هدى زوين
منذ فجر التاريخ، كان الشعب الكردي جزءًا حيًّا من فسيفساء هذه المنطقة العريقة. عاش الكورد في الجبال والسهول، في المدن والقرى، يحملون في قلوبهم عشقًا للأرض ووفاءً للهوية. ورغم ما مرّوا به من محن وصعاب، ظلّت روحهم نابضة بالأمل، تنشد العدل والكرامة، وترى في التآخي مع الشعوب الأخرى سبيلًا إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
إنّ التآخي ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هو قيمة متجذّرة في الضمير الإنساني. هو الذي يجعل من التنوّع قوة، ومن الاختلاف ثراءً، ومن الوحدة جسرًا نحو الحرية. إنّنا، كشعب كردي، لا نسعى إلى العزلة ولا إلى الإقصاء، بل إلى شراكة حقيقية قائمة على العدالة والاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات.
لقد علّمتنا التجارب أنّ الحروب والانقسامات لا تبني أوطانًا، بل تزرع الجراح وتبدّد الطاقات. وحده الحوار الصادق، المبني على احترام الكرامة الإنسانية، قادر على أن يفتح أبواب المستقبل. إنّنا نؤمن أنّ وحدة العراق، بكل مكوّناته القومية والدينية، يجب أن تكون على أساس العدل والمساواة، لا على حساب طرف دون آخر.
ولأنّ الثقافة مرآة الشعوب، فإنّ دور الكورد في إثراء المشهد الثقافي العراقي والعربي كان دائمًا حاضرًا وفاعلًا. الشعر الكردي غنّى للحريّة، والموسيقى الكردية حملت هموم الناس وأحلامهم، والأدب الكردي خطّ ملاحم التضحيات. هذه الثقافة ليست جدارًا يفصلنا عن الآخرين، بل جسرًا نمدّه للتواصل والتفاهم.
اليوم، وفي ظلّ التحديات الإقليمية والدولية، يصبح التمسّك بالتآخي خيارًا استراتيجيًا لا مفرّ منه. فالقوة الحقيقية لا تُقاس بعدد البنادق، بل بعدد القلوب المتآخية، ولا تُبنى بالعزلة، بل بالتعاون. إنّنا نرى في المستقبل وطنًا يحتضن أبناءه جميعًا، يضمن لهم الحرية في التعبير، والعدالة في الحقوق، والكرامة في العيش.
إنّ التآخي هو الطريق، وهو الرسالة، وهو الوعد الذي نحمله للأجيال القادمة. فلنقف جميعًا، كوردا وعربًا وتركمانًا وآشوريين، يدًا بيد، نكتب معًا فصلًا جديدًا من تاريخ هذا الوطن، عنوانه: “كرامة الإنسان أولًا، والتآخي أبديًّا”.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=77060





