الواشنطن بوست: هل تنهار سوريا؟ الأقليات الخائفة تقاوم محاولة الزعيم الجديد فرض سيطرته

العنف الهائل في مناطق متعددة يغذي مطالب الأقليات بالحكم الذاتي، مما يشكل تحدياً لخطط الرئيس الشرع لبناء دولة مركزية قوية.

الترجمة الحرفية للعربية لمقالة صحيفة الواشنطن بوست من مدينة عرنة:

——-
جدار من الخوف يرتفع حول هذه البلدة الخلابة الواقعة في سفوح جبل حرمون.

يقول العديد من سكان بلدة عرنة من الطائفة الدرزية إنهم يتوجسون من مغادرة حدودها خوفًا من العنف أو التمييز الذي يستهدف أقليتهم الدينية في أجزاء من سوريا. وهم بالمثل لا يرغبون في دخول بعض الغرباء إليها: إذ إن أقرب القوات الحكومية تتمركز عند نقطة تفتيش في البلدة المجاورة.

في عرنة ومناطق أخرى تسكنها أقليات دينية وعرقية، يُنظر بشكل متزايد إلى الحكومة السورية ذات القيادة السنية الإسلامية باعتبارها تهديدًا. هذا الشعور بالاغتراب يُمثّل تحولًا خطيرًا بالنسبة لزعماء البلاد الذين تسلموا الحكم في أواخر العام الماضي بعد الإطاحة بدكتاتورية بشار الأسد وتعهدوا بتوحيد البلاد.
لكن سوريا تُظهر اليوم بوادر تشقق.

في معاقل الدروز الجبلية في الجنوب والغرب، وعلى الساحل المتوسطي حيث تتركز الأقلية العلوية، وفي المناطق الكردية في الشمال الشرقي، ارتفعت الدعوات إلى الحكم الذاتي، أو اللامركزية، أو حتى تركهم وشأنهم. السكان الذين يقولون إنهم لا يزالون يعتزون بهويتهم السورية يشعرون بالقلق تجاه مستقبلهم في البلاد. بعض القادة المحليين يستغلون هذه المخاوف للدفع علنًا تجاه تحقيق أحلام قديمة بالاستقلال.

قال نبيه كابول، أحد سكان عرنة من الدروز: “لعدة أشهر بعد السقوط الدراماتيكي للأسد، كان هناك الكثير من الأمل في سوريا الجديدة”. وأضاف: “للأسف، هذه المرحلة أسوأ من التي كنا فيها”.

يشكل هذا النفور تحديًا خطيرًا أمام مساعي الرئيس أحمد الشرع لترسيخ سلطة حكومته الفتية وخططه للتعافي الوطني بعد الحرب الأهلية الطويلة.
يدافع الشرع عن دولة مركزية تقودها دمشق، على غرار الهيكل الذي كانت عليه سوريا قبل أن تمزقها الحرب الأهلية. رؤيته، التي يقول إنها تركز على “التنمية والإعمار ووحدة الأراضي السورية”، لا تزال تحظى بشعبية بين العديد من السوريين. كما أنها حظيت بتأييد داعمين أجانب مؤثرين، من ضمنهم حلفاء من الخليج تعهدوا بتقديم الدعم والمساعدة للشرع.

قال الباحث حيد حيد، من برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس، إن الحكومة أثناء انتقالها من حقبة الأسد، ترغب في “بنية مركزية قوية تسمح باتخاذ قرارات سريعة”.
لكن الأحداث الأخيرة من العنف المروع تهدد هذه الخطط، بل وتتجاوزها. وأضاف: “الأمور تصبح أكثر إثارة للقلق كل أسبوع بدلاً من التحسن”.

وغالبًا ما تُحمّل الحكومة السورية بقايا نظام الأسد المخلوع أو قوى أجنبية – لا سيما إسرائيل – مسؤولية مشاكل البلاد، بسبب تدخلها العسكري وتواصلها مع الدروز. هذه الاتهامات تُذكي حالة من الاستقطاب السياسي، جعلت بعض الأقليات والقوات الحكومية ينظرون إلى بعضهم البعض بريبة متزايدة.

قال ضياء خير بيك، رئيس بلدية في مدينة جبلة الساحلية، والذي يحاول تهدئة التوتر بين القوات الحكومية المتمركزة هناك وسكان المنطقة من العلويين الذين لا يزالون في حالة صدمة بعد مجزرة ارتُكبت بحق أقاربهم وجيرانهم في آذار/مارس على يد القوات الحكومية أو مقاتلين متحالفين معها: “الخوف موجود من الطرفين”.

شهدت سوريا موجة جديدة من القتل الشهر الماضي في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب العاصمة دمشق، حيث لقي أكثر من ألف شخص مصرعهم في اضطرابات تخللتها فظائع، بما في ذلك جرائم ارتكبها مقاتلون متحالفون مع الدولة ضد مدنيين دروز.
ولا تزال السويداء حتى الآن في حالة توتر وعزلة، إذ أغلقت قوات الحكومة مداخلها، فيما يعاني سكانها للحصول على الطعام والماء، وينظمون تظاهرات بين الحين والآخر. وخلال الاحتجاجات الأخيرة يوم السبت، طالب السكان بشكل استفزازي بتقرير المصير والحماية من إسرائيل، التي نفذت غارات جوية على القوات السورية أثناء القتال في المدينة.

اعترف مبعوث إدارة ترامب إلى سوريا، توماس باراك، وهو من أبرز الداعمين للشرع وجهوده لتوحيد البلاد، بعد حمام الدم في السويداء، أن سوريا قد تحتاج إلى النظر في بدائل للدولة المركزية الشديدة.

قال الشهر الماضي لمجموعة من الصحفيين: “ليس اتحادًا فيدراليًا، لكن شيئًا قريبًا منه، يسمح للجميع بالحفاظ على كرامتهم، وثقافتهم، ولغتهم، ودون تهديد من الإسلاموية”. وأضاف: “أعتقد أن الجميع يقول إن علينا إيجاد طريقة أكثر عقلانية”.

تعهد بحماية الأقليات

رفض الشرع فكرة تقسيم سوريا. وقال في خطاب نقله الإعلام الرسمي الأحد: “هناك رغبات لدى البعض في تقسيم سوريا ومحاولة إنشاء كانتونات محلية داخليًا، لكن منطقيًا وسياسيًا وعقلانيًا، هذا أمر مستحيل”.
ندد بتدخل إسرائيل في السويداء، قائلاً إنه “يهدف إلى إضعاف الدولة”.

لكنه أقر أيضًا بدور حكومته في تهميش المدينة، قائلاً إن مرتكبي الانتهاكات خلال القتال سيتم محاسبتهم.
منذ توليه السلطة في ديسمبر بعد قيادته التمرد الذي أسقط الأسد، كافح الشرع لإقناع المشككين بأن وعوده بحماية الأقليات صادقة.
تاريخه الشخصي – كقيادي سابق في فرع القاعدة في سوريا – يُعد عبئًا عليه. وكذلك تصرفات المقاتلين المتطرفين الذين يقاتلون تحت اسمه ويرتكبون فظائع متزايدة.

كانت جهود حكومة الشرع في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتخفيف العزلة الدبلوماسية، والتخلص من العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد أكثر نجاحًا.
لكن بحسب حيد، فإن “تلك النجاحات قد تساعد، ولكن مشاكل سوريا الأكثر استعصاءً هي سياسية”. وأضاف أن حماس الحكومة لفرض سيطرتها الكاملة على الأراضي السورية – بما في ذلك باستخدام القوة – “لا يجدي نفعًا”. ودعا بدلًا من ذلك إلى حوار وطني بين مختلف مكونات المجتمع السوري. “فقط الوقت والانخراط الجاد وبذل الجهد كفيل ببناء الثقة والتفاهم”، لكنه حذر قائلاً: “مع النهج الحالي للحكومة، من المرجح أن تسوء الأمور”.

الخلاف مع قوات سوريا الديمقراطية

أخطر الانقسامات في سوريا قد يكون الخلاف بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية، الميليشيا التي يقودها الأكراد والتي سيطرت على مساحات شاسعة في شمال شرق البلاد خلال القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقعت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقًا مع الحكومة السورية في مارس، نص جزئيًا على “دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية” ضمن الدولة السورية.
لكن الاتفاق لم يُنفذ بعد، وسط خلافات حول مقدار الحكم الذاتي الذي ستحصل عليه المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. ويُعقّد الوضع استمرار العنف بين قوات SDF والميليشيات المدعومة من تركيا، إذ تعتبر أنقرة أن قوات SDF عدوة لها بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني PKK، الذي خاض تمردًا طويلًا ضد الدولة التركية.

مؤتمر رعته SDF للأقليات في مدينة الحسكة شرقي البلاد هذا الشهر أثار غضب الحكومة السورية، إذ دعا، من بين أمور أخرى، إلى دولة لا مركزية. ورد وزير الخارجية السوري بعد أيام بالقول إن المؤتمر “لا يمثل الشعب السوري”، واتهم المشاركين بمحاولة “استغلال أحداث السويداء”.

القتل على الساحل

تتزايد المشاعر المعادية للحكومة في قرى ومدن الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، وهي أقلية مهمشة تاريخيًا تواجه مشاعر عداء بسبب ارتباطها بالأسد، الذي اعتمد بشكل كبير على الطائفة لملء المناصب الحكومية والعسكرية العليا.
مجزرة مارس في الساحل، التي اندلعت بعد هجمات شنها موالون للأسد على قوات الأمن الحكومية، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1400 شخص، وزادت من مشاعر السخط العلوية. قُتل أكثر من 200 جندي حكومي في تلك الأحداث، لكن معظم الضحايا كانوا من المدنيين الذين قُتلوا بعد أن سُئلوا عما إذا كانوا علويين، على يد القوات الحكومية أو مقاتلين متحالفين معهم، بحسب السكان وتقرير للأمم المتحدة.

يقول سكان الساحل إنهم الآن يشكون في أن الحكومة ستحاسب الجناة، ويتساءلون أساسًا عما إذا كانت منطقتهم ستُرحب بها ضمن سوريا، أم ستُعتبر طرفًا غير موالٍ يحنّ إلى نظام سابق.

قال خيربيك، رئيس بلدية حي الرميلة في جبلة، إن أكثر من 55 شخصًا قُتلوا في منطقته خلال الاضطرابات. أُحرقت محال تجارية يملكها تحت شقته، بما في ذلك صالون حلاقة. ومع ذلك، لا يزال خيربيك يتوسط بين القوات الأمنية الحكومية – التي لا تزال حاضرة بقوة في المناطق العلوية – وبين السكان المحليين.

لكنه يقول إن مهمته ليست سهلة. فالجيران الذين لا يزالون يخافون الخروج ليلًا اتهموه بالخيانة. كما تجاهلت الحكومة مناشداته لنشر أفراد محليين في نقاط التفتيش، مفضّلة إرسال جنود من إدلب، المحافظة التي كان الشرع يحكمها قبل قدومه إلى دمشق.

قال خيربيك: “تقسيم سوريا لن يحل مشاكلنا”. وأضاف: “نحن بحاجة إلى قمح الحسكة”، في إشارة إلى محافظة تقع شرق سوريا على الحدود مع العراق. “وهم بحاجة إلى سمك الساحل”.
“نحن بحاجة لبعضنا البعض”.

مظالم متجذرة

في عرنة، لا يزال السكان الدروز يؤكدون على الروابط التاريخية لطائفتهم مع سوريا وأهمية وجودها في النسيج الاجتماعي للبلاد.
قالت ريم أبو قيس، وهي طالبة: “نحن جميعًا سوريون. نحن هنا معًا”.
ورفضت الاتهامات التي تقول إن الدروز يسعون لتقسيم البلاد ووصفتها بـ”المعلومات المضللة”.

سكان محليون آخرون بدوا دفاعيين عند الحديث عن دور إسرائيل، التي تصوّر نفسها كحامية لدروز سوريا.
قبل يوم واحد من زيارة صحفيي واشنطن بوست إلى عرنة، نشر ناطق باسم الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو له في موقع عسكري صغير يعود إلى عهد الأسد على أطراف البلدة، ويحتوي على أكواخ فارغة وبعض الشاحنات المدمرة. وكتب أن مهمة إسرائيل هناك كانت “دفاعية”.

الاختراقات الإسرائيلية للأراضي السورية ومطالبتها دمشق بنزع السلاح في منطقة جنوب العاصمة أغضبت الحكومة وأثارت غضبًا شعبيًا، بعضه وُجه ضد الدروز.
قال أحد السكان: “ينعتوننا بالخونة”. وأضاف آخر: “الإسرائيليون لا يستأذنوننا قبل أن يأتوا إلى هنا”.

ويظل سكان عرنة متشككين بشدة في حكومة الشرع، ويحملونها المسؤولية عن العنف في السويداء، الذي بدأ باشتباكات بين دروز محليين ومقاتلين بدو. ومن بين المتورطين في موجة الإعدامات والتنكيل وإحراق المنازل كانت قوات حكومية، إضافة إلى مقاتلين قبليين قاتلوا إلى جانبها.

لكن المظالم في عرنة تتجاوز أحداث السويداء. يقول السكان إنهم تعرضوا للمضايقة عند نقاط التفتيش أثناء محاولتهم مغادرة البلدة. ويشكون من أن دروزًا آخرين تعرضوا للتمييز في المؤسسات الحكومية، مثل الجامعات والمستشفيات.

قال حسين مسعود، أحد السكان: “نحن قلقون”، وأضاف، “ونخشى على المستقبل”.

المصدر: https://www.washingtonpost.com/world/2025/08/23/syria-minorities-druze-alawites-kurds-sharaa/

Scroll to Top