الخميس 31 تموز 2025

الهوية السورية الجديدة؛ يجب أن تكون قضية وطن ومكونات وليست “أكثرية وأقليات”

بير رستم

إنني سأبدي وجهة نظر في الحكومة الانتقالية الحالية في دمشق، قد تفاجئ الكثيرين منكم وذلك لم هو على خلاف مع الرأي السائد في الشارع الكردي؛ بأنها “حكومة طائفية سنية جهادية تعادي حقوق باقي المكونات السورية ومتورطة بارتكاب عدد من الجرائم في الساحل ومؤخرًا بالسويداء، ولا ننسى بأن الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء ما يسمى بالجيش الوطني السوري العائد لهذه الحكومة، قد أرتكبت العديد من الجرائم والانتهاكات بحق شعبنا الكردي إبان الاحتلال الاخواني الميليشاوي التركي لمناطقنا!” هذه هي عموماً الصورة النمطية في الشارع الكردي وكذلك السوري عموماً، ما عدا جماعة أو طائفة النظام الحالي من الإسلاميين الراديكاليين وبعض الجماعات المرتبطة بالمصالح الإقليمية وفي المقدمة تركيا وبعض الدول العربية الخليجية.

ما تقدم وكما أشرنا؛ بأن تلك هي الصورة النمطية في رؤية العديد من القوى والمكونات المجتمعية السورية، وللعلم هي رؤيتنا عموماً للحكومة الانتقالية، لكن ما يمكن أن تكون نقطة خلافنا مع العديد هو إننا نجد في هذه الحكومة ضرورة مرحلية هامة لنا نحن السوريين، وبالأخص “المكونات الأقلوية”، كما يسموننا نحن الكرد والعلويين والموحدين وقسم من المسيحيين ومعهم العلمانيين المدنيين، وهذه قد تكون فكرة صادمة ومفاجئة للعديد منكم حيث المعلوم والمتفق عليه بين “الأغلبية والأقلويات”؛ بأن الحكومة الحالية هي في صالح وخدمة الطرف السني، بينما نراها تخدم أكثر “الأقليات”! وسأوضح وجهة نظري أو سأحاول قدر الامكان توضيح رؤيتي للمسألة وذلك من خلال تسليط الضوء على عدد من النقاط لتوضيح الفكرة كما قلنا:

أولاً؛ سقوط نظام مافيوي استبدادي كنظام البعث العروبي الأيديولوجي الأمني والذي كان يحكم البلاد لأكثر من نصف قرن، بمعنى المجتمع السوري كان منضبط أو بالأحرى خاضع بحكم القمع الأمني البوليسي وبالتالي أي انفلات دون وجود سلطة بديلة تحكم بنوع آخر من الأيديولوجيا الضابطة للشارع، فإن الأمور سوف تذهب للفوضى والحرب الأهلية، وهذه دعت إسرائيل والقوى الغربية وعلى رأسها أمريكا؛ بأن تستعين بقوات “هيئة تحرير الشام” لاستلام السلطة مؤقتاً كي لا تذهب البلاد للمزيد من الحروب الداخلية.

لكن مشكلة البعض في دمشق هو عدم استيعابه للدور والمهمة المناط بهم، فهم يعتقدون بأن قد تم تسليم البلد لهم، وبالتالي من حقهم أن يقمعوا كل من يرفض الخضوع لقراراتهم فيذهبون باتجاه القمع وارتكاب المجازر على مبدأ “من يحرر يقرر”! وإذ يتفاجؤون برد حاسم وقاس أحياناً من القوى الدولية وبالأخص إسرائيل والتحالف الدولي، وقد رأينا نتائج حماقات النظام في كل من الساحل والسويداء وإلى أين أوصلت الأمور حيث الاتفاقية الأخيرة مع إسرائيل بخصوص كل الجنوب السوري وليس فقط السويداء بحيث باتت منطقة شبه مستقلة بحكم ذاتي خاص بالموحدين وتحت النفوذ والمراقبة الإسرائيلية، وهو تالياً؛ أي إعادة رسم الخارطة السياسية والإدارية في سوريا دون شوشرات والدخول في أزمات وردود فعل ترفض الفكرة من مفهوم “تقسيم البلاد”!

ثالثاً؛ وبعد أن يصبح واقع الإدارات الذاتية أو المحلية، لسنا هنا بوارد المسميات، أمر حتمي وذلك بفعل الأمر الواقع، كما الحال الآن في الجنوب، سيصبح جلوس هذه المكونات والإدارات حول طاولة الحوار لصياغة دستور جديد للبلاد هو الآخر أمر حتمي، وهنا لن تكون القضية قضية “أكثرية وأقليات”، بل قضية وطن ومكونات مجتمعية سياسية تحاور بعضها للاتفاق على صياغة لدستور يراعي حقوق مختلف مكونات البلد وحينها ستكون المواطنة السورية وفق المبادئ الدستورية.

رابعاً؛ إننا لا نريد “شيطنة السلطة الحالية”، لكن المرحلة التاريخية وما سوف تفرزها من نتائج نحن جميعاً مجبرين على الخوض فيها والقبول بها وذلك بحكم المصالح الدولية والإقليمية، والأهم بحكم السيرورة التاريخية، سيجعل هذه السلطة الحالية في نظر الكثيرين من مؤيديها ومؤازريها الحاليين سلطة مرفوضة، قسمت البلاد بين عدد من الأقاليم وبالتالي إضعاف الحكومة والمركز، بعد ان تفقد الكثير من قاعدتها الشعبية، طبعاً لا نتهم حكومة الشرع بأنها متورطة عن سابق معرفة بهذا المسار، لكن ما ينفذ بها تقودها لتلك المآلات، وربما يكون البعض منهم على دراية بالمخطط والمشروع وينفذها بطريقة واعية ولأسبابه الخاصة.

خامساً وأخيراً؛ سوريا وبقناعتي ستبقى جغرافيا سياسية موحدة، لكن بحكومات محلية واسعة الصلاحيات في مناطقها المختلفة وعلى النمط الغربي الأوروبي حيث البلديات لها صلاحيات إدارية واسعة، كما للأقاليم وكانتوناتها برلماناتها ومجالسها وميزانيتها ومشاريعها وخططها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية الخاصة بها؛ أي لا انفصال وتقسيم كما يروج لها البعض ولا دولة مركزية تعيدنا للاستبداد والدولة المافيوية الأيديولوجية، كما يريدها البعض الآخر، وإنما بلد حر ديمقراطي مدني لكل المكونات، كون الإرادة الوطنية والمصالح الدولية والأهم منها؛ سيرورة التاريخ تقتضي حتمية بناء دولة وطنية تضم كل مكونات سوريا! هو ليس حلماً طوباوياً، بل حتمية تاريخية.

باختصار؛ الحكومة الحالية الانتقالية هي حكومة وظيفية مكلفة بأداء مهمة مرحلية إلى حين الوصول لتفاهمات سياسية بين مختلف المكونات المجتمعية والسياسية السورية وحينها سيتم الدعوة لانتخابات عامة لتشكيل الحكومة الوطنية.