات النشطة التي كانت تربط عاصمة الإمارة المروانية “ميافارقين” بالعالم الخارجي، وما نتج عنها من استقطاب للتجار من مختلف الأقاليم الذين قصدوا العاصمة لشهرتها في صناعة السلع القطنية والصوفية، ساهم ذلك في تطور كبير لحركة التجارة في المنطقة، هذا إلى جانب الصلات التي تخطّت التجارة والبضائع..

فاحد الأمراء المروانيين، والمسمى “نصر الدولة”، كان متزوجاً من ابنة أحد السادة في منطقة “أران” الواقعة في الجزء الغربي من بحر قزوين.

كما هو معروف، فقد نظم الفايكنج عدة رحلات استكشافية للفايكنج إلى بحر قزوين والمناطق المحيطة خلال الأعوام، 1030-1033 و 1041، وبالتالي، يمكننا القول أن الفرصة دائماً كانت متاحة للفايكنج للحصول على العملات المروانية من مناطق قد تتخطى في حدود القسطنطينية وحدها.

المصادر:

 

تشير اللوحة الى موت بعض الفايكنج في سركلاند

 

عملة مروانية حوالي سنة 900
دينار ذهب ضُرب باسم ديسم في بردا
طريق فولجا التجاري (باللون الأحمر) والطريق التجاري من بلاد الإفرنج إلى بلاد الإغريق (باللون الأحمر). الولايات المتحدة عرض طرق التجارة الأخرى في القرنين الثامن والحادي عشر باللون البرتقالي

المصدر:

مجلة “تاريخ الكرد”، العدد 28- 2017

بقلم “روهات آلاكوم”..

تمت مراجعة بعض المصادر التي أوردها الكاتب من قبل المترجم.

نقلاً عن : مدارات كُرد

شارك هذه المقالة على المنصات التالية