ملخص تنفيذي:
يغطي هذا التقرير حصيلة الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، خلال النصف الأول من عام 2024، سواءً بالطائرات الحربية والمسيّرة، أو عبر المدافع والصواريخ، والتي خلفت قتلى وجرحى مدنيين/ات، كما أدت إلى تدمير البنى التحتية والمرافق التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.
منذ مطلع عام 2024، عمد الجيش التركي إلى قصف مناطق شمال شرق سوريا 345 مرة -على الأقل- ما أسفر عن مقتل 11 مدني، بينهم طفل، وإصابة 51 آخرين، بينهم 7 أطفال و6 نساء، فضلاً عن تدمير متعمد لعشرات المرافق الحيوية، كالمراكز الصحية، ومحطات تحويل الكهرباء، وحقول النفط والغاز، حارمةً سكان المنطقة من الكهرباء والمياه والغاز لأشهر.
كانت الهجمات التي شنتها تركيا بواسطة المدافع والصواريخ الأكثر إزهاقاً لأرواح المدنيين في شمال شرق سوريا، خلال النصف الأول من عام 2024، حيث وثقت “تآزر” 243 حالة قصف، أوّدت بحياة 10 مدنيين، وأسفرت عن إصابة 25 آخرين. كما تمّ توثيق 102 غارة جوية بواسطة طائرات حربية ومسيّرة، قُتل خلالها طفل، وأُصيب 26 آخرون، بينهم 7 أطفال و6 نساء.
وتُشير القصص التي وثقتها “تآزر” إلى تعمد تركيا تنفيذ نمط من الضربات الجوية المزدوجة والمتتالية، من خلال تكرار قصف نفس الموقع لأكثر من مرة، ما أدى إلى إيقاع المزيد من الضحايا وإحداث دمار إضافي، بالإضافة إلى استهداف مدنيين حاولوا إسعاف الضحايا.أعلى النموذجأسفل النموذج
لم تُراعِ تركيا في هجماتها على شمال شرق سوريا، حماية حياة المدنيين، وفقاً لمبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني، حيث أفرطت في إزهاق أرواح المدنيين، وعرضتهم للإصابة، وألحقت أضراراً بالأعيان المدنية. يُشير تحليل البيانات التي وثقتها تآزر” خلال النصف الأول من عام 2024 إلى أنّ الهجمات التركية أسفرت عن مقتل 11 مدني وإصابة 51 آخرين، مقابل مقتل 9 مقاتلين وجُرح 24 آخرين من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
أثّرت الهجمات التركية بشكل كارثي على حياة سكان مناطق شمال شرق سوريا، التي تحتضن نحو مليون نازح داخلي، وأدّت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة بالفعل، كما ألحقت أضراراً بالعديد من المناطق السكنية والمرافق الخدمية والصحية، والمنشآت الحيوية، بالإضافة إلى المصانع والشركات الصغيرة، في وقتٍ تعاني فيه المنطقة من اقتصاد متدهور وبُنى تحتية متهالكة أساساً.
وقال منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا NES Forum، وهو تحالف للمنظمات الدولية العاملة في المنطقة، إنّ الهجمات التركية أسهمت في تقويض جهود المنظمات غير الحكومية، وأثرت سلباً على إيصال المساعدات الإنسانية، اعتباراً من 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث قامت العديد من المنظمات التي تقدم خدمات حيوية بتقييد أنشطتها من الروتين إلى إنقاذ الحياة (أي الرعاية الصحية الأولية). ولا يمكن ضمان استمرار تقديم الخدمات للمنظمات غير الحكومية في حالة استمرار الأعمال العدائية بسبب المخاطر التشغيلية والمخاوف المتعلقة بسلامة الموظفين والمستفيدين.
وفي بيان لاحق صدر بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2024 حول الهجمات التركية على شمال شرق سوريا، قال NES Forum؛ إنّ الكهرباء انقطعت عن مليون شخص في المدن والقرى، وإن أكثر من 1.4 مليون شخص لا يحصلون إلا على القليل من المياه الصالحة للشرب. الأضرار بالمرافق الطبية المستهدفة في ديسمبر/كانون الأول 2023 عطّلت إمدادات الأوكسجين لأكثر من 12 مستشفى خاص وعام، كما أدت الغارات على 38 منشأة صحية إلى تعطيل خدماتها، ما يفاقم خطر الأمراض المنقولة بالمياه. كما حذّر المنتدى من أنّ “حجم الأضرار يفوق بكثير قدرة المجتمع الإنساني على مواصلة تقديم الخدمات الطارئة المنقذة للحياة“.
بموجب القانون الدولي الإنساني “تُحظر مهاجمة الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، أو تدميرها، أو إزالتها أو تعطيلها“. لذا، وباستهدافها المباشر لمحطات الكهرباء، منشآت النفط والغاز، المراكز الصحية، وغيرها من المنشآت المدنية في شمال شرق سوريا، وتدميرها بشكل متعمد، تنتهك تركيا التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وترقى أفعالها إلى مستوى جرائم حرب.
مقدمة:
منذ أيار/مايو 2022، يُهدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بتوغل عسكري جديد في شمال شرق سوريا، تبعه اعتداءات تركية مستمرة ومتكررة على مدن وبلدات المنطقة، حيث وثقت “تآزر” مقتل 111 مدني (بينهم 13 طفل/ة و 10 نساء) وإصابة 364 شخص (بينهم 31 طفل/ة و 19 امرأة) نتيجة الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، خلال عامي 2022 و 2023، والنصف الأول من عام 2024.
قلقٌ دائم وشعور بـانعدام الأمان والاستقرار، يعيشهُ سكان مناطق شمال شرق سوريا، نتيجة الهجمات التركية، المُعلنة والمتكررة، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، ما زاد من وتيرة الهجرة غير الشرعية طلباً للجوء الإنساني، أكثر من أي وقت مضى منذ بدء النزاع في سوريا.
منذ مطلع عام 2024، شنّت تركيا ما لا يقل عن 345 هجوم على مناطق شمال شرق سوريا، مُستهدفةً البنى التحتية الحيوية والمنشآت المدنية، بما في ذلك المراكز الصحية، محطات تحويل الكهرباء، وحقول النفط والغاز، بالإضافة إلى المصانع والشركات الصغيرة.
أدت الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا (102 غارة بالطائرات الحربية والمسيّرة، و243 حالة قصف بالمدافع والصواريخ) إلى مقتل 11 مدنياً، بينهم طفل، وإصابة 51 آخرين، بينهم 7 أطفال و6 نساء، وتركت ملايين المدنيين دون إمكانية الحصول على الغاز، والكهرباء، والمياه النظيفة.
استهدفت الاعتداءات التركية جميع المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا، ومنطقة الشهباء شمالي حلب، رغم شمولها ضمن اتفاقات خفض التصعيد/وقف إطلاق النار، التي وقّعتها تركيا مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، عقب العملية العسكرية التركية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ورغم أنّ الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، خلال عامي 2022 و2023، أدّت إلى مقتل 100 مدني (بينهم 12 طفل/ة و 10 نساء) وإصابة 313 شخص (بينهم 24 طفل/ة و 13 امرأة)، وفق ما وثقته “تآزر”، إلا أنّ منحى هذه الهجمات تصاعد منذ تشرين الأول 2023، عقب إعلان الحكومة التركية رسمياً أنّ عملياتها ستستهدف البنى التحتية والفوقية ومصادر الطاقة في شمال شرق سوريا.
جاء التهديد التركي، بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على لسان وزير الخارجية “هاكان فيدان” مُعلناً أنّ “كافة البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة -التابعة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب- في سوريا والعراق، باتت أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخباراتية“، عقب هجوم على مقر وزارة الداخلية التركية في “أنقرة” وإصابة شرطيين. رغم نفي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية/قسد، مظلوم عبدي، تورط قواته في هجوم “أنقرة”.
حتى كانون الثاني/يناير 2024، شنّت تركيا ثلاث حملات عنيفة بالطائرات الحربية والمسيّرة، تضمنت أكثر من 200 غارة جوية على أكثر من 150 موقع مختلف، بما في ذلك البنى التحتية والمرافق الحيوية، كمحطات الكهرباء، وحقول النفط والغاز، بالإضافة إلى المصانع والشركات الصغيرة، كما تمّ رصد تكرار استهداف المنشآت الحيوية حتى بعد صيانتها، خلال الحملات الثلاث، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 20 مدني، بينهم ثلاث نساء، وأدت إلى إصابة أكثر من 70 آخرين، بينهم 9 نساء و5 أطفال.
بدأت الحملة الأولى يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واستمرت لعدة أيام، إذ قصفت الطائرات التركية أكثر من 150 موقعاً حيوياً في شمال شرق سوريا، بما في ذلك محطات تحويل الكهرباء في المدن والبلدات الرئيسية، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة، ومنشآت الطاقة من نفط وغاز، أبرزها “منشأة السويدية” التي تُزود منطقة الجزيرة/محافظة الحسكة بالغاز والكهرباء. أسفرت الاستهدافات التركية عن مقتل 11 مدني، بينهم طفلين، وإصابة أكثر من 10 آخرين، بينهم طفلة فقدت قدماها، كما حرمت الملايين من سكان المنطقة من المياه والكهرباء لأسابيع.
كانت الطفلة “فرح”، التي لم تنل من اسمها نصيباً، إحدى ضحايا الغارات التركية، حيث فقدت قدميّها ولم يعد بإمكانها المشي أو اللعب. كما أُصيبت والدتها وثلاث عاملات أخريات، يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نتيجة قصف تركي استهدفهن أثناء عملهن في جني القطن لإعالة أُسرهن في قرية “بشيرية” في ريف الدرباسية. كما قُتل طفل وطفلة في اليوم نفسه، إثر قصف تركي على بلدة “عين عيسى” بريف الرقة.
وقالت هيومن رايتس ووتش في تقرير بعنوان شمال شرق سوريا: الضربات التركية تقطع المياه والكهرباء، صدر بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إنّ “غارات الطائرات المُسيّرة التركية على المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد شمال شرق سوريا ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية وأدت إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين الأشخاص“.
ومع بدء احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة، بدأت تركيا بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2023، حملة ثانية من الغارات عبر الطائرات الحربية والمسيّرة على مناطق شمال شرق سوريا، مُعلنةً تدمير نحو 50 موقعاً حيوياً، من بينها: محطة نفطية قرب قرية “الكهف/بانا شكفتيه” في ديريك/المالكية، وحقلي “عودة” و “السعيدة” النفطيين في ريف القامشلي. وأدى القصف إلى خروج المحطات السابقة عن الخدمة، ما تسبب بحرمان أكثر من مليون شخص من سكان المنطقة من الكهرباء جراء توقف إمدادات الغاز التي توفرها تلك المحطات.
استكمل الجيش التركي اعتداءاته في اليوم التالي، فعادت الطائرات المسيّرة لتقصف منشآت مدنيّة في كل من: كوباني وعامودا والقامشلي وديريك/المالكية، كان من بينها منشأة طبّية ومعمل للزيتون وورشة للخياطة ومنشآت أعلاف ومجبل للإسمنت وصالة أفراح ومعمل تعبئة أسطوانات الأكسجين الوحيد في المنطقة، بينما وقع الهجوم الأعنف بحقّ عمال مطبعة، وأدّى إلى مقتل 4 موظفين بينهم فتاة.
واعترفت وزارة الدفاع التركية في بيان رسمي بالمسؤولية عن تلك الضربات، ما يؤكد النيّة المتعمّدة وراء تلك الاستهدافات، التي أسفرت عن مقتل 9 مدنيين، بينهم فتاتين، وجرح 14 آخرين، وبثت الذعر في نفوس الأهالي.
واللافت للمرة الأولى، أنّ تركيا عمدت إلى استهداف منشآت خدمية تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، من بينها مصنع تعبئة الأكسجين الطبي في القامشلي، ومحطة كهرباء في الدرباسية، وكلاهما حصل على دعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، وقد خرجا عن الخدمة تماماً.[1]
تم افتتاح مصنع تعبئة الأوكسجين في القامشلي في عام 2022، بتمويل من برنامج بناء مجتمعات قادرة على الصمود وشاملة في حالات النزاع (BRICC) التابع لـ USAID. اليوم المصنع مُدمر تماماً، ولا تزال المعدات المحترقة والمُدمرة تحمل ملصقات كُتب عليها “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – من الشعب الأمريكي”.
وكانت محطة كهرباء الدرباسية، التي تمّت إعادة تأهيلها بدعم من USAID أيضاً في عام 2022، توفر الكهرباء لنحو 7000 أسرة في الدرباسية وحوالي 200 قرية مجاورة، كما كانت المزود المباشر للكهرباء لـ “محطة مياه علوك” الحيوية، والتي تُعّد المصدر الرئيسي لمياه الشرب لأكثر من 600,000 شخص في محافظة الحسكة. علماً أنّ “محطة علوك” تقع في الأراضي التي احتلتها تركيا نتيجة عمليتها العسكرية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019. ومنذ ذلك الحين، قامت تركيا بإيقافها عن العمل مراراً وتكراراً، مما تسبب في أزمة مياه مُدمرة في مدينة الحسكة ومخيمات النازحين التابعة لها.
ومع مطلع العام الحالي، تعرضت مناطق شمال شرق سوريا لحملة ثالثة من الغارات التركية العنيفة، بدأت بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2024، استهدفت خلالها الطائرات التركية نحو 74 موقعاً حيوياً، بما في ذلك منشآت النفط والطاقة التي سبق استهدافها في حملات سابقة، كـ “محطة السويدية” التي تُنتج الغاز والكهرباء، والتي تعرضت لعشر غارات على الأقل، ما أدّى إلى خروجها عن الخدمة نهائياً، وحرمان ملايين السكان من الغاز المنزلي، فضلاً عن انقطاع الكهرباء عن مئات القرى وعدد من البلدات والمدن، الأمر الذي أثر كذلك على تشغيل محطات المياه وغيرها من المرافق الخدمية التي تعتمد على الطاقة. كما أسفرت هذه الحملة عن إصابة 9 مدنيين، بينهم طفلين وامرأة حامل.
هذا التطور في منحى الاعتداءات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، مؤشر على نيّة تركيا بتدمير اقتصاد المنطقة وحرمان سكانها من الخدمات والحقوق الأساسية. وبحسب تصريحات مسؤولين في الإدارة الذاتية، فإنّ الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية، نتيجة الهجمات التركية، تُقدّر بملايين الدولارات، كما ذكر تقرير إعلامي -نقلاً عن مسؤولين في قطاع النفط- أنّ الخسائر تُقدّر بأكثر من مليار دولار، وتتضمن حسابات الخسائر، إصلاح الأضرار وخسائر الواردات النفطية وغيرها.
وقالت “هيومن رايتش ووتش” في تقرير لها صدر بتاريخ 09 شباط/فبراير 2024، إنَّ “الأضرار بالمرافق الطبية المستهدفة في ديسمبر/كانون الأول عطّلت إمدادات الأوكسجين لأكثر من 12 مستشفى خاص وعام، كما أدت الغارات على 28 منشأة صحية إلى تعطيل خدماتها، ما يفاقم خطر الأمراض المنقولة بالمياه“.
وانضمّت “تآزر” إلى بيانين مشتركين يُدِّينان الهجمات التركية على البنى التحتية والمنشآت المدنية في شمال شرق سوريا. البيان الأول وقّعته 151 منظمة سورية، ونُشر بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فيما صدر البيان الثاني بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2023 ووقّعته 158 منظمة سورية. وقد شدد البيانان على مطالبة مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل الفوري لحماية المدنيين ووقف الهجمات المتعمدة على البنى التحتية والمرافق العامة، والعمل على حماية المدنيين وسبل عيشهم وإيقاف استهداف المنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة.
كما أصدر منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا NES Forum، وهو تحالف للمنظمات الدولية العاملة في المنطقة، بياناً بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2024، يدعو إلى الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية في شمال شرق سوريا، ويدعو المجتمع الدولي إلى التفاوض على حلّ سياسي وإنهاء الهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية الحيوية، وجاء في البيان: “لا يمكن للاستجابة الإنسانية أن تتحمل مستوى الأضرار المتزايدة مع كل تصعيد للأعمال العدائية، ومن الضروري إدانة هذه الهجمات وإصلاح البنية التحتية الحيوية وحماية أرواح المدنيين. يتم تقويض الاستثمارات التي تمّ إجراؤها في شامل شرق سوريا والاستجابة الإنسانية بشكل متكرّر، كما أنّ سلامة المدنيين والجهات الفاعلة الإنسانية معرضة للخطر بشكل متزايد“.
بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2024، أصدر منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا، بيان آخر حول الهجمات التركية على شمال شرق سوريا، قال فيه إنّ الكهرباء انقطعت عن مليون شخص في المدن والقرى، وإن أكثر من 1.4 مليون شخص لا يحصلون إلا على القليل من المياه الصالحة للشرب. الأضرار بالمرافق الطبية المستهدفة في ديسمبر/كانون الأول 2023 عطّلت إمدادات الأوكسجين لأكثر من 12 مستشفى خاص وعام، كما أدت الغارات على 38 منشأة صحية إلى تعطيل خدماتها، ما يفاقم خطر الأمراض المنقولة بالمياه. كما حذّر المنتدى من أنّ “حجم الأضرار يفوق بكثير قدرة المجتمع الإنساني على مواصلة تقديم الخدمات الطارئة المنقذة للحياة“.
وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في بيان نشرته بتاريخ 11 آذار/مارس 2024، إنّ “أدت الهجمات الجوية التركية ضد محطات الطاقة إلى حرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وتم كذلك قتل مدنيين في هجمات جوية مُوجَّهة، ضمن نمط من الهجمات التركية بالطائرات المُسيَّرة. وقد ترقى مثل هذه الهجمات إلى جرائم الحرب.”
المسؤولية القانونية والتوصيات:
نفذت الحكومة التركية هجمات متعمدة ومعلنة على الأعيان المدنية والبنى التحتية الحيوية في شمال شرق سوريا، ما يُشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني العرفي، حيث تنص مبادئ القانون الدولي الإنساني (IHL) والقانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL) على حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم والبنية التحتية.
يحدد القانون الدولي الإنساني المعايير الأساسية التي يجب أن تلتزم بها الأطراف المتنازعة أثناء النزاعات المسلحة، بهدف حماية المدنيين والأعيان المدنية. تُعتبر الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، كما هو موضح في التقرير، انتهاكاً لعدة مبادئ أساسية في القانون الإنساني الدولي، من بينها:[2]
مبدأ التمييز:
ينص هذا المبدأ على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. تُعتبر الهجمات التي تستهدف البنى التحتية الحيوية، مثل محطات الكهرباء، منشآت النفط والغاز، والمرافق الصحية، انتهاكاً واضحاً لهذا المبدأ، حيث تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمدنيين وتعطيل الخدمات الأساسية التي يعتمدون عليها.
مبدأ التناسب:
يحظر مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي الإنساني، الهجمات على أهداف عسكرية مشروعة قد يتوقع أن تحدث خسائر عرضية في أرواح المدنيين أو تلحق أذى بالمدنيين أو أضرار بأهداف مدنية أو أن تحدث كل ذلك، مما يشكل إفراطاً في الهجمات، بالقياس على الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة والمتوقعة. كما يجب التأكيد في جميع مراحل هجوم معين على تطبيق مبدأ الاحتياطات بالتزامن مع مبدأ التناسب، وكذلك بشكل مستقل عنه. بمعنى آخر، حتى إذا لم تكن الخسائر العرضية المتوقعة في أرواح المدنيين والإصابة بينهم والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية، مُفرطة مقارنةً بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المرجوة من الهجوم، يتعين على الطرف المهاجم، رغم ذلك، اتخاذ جميع التدابير الممكنة لاختيار وسائل وأساليب قتال تؤدي إلى تجنب وقوع أضرار عرضية بين المدنيين إلى أقصى حد ممكن. يشير تحليل البيانات إلى مقتل وإصابة مدنيين بكثرة نتيجة الهجمات التركية، فضلاً عن تدمير البنى التحتية الحيوية والتسبب في معاناة كبيرة للمدنيين (مثل انقطاع الكهرباء والمياه). لذا لم تُراعِ الحكومة التركية خلال هجماتها على مناطق شمال شرق سوريا، مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي الإنساني.[3]
وتحظر المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الهجمات التي لا تميّز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وتعتبر الهجمات العشوائية التي تؤدي إلى إصابات وقتلى في صفوف المدنيين وتدمير المنشآت المدنية انتهاكاً صريحاً لهذا الحظر.[4]
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL)، فإن الدول ملزمة بحماية حقوق الإنسان الأساسية حتى في زمن النزاعات المسلحة. تشمل هذه الحقوق:
الحق في الحياة:
تنص المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويجب على الدول حماية هذا الحق. الهجمات التركية التي أودت بحياة المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، تُعتبر انتهاكاً لهذا الحق.[5]
الحق في الصحة:
يتضمن هذا الحق ضمان حصول الأفراد على الرعاية الصحية الأساسية. الهجمات على المنشآت الصحية التي أدت إلى تعطيل الخدمات الطبية تُعتبر انتهاكاً لهذا الحق، كما أن تعطيل إمدادات المياه النظيفة يزيد من خطر انتشار الأمراض، مما يشكل تهديداً إضافياً للصحة العامة.[6]
الحق في مستوى معيشي لائق:
يتضمن هذا الحق الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الضرورية لتوفير هذه الخدمات تنتهك هذا الحق بشكل مباشر.
في جميع الأحوال، على الحكومة التركية وقف الاعتداءات على المدنيين والبنى التحتية والمرافق الحيوية بشكل فوري واحترام القانون الإنساني الدولي، كما عليها بدء تحقيق شامل ونزيه في أي خسائر مدنية تنجم عن عملياتها، والامتثال للمعايير والالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وتشمل هذه الالتزامات:
حماية المدنيين: يجب على تركيا اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين والأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، والامتناع عن الهجمات التي يمكن أن تسبب أضراراً غير متناسبة أو غير مميزة.
ضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية: يجب على تركيا السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق للمدنيين المتضررين من النزاع، وضمان أنّ لا تتأثر عمليات الإغاثة بسبب العمليات العسكرية.
المسؤولية عن الأفعال غير القانونية: بموجب القانون الدولي، تُعتبر تركيا مسؤولة عن أي انتهاكات ترتكبها قواتها العسكرية، ويجب أن تُحاسب الأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
التعويض عن الأضرار: يجب على تركيا تقديم التعويضات المناسبة للضحايا المدنيين الذين تأثروا بالهجمات غير القانونية، بما في ذلك إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية.
تُظهر الأدلة والوقائع الموثقة في التقرير انتهاكات تركيا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي؛ من خلال الهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية والبنية التحتية الحيوية في شمال شرق سوريا. يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان محاسبة تركيا على هذه الانتهاكات وضمان حماية المدنيين في المناطق المتضررة.
المنهجية:
يهدف هذا التقرير إلى توثيق الهجمات التركية المتكررة على مناطق شمال شرق سوريا، مستندًا إلى تحليل شامل للبيانات التي جمعها باحثونا الميدانيون خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير 2024 وحتى نهاية حزيران/يونيو 2024. يتضمن التقرير تقييماً لآثار هذه الهجمات على المدنيين من خلال مصادر متعددة تشمل إفادات الشهود والضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن.
لإعداد هذا التقرير، جمعت “تآزر” 20 إفادة من ناجين/ات، عائلات الضحايا المدنيين، وشهود عيان على الهجمات التركية. تتضمن هذه الإفادات شهادات مباشرة حول الحوادث وتأثيراتها على الأفراد والمجتمعات المحلية. ندرك حجم مسؤوليتنا تجاه الضحايا، ونعتمد في عملنا على استراتيجيات تركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، كجزء أساسي من عملنا اليومي. نحرص على تضمين وجهات نظر متعددة لتطوير فهم عميق وتحليلي للأحداث، مع الالتزام بأعلى درجات الدقة والنزاهة.
بالإضافة إلى المقابلات، تمّت مراجعة وتحليل مجموعة واسعة من المصادر المفتوحة التي تناولت معلومات عن الهجمات التركية على شمال شرق سوريا. تمّ التحقق من صحة المعلومات الواردة في هذه المصادر، واستخدامها كمرجع داعم لتحليلنا.
أثناء جمع وتحليل البيانات، التزمنا بأعلى معايير الدقة والنزاهة لضمان موثوقية المعلومات المقدمة في التقرير. تمّ التحقق من صحة المعلومات من خلال مقارنتها بمصادر متعددة وضمان توافقها مع الشهادات والإفادات التي جمعناها.
تعتبر هذه المنهجية الشاملة والمتكاملة ضرورية لتقديم صورة واضحة ومفصلة عن تأثير الهجمات التركية على المدنيين والبنية التحتية في شمال شرق سوريا، وتعزيز الوعي الدولي بهذه الانتهاكات.
شهادات من الميدان:
تتكرر قصص الألم والمعاناة مع كل غارةً تُنفذها تركيا على مناطق شمال شرق سوريا. هذه القصص، التي وثقتها رابطة “تآزر” للضحايا، ليست مجرد أرقام في تقارير حقوق الإنسان، بل هي قصص حقيقية تُظهر بوضوح الفظائع التي تحدث في مناطق النزاع، حيث يدفع المدنيون ثمناً باهظاً نتيجة الهجمات المتكررة التي تنتهك القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان.
محاولة إنقاذ، أصبح فيها المنقذون ضحايا:
“أبو جورج” و “لوند حسن” ناجيان من القصف التركي على شمال شرق سوريا، أُصيبا في يوم واحد بحادثتين منفصلتين، أثناء محاولتهما إسعاف ضحايا آخرين، في نسق من الهجمات التركية المتتالية، وقد تحدثت “تآزر” إلى ذويهم ووثقت شهاداتهم، حيث قال أخ الضحية “أبو جورج”:
“بتاريخ 28 شباط/فبراير 2024، كان أبو جورج يقود سيارته مغادراً قريته خانا سري/خان الجبل الواقعة على طريق ديريك، عندما ناشده سكان القرية للمساعدة في إسعاف شخص -لا يعرفون هويته- أُصيب بشدة داخل سيارة جيب تعرضت لغارة بطائرة مسيّرة تركية”.
بدون تردد انطلق “أبو جورج” ورفيقه “جكر” باتجاه مدينة المالكية/ديريك لإسعاف المُصاب، لكن سيارتهم تعرضت لهجوم آخر من نفس النوع:
“تمّ استهداف سيارة أبو جورج من قبل طائرة مسيّرة تركيّة بالقرب من قرية وانكي، مما أدى إلى إصابته بجروح طفيفة، وتمزّق غشاء الطبل لدى جكر من شدة الانفجار، فيما كان الشخص المصاب ينزف وحالته حرجة للغاية”.
في الوقت ذاته، كان لوند حسن، الأب لخمسة أطفال، في طريقه إلى مصنعه لصناعة الرخام والبلاط في بلدة كركي لكي/معبدة، لكنه صادف سيارة “أبو جورج” التي تعرضت للهجوم، فتوقف على الفور لإسعاف الجرحى. وروى ذوو “لوند” ما حدث معه:
“قام لوند بنقل المصاب ذو الحالة الحرجة إلى مدينة ديريك، بينما فضل أبو جورج وجكر انتظار أقاربهم لأن حالتهم لم تكن خطيرة جداً. لكن عند مدخل مدينة ديريك، تعرضت سيارة لوند لهجوم بطائرة مسيرة تركية، مما أدى إلى إصابته بجروح بليغة وفقدانه لعينه اليمنى نتيجة تضرر شبكيته، بالإضافة إلى إصابته بشظايا في رأسه وجسده”.
لم تتمكن “تآزر” من التحقق من هوية ومصير الشخص الذي كان قد استُهدف في الغارة التركية الأولى، وما إذا كان مدنياً أو عسكرياً. ومع ذلك، فإن الهجوم الثاني والثالث استهدفا بوضوح أشخاصاً مدنيين أثناء محاولتهم إسعاف مُصاب. إنّ هذا الفعل يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، التي تنص على حماية المدنيين والأعيان المدنية، حيث يُعد استهداف المدنيين الذين يسعفون المصابين هجوماً مزدوجاً ينتهك مبدأ التمييز ويزيد من معاناة المدنيين بشكل غير مبرر.
يجد “لوند” صعوبة في التعافي من الصدمة والعودة إلى حياته الطبيعية، وتظلّ تراوده صور الشظايا واللحظات المرعبة التي حرمته النور في إحدى عينيه، ويقول الأطباء أنّه بحاجة إلى رحلة علاجية طويلة. في الجانب الآخر، ترك الهجوم التركي آثاراً نفسية وجسدية عميقة لدى كل من “أبو جورج” و “جكر”، ويراودهما شعور دائم بالخوف والقلق.
جسدي مليء بالشظايا:
كانت مناطق متعدّدة في شمال شرق سوريا، بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2024، هدفاً لهجمات مكثّفة بالطائرات المسيّرة والحربية، استهدفت الهجمات المنشآت الحيوية والأعيان المدنية على حد سواء.
كان كابرين الفرحو، البالغ من العمر 32 عاماً، وهو موظف في شركة الكهرباء في الدرباسية، قد انطلق إلى عمله كالمعتاد، حين سمع عن تعرض مركز تحويل الكهرباء في المدينة لقصف بطائرة مسيّرة تركية. دون تردد، فتوجه برفقة زميل آخر له إلى الموقع للتأكد من سلامة زملائهم وتقديم المساعدة في إخماد الحريق. روى كابرين لـ “تآزر” ما حدث بعد وصوله إلى موقع القصف:
“بعد وصولنا بعشر دقائق، تعرضت المحطة للقصف مرةً أخرى. أُصبت بشظايا في مختلف أنحاء جسدي، وتمّ إسعافي إلى مشفى خبات بالمدينة. بعد الإسعافات الأولية، نُقلتُ إلى مشفى آخر في المدينة ومنها إلى مشافي الحسكة“.
أوضح الأطباء أن جسد “كابرين” يحتوي على 18 شظية، وبينما تمّ استخراج بعضها، أخبروه بوجود عدة شظايا أخرى على جدار البطن ستتم إزالتها في وقت لاحق. يقول كابرين: “الآن أعيش مع ذكريات القصف وأحمل شظايا في جسدي من آثارها“.
تغيرت حياة “كابرين” بعد هذا اليوم، فقد أصبحت ذكريات القصف والشظايا جزءاً من يومياته، تذكره دوماً باللحظات العصيبة التي مر بها، وبالتضحيات التي يقدمها المدنيون في ظل استمرار النزاع.
وتنتهج تركيا نمط تنفيذ ضربات جوية مزدوجة ومتتالية، من خلال تكرار قصف نفس الموقع لأكثر من مرة، ويعرض ذلك المسعفين والعاملين الإنسانيين للخطر، ويؤدي إلى الحاق أكبر ضرر ممكن بالمنشأة، كما يُسهم في بثّ الذعر في نفوس الأهالي. إنّ تكرار الضربات على نفس الموقع يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ الحماية المنصوص عليها في البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف.
فرحٌ أفسده القصف:
في يوم 26 نيسان/أبريل 2024، كانت لجين دشو، الطفلة البالغة من العمر 11 عاماً، مع عائلتها في قرية “عون الدادات” شمالي منبج للمشاركة في حفلة خطوبة إحدى قريباتها. كانت المناسبة مليئة بالفرح والأمل، ولجين ترافق جدتها العجوز لمساعدتها في قضاء بعض الأمور.
وسط الأجواء الاحتفالية، سقطت فجأة قذيفتا هاون أطلقتهما فصائل “الجيش الوطني السوري” على القرية. أدى الهجوم إلى فقدان الجدة سمعها لبضع ساعات، بينما كانت لجين ترتعد من الخوف، ولم يدركوا إصابتها بشظية إلا بعد مرور ساعتين.
تم إسعاف لجين إلى “المشفى التخصصي” في مدينة منبج. بعد الفحوصات الطبية، تبيّن أن شظايا أصابتها في منطقة البطن، مما استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصال جزء من أمعائها بطول 25 سم، وفقاً للتقرير الطبي الصادر من المشفى. قالت وعد دشو، قريبة لجين، لـ “تآزر”.
“كانت لجين في مناسبة عائلية بقصد الفرح، لكنها أصيبت بشظايا من قذيفة هاون، وتم استئصال جزء من أمعائها. هي تتذكر الحادثة في كل مرة وترتعد من الخوف. أثناء علاجها في المشفى، كانوا يجدون صعوبة في الكشف عن جرحها بسبب صغر سنها وخوفها الدائم”.
تسلط قصة “لجين” الضوء على الآثار المدمرة للهجمات العشوائية على المدنيين، وخاصةً الأطفال. إنّ استخدام قذائف الهاون في مناطق مدنية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض حماية المدنيين في النزاعات المسلحة. يجب على جميع الأطراف المتنازعة احترام هذا القانون لضمان حماية الأبرياء وتجنيبهم ويلات الحرب.
الموت يُلاحقنا:
عاش “علي عبد الرحمن” الطفل البالغ من العمر 17 عاماً حياةً بسيطة، ملؤها التحديات منذ الصغر. شهد النزوح وعانى من الفقر، ولم يكن له من العمر ما يكفي ليتجاوز هذه الصعاب، حتى انتهت حياته بشكل مأساوي جراء قصف تركي.
بدأت القصة مع العملية العسكرية التركية “غصن الزيتون”، حيث نزح “علي” الذي كان عمره آنذاك 11 عاماً، من عفرين قسراً. احتلت القوات التركية المدينة بمساعدة فصائل “الجيش الوطني السوري”، مما أجبر “علي” وعائلته على الانتقال إلى بلدة “تل رفعت” شمالي حلب بحثاً عن الأمان.
في سن 17 عاماً، وبعد أن اشتد عليه وأسرته ضيق العيش، اضطر “علي” للعمل في مجال البناء والحفر في قرية “بيلونيه”. لكن في 17 آذار/مارس 2024، قصفت طائرات مسيّرة تركية القرية، مما أدى إلى إصابة “علي” بجروح بليغة، في حين أصيب زميل له يبلغ 30 عاماً بشظايا في جميع أنحاء جسده.
تحدثت “تآزر” إلى “زكريا” (27 عاماً) شقيق “علي” الأكبر، وقال:
” اضطر أخي للعمل نتيجة الوضع الاقتصادي السيء، ولم يمرّ أسبوع على بدئه العمل حتى أصيب نتيجة قصف بطائرة مسيّرة تركية. تمّ نقله مع زميله المصاب إلى مشفى تل رفعت، ثم تم تحويلهما إلى مشفى “فافين” في الشهباء. نجا زميله بعد استخراج شظايا من جسده ووضع سيخ معدني في قدمه، لكن إصابة أخي كانت بليغة، فقد أصيب في الرأس والصدر والظهر، وتوفي في المشفى بعد ساعتين فقط من إصابته.”
وختم “زكريا” حديثه بالقول: “كانت حياة أخي بسيطة، كان صغيراً وشهد النزوح، ولم يكبر كفاية حتى مات في القصف“.
[1] للمزيد اقرأ: تركيا تستهدف مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في شمال شرق سوريا، من منشورات المعهد الكردي للسلام KPI، بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2024.
[2] اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، القانوني الدولي الإنساني، القواعد العرفية.
[3] المادة 51 (5) (ب) من البروتوكول الإضافي الأول، والقاعدة (14) من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
[4] اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، المادة 51.
[5] الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 6.
[6] الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة 12.
المصدر: تــآزر
بالصور آثار قصف الطيران الحربي التركي على المنشآت النفطية والبنية التحتية بشمال سوريا
بالصور آثار القصف التركي على مركزي غسيل الكلى والأوكسجين بمدينة قامشلو
بالصور آثار القصف التركي على مشفى للهلال الأحمر الكردي في مدينة كوباني
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=48218