الجمعة, مارس 14, 2025

انتفاضة قامشلو… شرارة الثورة السورية الأولى

بقلم: نصر الدين إبراهيم

لم تكن انتفاضة قامشلو في 12 آذار 2004 مجرد حدثٍ عابر في تاريخ الكرد في سوريا، بل شكّلت محطةً مفصليةً كشفت عن التراكمات العميقة للقهر السياسي والتمييز الممنهج الذي تعرض له الكرد لعقود. لم تقتصر شرارتها على ملعب كرة القدم في مدينة قامشلو، بل امتدت جذوتها إلى مختلف المناطق الكردية، حيث مثّلت لحظة انفجار الغضب المكبوت، ليس فقط في وجه السياسات القمعية، بل من أجل إعادة صياغة العلاقة بين الكرد والدولة السورية على أسس العدل والكرامة والمساواة.

حاولت السلطة آنذاك الترويج لفكرة أن ما حدث كان مجرد أعمال شغب رياضية، متجاهلةً عمق الجرح الذي ظلّ ينزف لعقود. فالكرد في سوريا لم يكونوا طارئين على الجغرافيا الوطنية، ولم تكن مطالبهم انعزالًا عن القضية السورية الكبرى، بل جاءت تعبيراً عن تطلعات مشروعة نحو الحرية والكرامة، وهي ذات المطالب التي كانت تعتمر في صدور جميع السوريين، وإن اختلفت لحظات انفجار الغضب الشعبي بينهم.

شكّلت انتفاضة قامشلو صرخةً في وجه سياسات الإقصاء والتهميش، وأسهمت في إعادة تشكيل الوعي السياسي الكردي، حيث انتقل الخطاب من المطالبة بالحدّ الأدنى من الحقوق إلى تأكيد الحضور الفاعل في المعادلة الوطنية. لم تكن هذه الانتفاضة، كما حاول البعض تصويرها، خروجًا عن الهوية السورية، بل تجسيدًا لحقيقة أن الكرد كانوا دوماً جزءاً من النسيج الوطني، يسعون إلى وطن يتّسع للجميع، لا يُقصى فيه أحد، ولا يُمحى فيه أي انتماء.

لطالما كان الكرد دعاةً للحوار، مطالبين بسوريا ديمقراطية تعددية لا تُختزل في هوية واحدة. لم تخرج شعاراتهم في 12 آذار عن هذا الإطار، بل عكست مطالب جميع السوريين في الحرية والكرامة. لم تكن الانتفاضة فئوية، بل كانت صدىً لمظلوميةٍ أوسع، تجلّت لاحقًا في الحراك السوري الكبير الذي انطلق عام 2011، حين طالب الشعب السوري بأكمله بحقوقٍ لطالما رفعها الكرد في انتفاضتهم.

وفي سياق الثورة السورية، قدّم الكرد كما في انتفاضة قامشلو آلاف الشهداء، وساهموا في حماية روجآفا وشمال وشرق سوريا من الانزلاق إلى الفوضى، كما كان لهم الدور الحاسم في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي.

لم تكن انتفاضة قامشلو نهاية المطاف، بل كانت بدايةً لتحولات كبرى في الوعي السياسي، حيث أصبح الكرد أكثر إدراكاً لدورهم في رسم مستقبل البلاد. لقد أثبتت هذه الانتفاضة أن الحلّ في سوريا لا يمكن أن يكون إلا عبر إقرار التعددية والاعتراف بجميع المكونات على قدم المساواة. واليوم، بعد أكثر من عقدين، يبقى صدى 12 آذار محفورًا في الذاكرة، ليس فقط كذكرى انتفاضةٍ قمعت بوحشية، بل كمحطةٍ أعادت تشكيل مسار النضال الديمقراطي في سوريا.

لم تكن القضية الكردية يوماً هامشيةً في السياق السوري، بل كانت في صلبه، إذ إن العدالة التي يطالب بها الكرد ليست مجرد استحقاق خاص بهم، بل ضرورة لبناء سوريا جديدة، حيث لا يُضطهد أحد بسبب هويته، ولا يُهمّش شعبٌ لمجرد مطالبته بحقه في الحياة الكريمة. في 12 آذار، لم يطالب الكرد إلا بما ينشده كل مواطن حرّ: وطنٌ يتّسع للجميع، بلا إقصاء، بلا إنكار، بلا خوف.

من هنا، يبقى الحل في أن تكون سوريا بلداً للجميع، دولةً ديمقراطية برلمانية تعددية لا مركزية، فقد أثبتت العقلية التي ارتكبت المجازر الوحشية بحق العلويين مدى صوابية خيار اللامركزية، الذي لطالما دافع عنه الكرد باعتباره الحل الأمثل لسوريا بتنوعها القومي والديني والفكري.

نصر الدين إبراهيم
سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

المصدر: مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية