الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا: تصعيد عسكري وانتهاكات واسعة
في الـ 7 من كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، شنت تركيا والفصائل المسلحة الموالية له هجوماً جوياً وبرياً مكثفاً على مدينة منبج، حيث امتدت الهجمات العسكرية لتشمل “سد تشرين” و”جسر قرقوزاق” جنوب كوباني. استخدم الجيش التركي الطائرات الحربية والمسيّرات إلى جانب الدبابات والمدفعية الثقيلة، بهدف تحقيق تقدم استراتيجي على الأرض. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام المقاومة التي أبدتها قوات سوريا الديمقراطية، والتي تصدت للهجمات وأحبطت محاولات التوغل، مما أدى إلى تكبيد القوات المهاجمة خسائر فادحة.
مجازر بحق المدنيين
وعقب فشل التقدم العسكري، لجأ الجيش التركي إلى تصعيد استهدافه للمدنيين، عبر غارات جوية مكثفة وقصف مدفعي طال العديد من القرى والبلدات. وأسفرت هذه الهجمات عن وقوع مجازر مروعة في مختلف المناطق.
ففي 8 و10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، استشهد 20 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، جراء قصف طال قريتي المستريحة وصفيان بناحية عين عيسى.
كما استشهدت ثلاثة عضوات من “تجمع نساء زنوبيا” في منبج نتيجة استهداف مباشر في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لقيت مسنّة حتفها على “جسر قرقوزاق” بنيران الفصائل المسلحة، فيما تعرضت سيارة إسعاف تابعة لمشفى كوباني للقصف، مما أدى إلى استشهاد السائق وأحد الجرحى.
وتواصلت المجازر في الأيام التالية، حيث أسفر قصف مدفعي في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024 عن استشهاد أم وطفليها في قرية جعدة التابعة لكوباني. وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر 2024، استشهدت الصحفية جيهان بلكين والصحفي ناظم داشتان إثر استهدافهما بمسيّرة تركية.
ومع دخول عام 2025، استمر التصعيد العسكري ضد المدنيين، حيث استهدفت الطائرات التركية في 8 كانون الثاني/ يناير قافلة مدنية عند “سد تشرين”، ما أسفر عن استشهاد خمسة مدنيين وإصابة 15 آخرين.
وفي 28 كانون الثاني/ يناير، وقعت واحدة من أعنف المجازر، حيث استشهد 13 مدنياً، معظمهم أطفال، جراء غارة جوية استهدفت سوقاً شعبياً في صرين كما أصيب 12 آخرين.
كما شهد يوم 6 شباط/ فبراير إصابة ثلاثة محتجين نتيجة قصف مسيّرة تركية على سد تشرين، تلاه قصف آخر في 8 شباط/ فبراير استهدف قرية آشمة، مما أدى إلى إصابة تسعة مدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال.
وبالمحصلة، أدت الهجمات التركية منذ 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024 وحتى العاشر من شباط/ فبراير الجاري، إلى استشهاد 82 مدنياً وإصابة أكثر من 250 آخرين، وفق هيئة الصحة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.
استهداف البنية التحتية والخدمات
هذه الهجمات لم تكن الأولى، حيث سبقتها هجمات استهدفت إلى جانب المدنيين، المنشآت الحيوية والبنية التحتية أيضاً، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة في المنطقة. فخلال عامي 2023 و2024، تعرضت العديد من المنشآت الخدمية للقصف المباشر، حيث تم تدمير 31 منشأة حيوية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحده، من بينها 14 منشأة نفطية و9 محطات كهرباء ومستشفيات. أدى هذا التدمير إلى حرمان أكثر من 4.2 مليون شخص من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، كما تسبب بانقطاع مياه محطة علوك عن مليون نسمة في الحسكة.
إلى جانب ذلك، انعكس القصف التركي على قطاع التعليم، حيث توقفت الدراسة لأكثر من 910 آلاف طالب نتيجة تضرر المدارس أو اضطرار العائلات للنزوح هرباً من القصف. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تجاوزت الخسائر الناتجة عن هذه الهجمات 80 مليون دولار، مما عمّق من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة.
تغيير ديموغرافي ممنهج
ومنذ احتلالها للأراضي السورية، سعت تركيا إلى فرض تغيير ديموغرافي في تلك المناطق، عبر تهجير السكان الأصليين وإحلال عائلات المسلحين المدعومين منها بدلاً عنهم. فمنذ عام 2018، شهدت منطقة عفرين تهجيراً قسرياً لأكثر من 400 ألف من سكانها، بالتزامن مع بناء عشرات المستوطنات بدعم من جمعيات قطرية وكويتية وفلسطينية مرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين. وحتى الآن، تم إنشاء نحو 68 ألف وحدة استيطانية لإسكان عوائل المسلحين، بينما يجري ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا قسراً وإسكانهم في هذه المستوطنات، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية للمنطقة.
تدمير البيئة ونهب الموارد
وتسببت سياسات تركيا والفصائل الموالية لها في سوريا، بتدمير ممنهج للغطاء النباتي ونهب الموارد الزراعية، خاصة في منطقة عفرين التي كانت تشتهر بانتاجها الوفير للزيتون. حيث تم قطع آلاف الأشجار الحراجية وأشجار الزيتون بشكل متعمد، كما تعرضت الغابات لحملات حرق واسعة، أدت إلى القضاء على أكثر من 300 هكتار من الأراضي الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، تم نهب محصول الزيتون بشكل منظم، حيث يتم تهريبه إلى تركيا وبيعه في الأسواق العالمية على أنه منتج تركي.
ضرورة التحرك الدولي
وتعكس هذه الانتهاكات المستمرة سياسة ممنهجة تهدف إلى إضعاف المنطقة وإجبار سكانها على النزوح، في ظل غياب أي تحرك دولي جاد لوقف هذه الجرائم. ومع استمرار تركيا في استهداف المدنيين والبنية التحتية، يصبح التدخل العاجل ضرورة مُلحّة لحماية سكان شمال وشرق سوريا من التهجير والانتهاكات المستمرة.
ولمواجهة هذه الهجمات والانتهاكات، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فعالة للضغط على تركيا لوقف عدوانها، وذلك من خلال فرض عقوبات دولية تستهدف المسؤولين عن هذه الهجمات. كما ينبغي تقديم دعم إنساني عاجل للمتضررين، إلى جانب إرسال لجان تحقيق دولية لتوثيق الجرائم التركية ومحاسبة المسؤولين عنها. بالإضافة إلى ذلك، يعد دعم الإدارة الذاتية سياسياً ودبلوماسياً خطوة ضرورية لضمان استقرار المنطقة ومنع تكرار هذه المآسي في المستقبل.
المصدر: مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62408